تَفَاصِيل ثورية
( تَفَاصِيل ثورية )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى روح الشاعر الكبير محمود درويش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشَبَابِيكُ مَفْتُوحَةٌ كَي نُطِلَّ ، عَلى مَرفَأِ البَوحِ نَلمَحُ ما قَد تَنَاثَر
مِن قِصَّةِ المَجدِ ، نُلهِبُ الرُّوحَ بِالوَعَدِ ، عِيسى - عليهِ السلامُ -
يَمُرُّ جُوَارَ البُحَيْرَةِ
حين يَمُرُّ جُنُودُ العَدُوِّ يَّرُدُّ السلامَ عَلى مَن يَمُرُّ ،
يَقرأُ بَعضَ التراتيل ، يُنْذِرُ أَنْ البُحَيْرَةَ
سوف تَجِفُّ ، و أَنَّ الذي كانَ يَجلِس فوق شواطئِها ،
ليس سِوَى رَجُلٍ طيِّبٍ
يَستَقِيمُ لهُ الوزنُ حِينًا وحِينًا يُزَخرِفُ أَلْفَاظَهُ
باحتمالٍ وظِلٍّ ، و كَانَ الغَزالُ الآشُورِيُّ يَمشِي ويَحمِلُ ظًلا
ويَسأَلُ طَيفَ الخَيالِ البعيد ،
و يَسأَلُ طَيْفَ خَدِيجَةَ ، كَانَ الغَزَالُ الآشُورِيُّ
يُنشِدُ أُغنِيَةً للسحاب :- " خَدِيجَةُ لا تَغلِقي البَابَ ،
لا تَذهَبِي في الغِيَابِ ، سَتَطلُعُ هَذَا النهَار شَمْسُ أَرِيحَا وَيَافَا "
وكَانَ يُضَفِّرُ مِنْ شَجَرٍ حُلْمَهُ ،
يَرُدُّ تَفَاصِيلَ أَشيَاءِهُ للحِكَايَةِ حين يُنَادُونَهُ يا مُعَلِمُ :
يُنْشِدُ أَشْعَارَهُ للظِّبَاء ، و قد كَانَ يَحْلُمُ بالقُدسِ عَاصِمَةً للقَصِيدَةِ ،
كَانَ يَدُسُّ جُوَارَ الجِدَارِ خَنَاجِرَ للثَائِرِينَ ، وكَانَ يَدُسُّ جُوَارَ المُخَيَّمِ
عُلبَةَ تَبْغٍ وعُودَ ثِقَابٍ وبَعْضَ الهَوَاء ، وَكَانَ يُخَبِئُ في الجَيْبِ
بَعضَ مَيَادِينَ واسعةٍ للهِجَاء ، و يَركُضُ خَلفَ أَرَانِبَ بَيْضَاءَ
بَرِّيَةٍ تَتَقَافَزُ في سُرعَةٍ بَين حَنَايَا الجِبَالِ ، و بَيْنَ فُرُوعِ نَبَاتٍ قَدِيمٍ
تَحَلَّلَ مِنْ تَحْتِهِ بَعْضُهُ ، رُبَّمَا لَوْ حَفَرْتَ قَلِيًلا تَجِدُ المِيَاهَ النَّظِيفَةَ ،
رُبَّتَمَا لَو حَفَرْتَ قَلِيًلا
تَجِدُ صَنَادِيقَ مُقْفَلَةً مِنْ عُصُورٍ قَدِيمَةٍ ، أَو بَرَاويزَ للقِط ِّ والسُلحُفَاةِ ،
رُبَّتَمَا لَو حَفَرتَ قَلِيًلا تَجِدُ صَنَابِيرَ مَفتُوحَةً للسَّوَائِلِ ،
قَدْ تَستَطِيعُ النَّجَاةَ بِذَلِكَ ، أَوْ قَدْ تَصِيرَ وَسِيلَةَ تَكْوِينِ تِلْكَ العَنَاصِرِ
بَعدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ ، سَوفَ أَفْخَرُ بالرَّمْلِ والشَّجَرِ المُتَنَاثِرِ
مِثْلَ الشَّظَايَا على جَسَدٍ يَتَظَاهَرُ مِن أَجْلِ عَيْشٍ كَرِيمٍ ،
ومِنْ أَجْلِ أَيْقُونَةٍ للتَّذَكُّرِ ، والانْدِمَاجِ مَعَ الآَخَرِينَ ،
سَوفَ يَنَامُ الغَزالُ الأشُورِّيُّ في خَيْمَةٍ !؟ لا أَظُنُّ . ،
وهَلْ يَتَهَجَّى حُرُوفَ التَّظلُّمِ يَرْفَعُهَا فَوقَ لافِتَةٍ !؟ ، لا أَظُنُّ . ،
ولَكِنَّهُ قَدْ يَحُثُّ الظِّبَاءَ عَلَى النَّوْمِ فَوْقَ الوسَادَةِ
بَعدَ الدُّخُولِ إِلَى عَالَمٍ آَخَرٍ للحِكَايَةِ ، سَالَتْ دِمَاءُ المُحِبِّينَ فَوقَ الرَّصِيفِ ،
وَزَغْرَدَ طَائِرُ رُخٍّ كَبِير ٍ ، وَزَغْرَدَ بَعْضُ الرَّصَاصِ ، وجَاءَتْ
عَصَافِيرُ تَشدُو بِصَوتٍ نَدِيٍّ ، لِتَشْهَدَ مَوْقِعَةَ النَّصْرِ والكبرياء ،
وتَشْهَدَ مَصْرَعَ طَائِر رُخٍّ كَبِيرٍ ، تَعَوَّدَ أَنْ يَنْتَصِرَ
وأَنْ يُطْفِئَ الحُلْمَ بَيْنَ عُيُّونِ الصِّغَارِ ، لكِ - الآن - يا سنديانةُ عُمرِي
احتمالُ التَّوَسُلِ ، كَيْفَ تَوَحَّدَ حُلْمِي وحُلْمَكِ ؟
مَا زَالَ فِيكِ الغَزَالُ الأَشُورِيُّ يَمْضِي يُشَاهِدُ تِلْكَ المَنَاظِرَ ،
يُرْسِلُهَا للإِذَاعَةِ أَوْ لِقَنَاةِ الجَزِيرَةِ ، أَوْ في القَصِيدَةِ يَرْسُمُهَا
صُورَةً حَيَّةً للعَوَاطِفِ ، حَتَّى تَهُزَّ جُزُوعَ الشَّجَرِ ،
تَهُزَّ الغُصُونَ ، المُتُونَ ، الهَوَامِشَ ، تَفتَحَ ذَاكِرَةَ المَدِّ ،
تَشْرَحَ بَعْضَ التَّفَاصِيل ، لا وَقْتَ للأَرنَبِ الأَبيَضِ المُتَنَاثِرِ
بَيْنَ النَّدَى والبُكَاءْ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعر / عرفة محمد حسن
الشعراني - قوص