الفعل المضارع بعد كيما
مسألة في الفعل المضارع بعد (كيما)، فما الصواب فيه الرفع أم النصب؟ وإن جاز الوجهان فما الأفصح؟ فقد رأيت من يخطّئ نصب المضارع بعدها.
.
الجواب:
الفعل المضارع بعد "كيما" جائز فيه الرفع والنصب شعرًا ونثرًا، ولا يحقّ لأحدٍ تخطئة أحد الوجهين، كما لا يحق له أن يقصره على الضرورة الشعرية، أو أن يقول إن وجهًا منهما ليس فصيحًا، بل كلاهما فصيح، فقد تكلّم فصحاء العرب وأشعرُ شعرائهم بالوجهين، فمِن نصب المضارع بعد كيما قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
(اعملوا بالقرآن ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، واقتدوا به ولا تكفروا بشيء منه، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله وإلى أولي العلم من بعدي، كيما يخبروكم)
أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد
وقد جاء الفعل (يخبروكم) منصوبًا.
ومن الرفع قول عنترة:
شَكَت سَقَماً كَيما تُعادُ وَما بِها
سِوى فَترَةِ العَينَينِ سُقمٌ لِعائِدِ.
.
فقد جاء الفعل (تعاد) مرفوعًا، وهذان الشاهدان يؤكّدان جواز الرفع والنصب بلا ضرورة، فالحديث نثر، ورفع الفعل المضارع في بيت عنترة ليس ضرورةً لأن النصب لا يكسر الوزن. وقد خُرِّجَ الرفعُ على أنّ (ما) مصدرية، والمصدر المؤوّل مجرور بحرف الجرّ (كي)، وكي تختص بجرّ المصدر المؤول ولا تجرّ الاسم الصريح، فعَلى هذا التخريج يُرفع المضارع بعد (كيما) لتجرّده من الناصب والجازم.
وأمّا النصب بعدها فقد خُرِّجَ على أن (ما) زائدة، والمضارع بعدها منصوب بالحرف (كي) أو باللام المقدّرة قبلها. ومن هنا أقول: إذا سُبِقَتْ (كيما) باللام "لكيما" امتنعَ رفع المضارع بعدها وتعيّن النصب لامتناع أن تكون (ما) مصدريّة وتعيُّن زيادتها، وذلك لأن (كي) إذا سبقت باللام كانت مصدريّة لأن حرف الجر لا يدخل على حرف الجر، وإذا كانت (كي) مصدرية امتنع أن تكون (ما) مصدرية، وعندها يجب نصب الفعل المضارع بعدها ويمتنع رفعه.
وكلُّ الشواهد تدلّ على أن الفعل المضارع بعد (لكيما) واجب النصب، ولم يرد شاهدٌ على رفعه، نحو قول مدرك بن حصين الأسدي:
أردتِ لكيما تضمديني وصاحبي
ألا لا، أحبّي صاحبي ودعيني
.
والضّمد في اللغة هو أن تخادن المرأةُ مع زوجها رجلًا آخر أو رجلين، وكان هذا معروفًا في الجاهليّة.
.
ونحو قول جميل بثينة:
حَلِفتُ لِكَيما تَعلَميني أَصادِقًا
وَلَلصدقُ خَيرٌ في الأُمورِ وَأَنجَحُ
.
وقول المرقّش الأكبر:
وأنطيتُهُ سيفي لكيما أقيمَهُ
فلا أوَدًا فيه استنبتُ ولا خَضْدا
وقوله (أنطيته) ممّا يُعرَف باستنطاء هُذيل، وهو إبدال العين نونًا.
.
وقول عنترة:
فَسَلي لِكَيما تُخبَري بِفَعائِلي
عِندَ الوَغى وَمَواقِفِ الأَهوالِ
.
وإن كان أحدٌ قد خطّأ النصب بعد "كيما" فعليه أن يعلم أن النصب بعدها أكثر من الرفع في كلام العرب، وإن كان كلاهما فصيحًا، ولذا أنصحُ بالنصب عند الاختيار، فمنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
تريدين كيما (تضمديني) وخالدا
وهل يجمع السيفان ويحك في غمدِ
.
وقول الحطيئة:
وقد مدحتكم عمدًا لأرشدكم
كيما يكونَ لكم متحي وإمراسي
.
وقول أعشى تغلب "وهو شاعر أموي غير الأعشى صاحب المعلقة":
حثّتْ سلامةُ للفراق جِمالَها
كيما تبينَ ولا نحِبُّ زيالَها
.
وقول العباس بن مرداس:
عَمَدتَ إِلى قَدرٍ لِقَومِكَ تَبتَغي
لَهُم شَبَها كَيما تَعِزَّ وَتَغلِبا
.
وقول عمر بن أبي ربيعة:
كَيما يَقولَ مُحَدَّثٌ لِجَليسِهِ
كَذَبوا عَلَيها وَالَّذي سَمَكَ العُلى
.
وقول أبي طالب بن عبد المطلب:
جَزى اللَهُ عَنّا عَبدَ شَمسٍ وَنَوفَلًا
وَتَيمًا وَمَخزومًا عُقوقًا وَمَأثَما
بِتَفريقِهِم مِن بَعدِ وُدٍّ وَأُلفَةٍ
جَماعَتَنا كَيما يَنالوا المَحارِما
.
وقول ذي الرمة:
ولما شكوتُ الحبَّ كيما تثيبَني
بوجدي قالت إنما أنت تمزح
.
ومن رفع المضارع بعد (كيما) قول قيس بن الخطيم:
إذا أنت لم تنفعْ فضُرَّ فإنما
يُرجّى الفتى كيما يضرُّ وينفعُ
.
وقول زياد بن حنظلة التميمي:
فلما رأى الفاروقُ أزمانَ فتحها
سما بجنود الله كيما يصاولُه
.
وقول عمر بن أبي ربيعة:
كَيما تَجُرُّ بِنا ذَيلاً فَتَطرَحنا
عَلى الَّتي دونَها مُغبَرَّةٌ سوحُ
.
وخلاصة القول أن الفعل المضارع بعد (كيما) جائز فيه الرفع والنصب، وبعد (لكيما) نصبه واجب والرفع ممتنع.
والله تعالى أعلم
________________________________
1 - تحفة الذاكرين للشوكاني
2 - ديوان عنترة