فضاءات العمارية الشرقية

العمارية الشرقية

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ممدوح على حسنين على حسين على مكايد
مسجــل منــــذ: 2018-05-05
مجموع النقط: 781.11
إعلانات


دُروسٌ مِنَ الإِسْراءِ وَالمِعْرَاجِ( سلسلة خطب الجمعه )

بسم الله الرحمن الرحيم

دُروسٌ مِنَ الإِسْراءِ وَالمِعْرَاجِ( سلسلة خطب الجمعه )

الْحَمْدُ للهِ العَلِيِّ الأَعْـلَى، أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى، وَعَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ العُلاَ، لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ الكُبْرَى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْـلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، أَيَّدَهُ رَبُّهُ بِالمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالآيَاتِ البَاهِرَةِ، وَالدَّلاَئِلِ القَاطِعَةِ وَالبَرَاهِينِ السَّاطِعَةِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا المُؤمِنونَ :

حَادِثَةٌ نَتَفَيَّأُ ظِلاَلَهَا هَذِهِ الأَيَّامَ، وَيَحتَفِي بِهَا المُسْـلِمُونَ عَامًا بَعْدَ عَامٍ، يَستَلْهِمُونَ مِنْها الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ، وَتُذَكِّرُهُمْ بِسِيرَةِ خَيْرِ البَشَرِ -صلى الله عليه وسلم- ، حَادِثَةٌ جَعَلَهَا اللهُ لِرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- هَدِيَّةً، وَلِلْمُؤْمِنينَ بِهِ امتِحَانًا وَتَمْحِيصًا، إِنَّهَا ذِكْرَى حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، تِلْكَ الذِّكْرَى التِي لاَ تَنْقَضِي عِبَرُهَا، وَلاَ تَفْنَى عِظَاتُهَا، افْتَتَحَ اللهُ بِهَا سُورَةً مِنْ سُوَرِ كِتَابِهِ الكَرِيمِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))(1)، فَابْتَدَأَتِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ بِتَنْزِيهِ المَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ وَبَيَانِ عَظَمَتِهِ، لِتَدُلَّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الحَدَثِ وَجَلاَلَةِ المَوقِفِ، وَوَصَفَتِ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- بِصِفَةِ العُبُودِيَّةِ للهِ، لِتُؤَكِّدَ أَنَّ رِعَايَةَ اللهِ لَهُ شَامِلَةٌ، وَعِنَايَتَهُ سُبْحَانَهُ لَهُ مُصَاحِبَةٌ، ثُمَّ بَيَّنَتِ السَّبَبَ الرَّئِيسَ مِنْ وُقُوعِ هَذِهِ الحَادِثَةِ فَقَالَ جَلَّ وَعَلاَ: ((لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا))(2)، لَقَدْ فَتَحَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- آفَاقًا إِيمَانِيَّةً، فَازْدَادَتْ مَعْرِفَتُهُ بِرَبِّهِ، وَيَقِينُهُ بِوَعْدِهِ، فَبَعْدَ أَنْ كَانَ فِي مَكَّةَ وَبَيْنَ شِعَابِهَا، هَا هُوَ يَطَّلِعُ عَلَى العَوَالِمِ الأُخْرَى، وَيَرَى الآيَاتِ العُظْمَى، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّجْمِ: ((لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى))(3)، لَقَدْ جَمَعَتْ هِذَهِ الحَادِثَةُ دُرُوسًا إِيمَانِيَّةً وَفِكْرِيَّةً وَتَرْبَوِيَّةً وَاجتِمَاعِيَّةً، يَستَضِيءُ بِهَا المُسْـلِمُ فِكْرًا وَعَمَلاً، إِنَّهَا تُؤَكِّدُ أَنَّ قُدْرَةَ اللهِ مُطْلَقَةٌ، وَأَنَّ اللهَ لاَ يُعْجِزُهُ شَيءٌ، وَمَا نَوَامِيسُ الكَوْنِ إِلاَّ مِنْ صُنْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ، تَمْضِي كَمَا أَرَادَ، وَيَنْقُضُهَا مَتَى شَاءَ، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ قَرَّرَها القُرآنُ الكَرِيمُ فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))(4)، إِنَّ العَقْلَ البَشَرِيَّ لَيْسَ مِنَ السَّهْـلِ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَنِعَ بِهَذِهِ الحَادِثَةِ، وَقَدْ تَعَوَّدَ خِلاَفَهَا فِي نَوَامِيسِ الكَوْنِ، فَكَيْفَ يَسِيرُ رَجُلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ وَيُعْرَجُ بِهِ إِلَى أَعَالِي السَّمَاواتِ وَيَرْجِعُ فِي بَعْضِ لَيْـلَةٍ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَكُونُ الخَبَرُ مِنَ اللهِ، وَالأَمْرُ أَمْرَهُ، فَإِنَّ المُؤْمِنَ يَقُولُ كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: ((أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(5)، إِِنَّهَا دَرْسٌ مِنْ دُرُوسِ الإِيمَانِ بِالغَيْبِ، ذَلِكَ الرُّكْنِ الذِي هُوَ مِنْ أَهَمِّ مُقْتَضَياتِ الإِيمَانِ، فَقَدِ افْتَتَحَ اللهُ بِهِ صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ، فِي أَوَّلِ سُورَةٍ بَعْدَ فَاتِحَةِ الكِتَابِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((آلم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ))(6)، وَلِهَذا فَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ العَظِيمَةُ امتِحَانًا وَاختِبَارًا لِذَوِي الإِيمَانِ، هَلْ يُصَدِّقُونَ فَوْرًا أَم يَتَلكَّؤُونَ وَيَتَرَدَّدُونَ؟ ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ))(7)، وَكَمَا أَنَّ هَذِهِ الوَاقِعَةَ تَزِيدُ المُؤْمنِينَ مَعْرِفَةً بِاللهِ، فَهِيَ تَزِيدُهُمْ مَعْرِفَةً بِنَبِيِّهِمْ -صلى الله عليه وسلم- ، وَتَرْفَعُ مِنْ قَدْرِهِ عِنْدَهُمْ، فَقَدْ أَكْرَمَهُ اللهُ فِيهَا أَيَّمَا إِكْرَامٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى السَّمَاوَاتِ العُلاَ، وَأَمَّ إِخْوَانَهُ الأَنْبِيَاءَ، وَوَصَلَ حَيْثُ لَمْ يَصِلْ مَخْلُوقٌ، فَأَكَّدَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ أَنَّ قَدْرَهُ عَظِيمٌ، وَمَنْزِلَتَهُ سَامِيَةٌ، وَهَذَا تَذْكِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَدَرْسٌ لِلْمُنَاوِئينَ وَالجَاحِدِينَ، لِيَزْدَادَ الذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا، وَيَعْـلَمَ المُكَذِّبُونَ أَنَّهُمْ يُعَادُونَ عَظِيمًا، وَيُخَالِفُونَ مَنْ لَهُ المَكَانَةُ الرَّفِيعَةُ عِنْدَ اللهِ، فَلْنَعْرِفْ قَدْرَ نَبِيِّنَا الكَرِيمِ -صلى الله عليه وسلم- ، وَلْنُبَيِّنْ لِلْعَالَمِ أَجْمَعَ أَنَّهُ عَظِيمٌ.

أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ :

فِي هَذِهِ الحَادِثَةِ الجَلِيلَةِ فُرِضَتْ عَلَيْنَا أَعْظَمُ التَّشْرِيعَاتِ العَمَلِيَّةِ، وَأَعْلاَهَا قَدْرًا وَأَكْثَرُها أَهَمِّيَّةً، إِنَّهَا الصَّلاَةُ التِي شُرِعَتْ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي السَّمَاوَاتِ العُلاَ، تَشْرِيعًا نَظَرِيًّا وَتَطْبِيقًا عَمَلِـيًّا، فَقَدْ صَلَّى المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- بِإِخْوَانِهِ الأَنْبِيَاءِ إِمَامًا، وَائْتَمُّوا بِهِ جَمَاعَةً وَاحِدَةً، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ مَكَانَةِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ وَرَفِيعِ مَنْزِلَتِهَا، كَيْفَ لاَ؟ وَهِيَ عَمُودُ الدِّينِ، وَمِقْيَاسُ الإِيمَانِ، وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ العَبْدُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، وَقَدْ أَوْصَاكُمْ بِهَا نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- فِي آخِرِ لَحَظَاتِ عُمُرِهِ، فَقَالَ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ المَوْتِ: ((الصَّلاَةَ الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ))، فَطُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا وَقِيمَتَها، فَغَدا لَهَا مُحَافِظًا، وَلِحُدُودِهَا وَحُقُوقِهَا مُرَاعِيًا وَحَافِظًا، كَمَا أَنَّ فِي رِحْـلَةِ الإِسْرَاءِ التِي ابتَدَأَتْ بِمَسْجِدٍ وَانْتَهَتْ بِمَسْجِدٍ لَدَلِيلاً عَلَى المَكَانَةِ التِي يَتَبَوَّؤُها المَسْجِدُ فِي الإِسْلاَمِ، وَدَوْرِهِ العَمَلِيِّ وَالتَّرْبَوِيِّ وَالاجتِمَاعِيِّ، وَلِذَا كَانَتْ عِمَارَةُ المَسَاجِدِ مِنْ أَدِلَّةِ الإِيمَانِ بِاللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ))(8).

