رسائل دعويه
اعتلال الموازين في مراعاة الأولويات
بقلم الدكتور الشيخ عبدالسلام الحصين
قال لي صاحبي -وقد بدت عليه علامات الجزع والخوف-: إني أخاف أن أموت في هذه اللحظة!
قلت: وأينا لا يخاف الموت؟! إن الموت حقيقة مرة، قل أن تجد شخصًا يتمنى هذه اللحظة.
قال: ولكني أخاف لسبب يؤرقني أحس به، لست أخاف الموت لذات الموت، إني أخاف مما بعده، أخاف من ذنب قد أحاط بي من جميع جهاتي.
قلت: كل الناس خطاؤون، وخير الخطائين التوابون.
قال -وقد سحب نفسًا عميقًا، ثم أطلقه زفرة كادت روحه تخرج بسببها-:
إني مضيع لصلاة الفجر، لا أصلي إلا حين تخرج الشمس....
أحاول الاستيقاظ في الوقت، لكن نفسي تغلبني، والشيطان يبول في أذني، فلا أصبح إلا وقد ضاقت نفسي، وخبث طبعي....
كل شيء متنغص في حياتي، لقد تحول تفكيري في هذا الذنب إلى كابوس، حتى الماء أتجرعه تجرعًا، وكأني أشرب حميمًا، لا ينزل إلى معدتي إلا سمًا يقطع أحشائي...
قلت: إن الإحساس بالذنب وخطره، والخوف منه، هو أول درجات السلم للتوبة منه..
ما الذي يمنعك من فعل الصلاة في وقتها؟
أتجهل فضل هذه الصلاة؟
ألا تعلم أن من أهل العلم من يكفر من أخرج فرضًا عن وقته عامدًا، وهو يقدر أن يصليه؟
قال: لا أجهل ذلك كله، ولكني مبتلى بالسهر، فأنا لا أنام إلا قبل الفجر بساعة أو ساعتين، ثم إذا استيقظت للصلاة في وقتها، ذهب النوم من عيني، وظللت أتقلب في فراشي حتى يأتي موعد العمل، فأذهب وأنا في غاية الكسل، وحين أعود قبل العصر بقليل، إن بقيت إلى العصر، لم أستطع النوم بعده؛ لأن موعد العمل ينتظرني في الساعة الخامسة، وإن نمت فاتتني صلاة العصر، فأنا في غم وهم.
قلت: ولم السهر؟ لم لا تنام قبل الفجر بخمس ساعات تقريبًا؟
قال: للسهر أسباب، منها أني أحب متابعة برامج دينية، منها برنامج عمرو خالد، وهو لا يذاع إلا في الساعة الثانية ليلاً تقريبًا، وهو برنامج ديني كما تعلم، يتحدث عن أمور إيمانية كثيرة، وقد تأثرت به، وحديثه يلامس قلبي، ولقد استفدت من نصائحه وتوجيهاته..
قلت: سبحان الله! أتدري ما مثلك؟! مثل من يصوم الأيام البيض، ويفطر نهار رمضان..
أتسهر لكي تستمع لبرنامج عمرو خالد، والاستماع إليه أحسن أحواله أنه سنة، وتترك الفرض الذي يكفُرُ تاركه، ثم فيه من الفضائل الشيء الكثير، وله من الثمرات والآثار على النفس والبدن شيء كثير أيضًا..
ثم إنه يمكنك أن تسجله، وتسجل غيره من البرامج التي تذاع في هذا الوقت، ثم تستمع إليها في وقت آخر..
إني لا ألومك حين تخاف من الموت....
يا أخي تفكر في ليلة صباحها إلى النار...
بعد أسبوع عدت إليه أحمل شريطًا للدكتور راغب السرجاني عن صلاة الفجر، دفعته إليه، وقلت: إني أنتظر النتائج...
مضت الأيام، فإذا هو يتصل بي، ويقول:
أنا اليوم مولود جديد، لقد استمعت إلى الشريط فأثر في نفسي تأثيرًا عظيمًا..
لي أكثر من شهر وأنا أصلي الفجر في وقتها...
لا تدري مقدار الراحة التي أشعر بها...
ليتني أطيق أن أصف لك مشاعري، ليتني أستطيع أن أصف لك نفسي كيف هي الآن..
بدأت أشعر بطعم الحياة...
أذهب إلى العمل في الصباح وأنا نشيط، طيب النفس، مرتاح البال، مطمأن الضمير..
نعم ذنوبي كثيرة، لكن لم يكن ذنب أثقل علي من هذا الذنب...
ما زالت كلمتك ترن في أذني -أتسهر لسماع أمر مستحب وتنام عن الفرض؟!-، لقد هزتني هزًا عنيفًا، كأنما جرى في عروقي قوة كهربائية، حركت جميع جوارحي..
من المؤسف أننا نرى هذا كثيرًا في حياتنا، تختل موازين التفكير في عقول كثير من الناس، فيحرص على دقائق الأمور وصغيرها وفضائلها، ويهمل عظيمها، وما وجب منها، وما هو أحب إلى الله تعالى...
في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى ((ما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضت عليه..)).
وجاء رجل إلى ابن عمر، فقال: إني قتلت بعوضة وأنا محرم، فماذا علي؟
قال: ممن الرجل؟
قال: من العراق.
فقال ابن عمر: سبحان الله!! تستحلون دم الحسين، وتسألون عن دم البعوض!!!!
كم ترى من يحسن معاملة أصدقائه، وهو يسيء معاملة والديه....
ترى من يحرص على السنن الرواتب في أوقاتها، ثم هو يأكل الربا، ويظلم الخلق، ويغش في المعاملة..
ترى الموظف يحرص على صلاة الضحى، ويهمل إنجاز عمله..
ترى بعض طلبة العلم يتحدث عن الورع والتقوى، وعن التوبة والإنابة بما يرقق القلوب، فإذا نظرت إلى واقعه وجدت انهماكًا في الشبهات، وتركًا للورع، ووقوعًا في الأعراض...
ترى من يحرص على الدروس العلمية، وسماع المحاضرات، ثم هو مضيع لصلاة الفجر والعصر، ينام عن الصلاة، ويتكاسل عن المبادرة إليها..
ترى أجسادًا في الظاهر طاهرة، وهي تحمل في الباطن قلوبًا سوداء مظلمة، لا ترى إلا السوءات، يعجبها تتبع العورات، وفضح الخلق، وحسَدَهم على ما أتاهم الله من فضله..
ترى بعض النساء تضع الحجاب على رأسها، وقد لبست بنطالاً ضيقًا، يصف من مفاتنها أشد مما يفعله شعرها لو أظهرته...
حين تختل الموازين سنرى مثل هذه الصور، وأكثر منها...
تفقَّد نفسك، ومن حولك، ثم اعرض أفعالك على القسطاس المستقيم، وسترى الحقائق على وجهها....
بقلم الدكتور الشيخ عبدالسلام الحصين
قال لي صاحبي -وقد بدت عليه علامات الجزع والخوف-: إني أخاف أن أموت في هذه اللحظة!
قلت: وأينا لا يخاف الموت؟! إن الموت حقيقة مرة، قل أن تجد شخصًا يتمنى هذه اللحظة.
قال: ولكني أخاف لسبب يؤرقني أحس به، لست أخاف الموت لذات الموت، إني أخاف مما بعده، أخاف من ذنب قد أحاط بي من جميع جهاتي.
قلت: كل الناس خطاؤون، وخير الخطائين التوابون.
قال -وقد سحب نفسًا عميقًا، ثم أطلقه زفرة كادت روحه تخرج بسببها-:
إني مضيع لصلاة الفجر، لا أصلي إلا حين تخرج الشمس....
أحاول الاستيقاظ في الوقت، لكن نفسي تغلبني، والشيطان يبول في أذني، فلا أصبح إلا وقد ضاقت نفسي، وخبث طبعي....
كل شيء متنغص في حياتي، لقد تحول تفكيري في هذا الذنب إلى كابوس، حتى الماء أتجرعه تجرعًا، وكأني أشرب حميمًا، لا ينزل إلى معدتي إلا سمًا يقطع أحشائي...
قلت: إن الإحساس بالذنب وخطره، والخوف منه، هو أول درجات السلم للتوبة منه..
ما الذي يمنعك من فعل الصلاة في وقتها؟
أتجهل فضل هذه الصلاة؟
ألا تعلم أن من أهل العلم من يكفر من أخرج فرضًا عن وقته عامدًا، وهو يقدر أن يصليه؟
قال: لا أجهل ذلك كله، ولكني مبتلى بالسهر، فأنا لا أنام إلا قبل الفجر بساعة أو ساعتين، ثم إذا استيقظت للصلاة في وقتها، ذهب النوم من عيني، وظللت أتقلب في فراشي حتى يأتي موعد العمل، فأذهب وأنا في غاية الكسل، وحين أعود قبل العصر بقليل، إن بقيت إلى العصر، لم أستطع النوم بعده؛ لأن موعد العمل ينتظرني في الساعة الخامسة، وإن نمت فاتتني صلاة العصر، فأنا في غم وهم.
