سوق الاثنين (حكاية)
سوق.. ومآرب أخرى
قبل دخوله السوق يقف مصباح في مؤخرة طابور الخبز، و ككل اثنين تكون وجهته مختلفة عن باقي الأيام، ويضرب بحجره عصافير كثيرة، فيتبضع من السوق ما يحتاج من خبز وخضار وما دون في قائمة هات وأخواتها تضيق به ساحات السوق على اتساعها، ورغم عدم اكتراثنا بالشراء دون غيرنا، وكما توحي الكاميرا التي التقطنا بها حركة الناس السوق، فمهمتنا كانت محددة، إلا أن صدور الباعة لم تضيق ذرعاً بفضولنا، وانطلقت ألسنتهم للحديث معنا عما سألنا وعم لم نسأل..
بعد غيث نافع أصاب تاورغاء، لم تمنع برك المياه التي تنتشر في السوق الباعة أو غيرهم من الانتشار في السوق، فهو موعد لا يختلف عليه اثنان، بل أن للسوق أبعاد أخرى فهو يكاد همزة وصل للكثيرين هنا، ممن تراموا في الأطراف وجدوا في السوق موعدا لجمع شملهم، ولا تكاد تنتهي عبارات الترحيب بين الجميع هنا، والتي كان لنا منها نصيب، كان كفيلا بكسر حاجز الوجل، فظفرنا بما كنا نبغي..
صعود.. وهبوط
لم يمنع تذمر الحاج علي مما هي عليه أسعار الأسهم في سوق التمور، من الترحيب بنا وأخذ بيده تمرا لنتذوقه ونحكم بأنفسنا عما إذا كان يستحق سعرا بخسا قدر به، ورغم تذمر باعة آخرين - كالحاج علي- من الأسعار هذا العام، إلا أن سوق التمور يشهد ازدحاماً ملحوظاً نسبة للساحات الأخرى التي اتجهنا صوبها لاحقاً..
في ساحة الأغنام "رحبة السعي" والتي تشهد حركة ونشاطاً ملحوظين كعادتها، وكما أخبرنا بذلك أحد التجار، وتتداول الأغنام بين الأيام فلها سوق على مدار الأسبوع، ولتاورغاء نصيبها يوم الاثنين، تركناه يفاوض زبونا فلم نشأ أن نكون طرفاً محسوباً ضد كلا الطرفين، وقبل أن ينفض سوق الحصيرة توجهنا صوبه فوجدنا الساحة خاوية على عروشها إلا من بائع يلملم ما بقي له من بضاعة، والذي توقف ما أن رآنا، عسى أن يكون في قدومنا صيداً ثميناً له، ولم تمنع خيبة ظنه لاحقاً من أن ينطلق لسانه بالحديث معنا: سوق الحصيرة يبدأ باكراً من السابعة صباحاً، ويستمر لساعات، والسوق على طول العام و ليس موسمياً كما قد يعتقد البعض ويوجد في السوق عدة أنواع من الحصائر التي يختلف سعرها باختلاف حجمها، ويبدو أن أسهم سوق الحصيرة تشهد انخفاضاً هي الأخرى عاماً بعد الآخر، مقابل انخفاض هنا، تشهد أسهم ساحة المشغولات التقليدية "قفة، برسيم" ارتفاعاً ملحوظاً بسبب موسم التمور، ووصل الارتفاع ذروته في ساحة الشعير بعد أن تخطى كل الحواجز لتصل أسعاره إلى الخمسين دينار..
لكل مجتهد نصيبه
في الساحة.. وهو ممر طويل على جانبيه يفترش بعض الباعة الأرض، فيما يعرض البعض الآخر بضاعته في مؤخرة سياراتهم، أو على طاولات تكتظ بها الساحة، يقف ورائها باعة أي شيء: خضار، مواد التنظيف، ملابس، خردوات، ألعاب، مواد الزينة، قرطاسية... ما يشترك فيه الباعة هو الصمت المطبق، دون التدليل ببضاعاتهم في أصوات منغمة، كما هو حال الباعة "فرصة.. فرصة"، "قرب يا بو العيلة"..
في تاورغاء ازدحم الوقت بجدول الزيارات، فكان علينا أن نودع السوق، والتي أضحت فيه الساعات كأنها ثواني، كانت هناك ما يخفي تذمر الشاري من يوم لم يمضي كما يحب، وتذمر البائع من تجارة قد تبور.. إنها طيبة وأخلاق رفيعة وتواضع جم يشترك فيها الجميع وكرم جعلنا نرفض تباعا دعوات وجهت لنا بأغلظ الإيمان.. ولوعي أو دونه لم يحلف أحد بالسيدة عائشة التي كان لنا معها شأن آخر.
منقول
http://bla-hdood.blogspot.com/2008/07/blog-post_7300.html