أَيُّهَا المُؤْمُِِنونَ :

إِنَّ فِي الحَيَاةِ شَدَائِدَ وَابتِلاَءَاتٍ، وَمِحَنًا وَصُعُوبَاتٍ، يَكُونُ الإِنْسَانُ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ فِيهَا إِلَى مَنْ يُعِينُهُ عَلَيْهَا، وَيَقِفُ بِجَانِبِهِ فِيهَا، يُؤَازِرُهُ وَيُخَفِّفُ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، وَتَسْرِيةً عن قَلْبِهِ، وَقَدْ عَادَاهُ المُشْرِكُونَ وَآذَاهُ الحَاقِدُونَ، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَزِيدَهُ بِهِ إِيمَانًا، وَعَلَيْهِ تَوَكُّلاً وَيَقِينًا، بِأَنَّ لَهُ رَبًّا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، فَلاَ يَضِيرُهُ عِنْدَهَا إِرْجَافُ المُرْجِفِينَ، وَلاَ حَسَدُ الحَاسِدِينَ، فَإِنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَكَّةُ، فَإِنَّ فَسِيحَ الأَرْضِ مُلْكٌ لِمَنْ بَعَثَهُ هَادِيًا وَبَشِيرًا، وَالسَّمَاواتِ فِي قَبْضَةِ مَنْ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرًا، إِنَّها هَدِيَّةٌ قَدَّمَهَا اللهُ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الوَقْتِ الذِي كَانَ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهَا، وَقَدْ تَوَالَتْ عَلَيْهِ الأَحْزَانُ بِمَوْتِ عَمِّهِ المُسَانِدِ وَزَوْجِهِ المُخْلِصَةِ، وَتَرَادَفَتْ عَلَيْهِ الهُمُومُ بِتَكْذِيبِ أَهْـلِ مَكَّةَ وَالطَّائفِ، وَفِي هَذَا دَرْسٌ فِكْرِيٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ لِكُلِّ عُسْرٍ يُسْرًا، وَأَنَّ الفَرَجَ بَعْدَ الشِّدَّةِ، ومِنْ رَحِمِ الظَّلاَمِ يَخْرُجُ النُّورُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا))(9)، فَيَا مَنْ ابتُِليَ بِالمَصَائِبِ، وَأَصَابَتْهُ الشَّدَائِدُ؛ ثِقْ بِرَبِّكَ وَأَيقِنْ بِمَولاَكَ، وَاعلَمْ أَنَّ خَلاَصَكَ بِيَدِ اللهِ؛ فَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ بِالسُّؤَالِ، وَارْجُ مِنْهُ النَّوَالَ، وَاسأَلْهُ كَشْفَ البَلاَءِ، مُخْلِصًا إِلَيْهِ اللُّجُوءَ وَالدُّعَاءَ، وَلْيَكُنْ لَكَ فِي حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ دَرْسٌ يَفْتَحُ عَيْنَيْـكَ عَلَى حَقِيقَةٍ رُبَّمَا تَكُونُ قَدْ غَفَلْتَ عَنْهَا، أَو أَنْسَتْكَ المَصَاعِبُ عِلْمَهَا، وَلْيَكُنِ الصَّبْرُ لَكَ صَاحِبًا، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ امتِحَانٍ وابتِلاءٍ، أَمَا سَمِعْتَ قَولَ اللهِ تَعَالَى: ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ))(10).

أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

*** *** ***

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :

