في مَدحِ الأدب
قالوا في مَدحِ الأدب
...
أوصى بَعضُ الحُكَماءِ بَنيه ، فقالَ لهم : الأدبُ أكرَمُ الجَواهرِ طبيعَةً ، وأنفَسُها قيمَةً ، يَرفعُ الأحسابَ الوضيعة ، ويُفيدُ الرغائب الجليلة ، ويُغني من غير عشيرة ، ويكثرُ الأنصارَ من غير رَزيّة ، فالبَسوهُ حُلَّةً، وتَزَيَّنوا به حِليَةً ، يؤنسكم في الوَحشَة ، ويَجمَعُ القلوبَ المُختَلِفة .
وقالَ شبيب بن شيبة : اطلبوا الأدَبَ فإنَّهُ مادّةُ العقل ، دَليلٌ على المروءة ، صاحبٌ في الغربة ، مؤنسٌ في الوَحشَة ، حِليَةٌ في المجلس .
وقالَ الخليل : مَن لم يَكتَسِبْ بالأدبِ مالاً اكتَسَبَ بهِ جمالاً .
وقالَ ابن المقفَّع : إذا أكرَمَكَ النّاسُ لمالٍ أو لدُنيا ، فلا يُعجِبَنَّكَ ، فإنَّ تلكَ كرامةٌ تَزولُ بزَوالِهما ، ولكن ليعجبَنَّكَ إذا أكرَموكَ لدينٍ أو أدَب .
وقالَ ابن عبّاس رضيَ اللهُ عنهما : كفاكَ من علمِ الدينِ أن تَعرفَ ما لا يَسع جهله ، ومن علمِ الأدبِ أن تروي الشاهِدَ
والمَثَل .
وقالَ بزرجمهر : ما وَرَّثت الآباءُ الأبناءَ خيراً من الأدبِ ، لأنَّ بهِ يَكسبونَ المالَ ، وبالجَهلِ يُتلفونَه .
وقالَ أيضا : مَن كَثُرَ أدَبُهُ كَثُرَ شَرَفُه ، وإن كانَ قبلُ وَضيعاً ، وبَعُدَ صيتُهُ وإن كانَ خامِلاً ، وسادَ وإن كانَ غَريباً ، وكثُرَت الحاجَةُ إليهِ وإن كانَ فقيراً .
وقيل : حسنُ الخلق خيرُ قرين ، والأدبُ خيرُ ميراث ، والتَّقوى خيرُ زاد .
وقالوا : ثلاث لا غُربة مَعَهنّ ، مُجانَبَةُ الرِّيَب ، وحسنُ الأدب ، وكفُّ الأذى .
وقالَ الشاعر :
مـا وَهَبَ اللهُ لامرئٍ هِبَةً
أفضَلَ من عقلِهِ ومن أدَبِهْ
هما كمالُ الفتى فإن فُقِدا
فَفَقدُهُ للحـيـاةِ أحسَنُ بِـهْ
وأنشَدَ الأصمعي :
إن يَكُ العقلُ مولوداً فـلسـتُ أرى
ذا العقلِ مُستَغنِياً عن حادِثِ الأدَبِ
إنّي رأيتُهُما كالـمـاءِ مُــخـتَـلـِـطــاً
بالتُربِ تَـظـهَـر مـنـهُ زهرَةُ العُشُبِ
قال أسامة سليم :
إن قالَ خَصمُكَ مَن أنـتُم مـن العَرَبِ
فَـانسِبْ دِماكَ إلى الـعَلياءِ بِـالأدَبِ
...
لَمّا كُـسـيـتُ بِـفَضـلِ الـعِلمِ مَـحـمَـدَةً
أصـبَـحــتُ أنـعَـمُ بِـالإقلالِ والنَّصَبِ
...
لو كنتَ تَعلَمُ ما في العِلمِ من شَـرَفٍ
لَــعِـشـتَ عُمرَكَ بَينَ الشَيخِ والكُـتُـبِ
...
الــعِـلـمُ أشرَفُ أَنـسـابــاً ومــأثُـــرَةً
أكـرِمْ بِهِ وبِــتَـقـوى اللهِ من نَـسَـبِ
...
لـو كانَ فـي الآلِ و الأموالِ تَــكــرِمَةٌ
حُطَّ الـمُؤذِّنُ واسـتَـعـلـى أبو لَـهَـبِ
...
شَـرِّفْ أُصولَـكَ بِــــالآدابِ مُـنـتَـسِـبـاً
إنَّ الـتَـأَدُّبَ شَأنُ الـسـادَةِ الــنُــجُــبِ
...
شاهَ الـجَـهـولُ و إن طابـَت مَـنـابِـتُـهُ
لن يَـبلُغَ الـجَـهـلُ إلاّ رُتــبَــةَ الـذَنَـبِ
...
لا يَـبـلُـغُ الـمَـجـدَ والأيــّــامُ شـاهِدَةٌ
إلاّ الأديـبُ كَــريمُ الـنَـفـسِ والــدَأَبِ.