قلت: ولم السهر؟ لم لا تنام قبل الفجر بخمس ساعات تقريبًا؟
قال: للسهر أسباب، منها أني أحب متابعة برامج دينية، منها برنامج عمرو خالد، وهو لا يذاع إلا في الساعة الثانية ليلاً تقريبًا، وهو برنامج ديني كما تعلم، يتحدث عن أمور إيمانية كثيرة، وقد تأثرت به، وحديثه يلامس قلبي، ولقد استفدت من نصائحه وتوجيهاته..
قلت: سبحان الله! أتدري ما مثلك؟! مثل من يصوم الأيام البيض، ويفطر نهار رمضان..
أتسهر لكي تستمع لبرنامج عمرو خالد، والاستماع إليه أحسن أحواله أنه سنة، وتترك الفرض الذي يكفُرُ تاركه، ثم فيه من الفضائل الشيء الكثير، وله من الثمرات والآثار على النفس والبدن شيء كثير أيضًا..
ثم إنه يمكنك أن تسجله، وتسجل غيره من البرامج التي تذاع في هذا الوقت، ثم تستمع إليها في وقت آخر..
إني لا ألومك حين تخاف من الموت....
يا أخي تفكر في ليلة صباحها إلى النار...
بعد أسبوع عدت إليه أحمل شريطًا للدكتور راغب السرجاني عن صلاة الفجر، دفعته إليه، وقلت: إني أنتظر النتائج...
مضت الأيام، فإذا هو يتصل بي، ويقول:
أنا اليوم مولود جديد، لقد استمعت إلى الشريط فأثر في نفسي تأثيرًا عظيمًا..
لي أكثر من شهر وأنا أصلي الفجر في وقتها...
لا تدري مقدار الراحة التي أشعر بها...
ليتني أطيق أن أصف لك مشاعري، ليتني أستطيع أن أصف لك نفسي كيف هي الآن..
بدأت أشعر بطعم الحياة...
أذهب إلى العمل في الصباح وأنا نشيط، طيب النفس، مرتاح البال، مطمأن الضمير..
نعم ذنوبي كثيرة، لكن لم يكن ذنب أثقل علي من هذا الذنب...
ما زالت كلمتك ترن في أذني -أتسهر لسماع أمر مستحب وتنام عن الفرض؟!-، لقد هزتني هزًا عنيفًا، كأنما جرى في عروقي قوة كهربائية، حركت جميع جوارحي..
من المؤسف أننا نرى هذا كثيرًا في حياتنا، تختل موازين التفكير في عقول كثير من الناس، فيحرص على دقائق الأمور وصغيرها وفضائلها، ويهمل عظيمها، وما وجب منها، وما هو أحب إلى الله تعالى...
في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى ((ما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضت عليه..)).
وجاء رجل إلى ابن عمر، فقال: إني قتلت بعوضة وأنا محرم، فماذا علي؟
قال: ممن الرجل؟
قال: من العراق.
فقال ابن عمر: سبحان الله!! تستحلون دم الحسين، وتسألون عن دم البعوض!!!!
كم ترى من يحسن معاملة أصدقائه، وهو يسيء معاملة والديه....
ترى من يحرص على السنن الرواتب في أوقاتها، ثم هو يأكل الربا، ويظلم الخلق، ويغش في المعاملة..
ترى الموظف يحرص على صلاة الضحى، ويهمل إنجاز عمله..
ترى بعض طلبة العلم يتحدث عن الورع والتقوى، وعن التوبة والإنابة بما يرقق القلوب، فإذا نظرت إلى واقعه وجدت انهماكًا في الشبهات، وتركًا للورع، ووقوعًا في الأعراض...
ترى من يحرص على الدروس العلمية، وسماع المحاضرات، ثم هو مضيع لصلاة الفجر والعصر، ينام عن الصلاة، ويتكاسل عن المبادرة إليها..
ترى أجسادًا في الظاهر طاهرة، وهي تحمل في الباطن قلوبًا سوداء مظلمة، لا ترى إلا السوءات، يعجبها تتبع العورات، وفضح الخلق، وحسَدَهم على ما أتاهم الله من فضله..
ترى بعض النساء تضع الحجاب على رأسها، وقد لبست بنطالاً ضيقًا، يصف من مفاتنها أشد مما يفعله شعرها لو أظهرته...
حين تختل الموازين سنرى مثل هذه الصور، وأكثر منها...
تفقَّد نفسك، ومن حولك، ثم اعرض أفعالك على القسطاس المستقيم، وسترى الحقائق على وجهها....