إِنَّ فِي حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ دَرْسًا عَظِيمًا مِنْ دُرُوسِ التَّعَامُلِ مَعَ النَّاسِ، فَفِيهَا أُنْمُوذَجٌ حَيٌّ لِلصَّاحِبِ الصَّالِحِ، وَالصَّدِيقِ المُخْلِصِ النَّاصِحِ، فِعنْدَما رَجَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ هَذِهِ الرِّحْـلَةِ، وَحَكَى لِلنَّاسِ مَا حَدَثَ لَهُ انْقَسَمَ النَّاسُ بَيْنَ مُصَدِّقٍ مُوقِنٍ، وَمُكَذِّبٍ أَو مُشَكِّكٍ، وَظَنَّها المُغْرِضُونَ فُرْصَةً لِلإِيقَاعِ بَيْنَ الخِلِّ وَخَلِيلِهِ، وَالصَّاحِبِ وَصَدِيقِهِ، فَهُرِعُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُخْبِرُونَهُ بِمَا أَتَاهُمْ بِهِ صَاحِبُهُ مِنْ عَجَبٍ عُجَابٍ، مِمَّا لَمْ تَتَصَوَّرْهُ عُقُولُهُمُ القَاصِرَةُ، وَلَمْ تَقْتَنِعْ بِهِ قُلُوبُهُمُ الكَافِرَةُ، فَقَالَ الصَّاحِبُ المُخْلِصُ، وَالمُؤْمِنُ المُوقِنُ مَا رَدَّ كَيْدَ الحُسَّادِ، وَكَانَ جَوَابَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((إِنْ كَانَ قَالَ فَقَدْ صَدَقَ))، كَلِمَاتٌ قَصِيرَةٌ، وَجُمْـلَةٌ يَسِيرَةٌ، حَمَلَتْ مَعَانِيَ لَهَا وَزْنُهَا فِي مَوَازِينِ الأُخُوَّةِ، وَدُرُوسًا عَظِيمَةً فِي فُنُونِ الأَخْلاَقِ، وَهَكَذَا هِيَ الشَّدَائِدُ، تُبَيِّنُ مَعَادِنَ الرِّجَالِ، وَتُبَيِّنُ لِلإِنْسَانِ صَدِيقَهُ مِنْ عَدُوِّهِ، وَخَلِيلَهُ مِنْ خَصْمِهِ، فَمِنَ السَّهْـلِ أَنْ يَجِدَ الإِنْسَانُ صَاحِبًا لَهُ فِي رَخَائِهِ عِنْدَ الْتِفَافِ النَّاسِ حَوْلَهُ، وَإِقْبَالِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، وَمَا أَكْثَرَ الأَصْدِقَاءَ حَوْلَ الإِنْسَانِ إِنْ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَقْسُو عَلَيْهِ الزَّمَنُ، أَو تُحِيطُ بِهِ الشَّدَائِدُ، أَو تَحُومُ حَوْلَهُ التُّهَمُ المُلَفَقَّةُ، تَنْفَضُّ مِنْ حَوْلِهِ الجُمُوعُ، وَيَبْـقَى الصَّاحِبُ المُخْلِصُ إِلَى جِوَارِ صَاحِبِهِ مُنَاصِرًا ومُؤَازِرًا، وَهَذَا مَا كَانَ مِنْ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَقَدْ وَقَفَ وَقْفَةَ المُصَدِّقِ المُوقِنِ، الذِي لَمْ يَشُكَّ لَحْظَةً فِي صِدْقِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، وَلِهَذَا مَنَحَهُ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- لَقَبًا مِنْ أَفْضَلِ الأَلْقَابِ، فَسَمَّاهُ الصِّدِّيقَ، كَمَا أَشَادَ بِإِيمَانِهِ فِي قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَهْـلِ الأَرْضِ بإِيمَانِ أَبِي بَكْرٍ لَرَجَحَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ))، إِنَّ مِنْ فَوَائِدِ الشَّدَائِدِ أَنَّهَا تُقَرِّبُ الصَّدِيقَ إِلَى صَدِيقِهِ، وَتُدْنِي قَلْبَيْهِمَا، حَيْثُ تُشْعِلُ مَشَاعِرَ الوُدِّ، وتُذْكِي عَوَاطِفَ الأُخُوَّةِ، وَيَكُونُ لِذَلِكَ مَا بَعْدَهُ مِنَ الأَثَرِ الجَمِيلِ، مُتَمَثِّلاً فِي قُوَّةِ الوِفَاقِ وَالوِئَامِ، وَمُتَرْجَمًا إِلَى المُؤَازَرَةِ وَالالتِحَامِ، إِنَّ الصَّاحِبَ الحَقَّ هُوَ مَنْ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِصَاحِبِهِ، وَإِنْ حَاوَلَ المُغْرِضُونَ إِلقَاءَ التُّهَمِ عَلَيْهِ، أَو التَّشْكِيكَ فِي عَدَالَتِهِ وَنَزَاهَتِهِ، فَيَظَلُّ فِي حُكْمِهِ لَهُ عَادِلاً، مُتَّخِذًا التَّيَقُّنَ وَالتَّعقُّلَ دَلِيلاً وَمَسْلَكًا، حتَّى يَكُونَ لِصَاحِبِهِ الصَّدْرَ الذِي يَلْجأُ إِلَيْهِ، وَالقَلْبَ الذِي يَثِقُ فِيهِ.

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واستَلْهِمُوا مِنْ حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ دُرُوسًا فِي تَعَامُلِكُمْ، وَطَرِيقًا لِلإِخْلاَصِ فِي صُحْبَتِكُمْ، وَدَلِيلاً إِلَى صَفَاءِ قُلُوبِكُمْ.

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (11).

اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.

اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

عِبَادَ اللهِ :

(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).

(1) سورة الإسراء/ 1.

(2) سورة الإسراء/ 1.

(3) سورة النجم/ 18 .

(4) سورة يس/ 82.

(5) سورة البقرة/ 259.

(6) سورة البقرة/ 1-3.

(7) سورة العنكبوت/ 2.

(8) سورة التوبة/ 18.

(9) سورة الشرح/ 5-6.

(10) سورة البقرة/ 214.

(11) سورة الأحزاب / 56 .


تقييم:

1

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة