وصية كريم
لما حضرت الوفاة سعيد بن العاص، قال: يا بَنِيَّ، أيكم يكفل عني دَيْني؟
قال عمرو بن سعيد: عليَّ دَيْنك يا أبَهْ! كم هو؟
قال: ثمانون ألف دينار!
قال: وفيم استدنتها؟
قال: في كريم سددت خلله، أو لئيم اشتريت عِرضي منه.
ثم قال سعيد: هذه خَصلة وبقيت خصلتان.
قال: ما هما يا أبَهْ؟
قال: يا بُنَيَّ، لا تزوّجنّ بناتي إلا من الأكْفاء ولو بفَلَق خبز الشعير! قال: أفعل. قال: يا بُنَيَّ، ذهبت خصلتان وبقيت خصلة. قال: وما هي يا أبَهْ؟ قال: إن فَقَدَ إخواني وجهي فلا يفقدوا معروفي! قال: أفعلُ يا أبَهْ!
قال: يا بُنَيَّ، ما زلت أعرف الكرم في حماليق عينيك وأنت يُحَرّكُ بك في مهدك حتى بلغتَ ما أرى! يا بُنَيَّ، ما شاتمتُ رجلا مذ كنتُ رجلا، ولا زاحمَتْ ركبتاي ركبتيه، ولا كلّفتُ من يرتجيني أن يسألني فيبذل وجهَه ويرشحَ جبينُه رشح السّقاء، إذن والله! فما وصلتُه!
يا بُنَيَّ، أخزى الله المعروف إذا لم يكن ابتداء عن غير مسألة! فأما إذا أتاك تكاد ترى دمَه في وجهه مُخاطِرا لا يدري أتعطيه أم تمنعه-فوالله لقد خرجت له من جميع ما تملكه ما كافأته!
ولا الذي بات يتململ على فراشه يعقّب بين شفتيه: أيجدني موطنا لحاجته أم لا! لهو أعظم عليّ منّةً منّي عليه إذا قضيتُها له! .
* التعازي والمراثي، للمبرد