الرمز في الشعر الحديث
الرمز في الشعر الحديث
الرمز في اللغة: الإشارة والإيماء، وهو في الاصطلاح الأدبي: "علامةٌ تُعتبر ممثِّلة لشيء آخر ودالَّة عليه، فتُمثِّله وتحلّ محلّه"، ويستعمله الأديب خروجاً من المباشرة إلى عوالم فنية يوظف فيها حدثا تاريخيا أو أسطورة أو شخصية تراثية أو أي كائن من كائنات الوجود، ليحمل تجربته الشعورية.
وهو يستلزم مستويين: مستوى الأشياء الحسيَّة التي تؤخذ قالباً للرمز، ومستوى الحالات المعنوية المرموز إليها.
وهو من الوسائل الفنية المهمة في الشعر، يعمد الشاعر فيه إلى الإيحاء والتلميح بدلا من اللجوء إل? المباشرة والتصريح.
ويُعد الرمز أسلوباً من أساليب التصوير، أو وسيلة إيحائية من وسائله، فكلاهما - الرمز والصورة- قائم على التشبيه، وعلاقتهما أقرب إلى علاقة الجزء بالكل. وهو تقنية عالية، يرتفع بها شأن الصورة، وليست كل صورة رمزاً، لكن كل رمز هو بالضرورة صورة. ومثلما تنقسم الصورة إلى صورة كلية و جزئية، فالرمز كذلك، منه رمز كليّ ورمز جزئي، وأشد التحامات الرمز بالصورة هو في النوع (الكلي)؛ إذ غالباً الصورة الكلية تستحيل رمزاً.
إن العوامل السياسية والاجتماعية في الوطن العربي، وما ألحقته بالإنسانية من أضرار فادحة، ماديا ومعنويا، جعلت الإنسان العربي، والشاعر العربي خاصة، إزاء مجموعة من التناقضات مما دفعه الخروج عن دائرة المألوف، والتمرد على قيم الثبات والجمود. فكانت القصيدة الشعرية محطة أولىى أمام الشاعر، وميدان إبداعه.
فلجأ الشاعر العربي إلى استخدام الرمز وسيلة فنية للتعبير غير المباشر عما يريد. وتقنع بشخصية من شخصيات التاريخ فتشبث بها وانطلق منها نحو ذاته، معبرا بوساطة التقنع بها عن مكنونات نفسه، مبيحا عن طريق التقنع بتلك الشخصية عن أسراره إلى المتلقي.
والصور الرمزية ذاتية لا موضوعية، كما يقول الدكتور محمد غنيمي هلال، إذ أن الصور الرمزية "تبدأ من الأشياء المادية، على أن يتجاوزها الشاعر ليعبر عن أثرها العميق في النفس في البعيد من المناطق اللاشعورية، وهي المناطق الغائمة الغائرة في النفس، ولا ترقى اللغة إلى التعبير عنها إلا عن طريق الإيحاء بالرمز المنوط بالحدس."
الرمز في الشعر الحديث
تطور مفهوم الرمز :
تطور مفهوم الرمز في الشعر الحديث بفعل التأثير الغربي ، فبعد أن كان الرمز لوناً من ألوان الكناية، نجد ( السياب ) يعرف الرمز بأنه طاقة إلهامية تهبط على الشاعر عندما يفتقد الألفاظ، وهذا التعريف يلتقي مع مفهوم ( يونج ) : الرمز وسيلة ما لا نستطيع التعبير عنه بغيره ، لأنه أفضل طريقة ممكنة للتعبير عن شيء لا يوجد له معادل لفظي ، أما حقيقته فهو إشارة حسية أو حادثة أو كلمة ما إلى شيء عقلي أو باطني يختاره الشاعر كي يؤثر في نفس المتلقي.
مسوغات اللجوء إلى الرمز :
أقبل شعراء العصر الحديث على الرمز إقبالاً واسعاً ، أما مسوغاتهم في اللجوء إليه فتعود إلى عدة أسباب منها :
- تلبية الحس الحضاري وتقليد المبدعين الغربيين .
- تجنب الرتابة والرغبة في التجديد ورفض التصريح .
- البعد عن التسطيح في الفكرة وطلب التداعي الحر للمعاني .
- الخوف من السلطة والرغبة في إثارة المتلقي .
- السعي لتكثيف الصورة بكلمات قليلة .
أنواع الرموز ودلالتها :
الرمز الشخصي: وهو من ابتداع الشاعر، ويبقى فهم المتلقي له ظنيا.
الرمز السياقي : و يفهم من السياق
الرمز التقليدي: وهو الرمز الأسطوري والديني والتاريخي والشعبي.
خصائص الرمز في الشعر المعاصر :
- اتخذ الشعر الحديث رموزه من الأساطير والمعطيات الدينية ،والتراثية الإسلامية والمسيحية والعبرية والإغريقية، وقد جمع بعض الشعراء المسلمين بين كل هذه المعطيات .
- وظفت القصص الإسلامية في الشعر الكلاسيكي لمغزاها أو للاستعارة .
- وظّف الشعر الحر القصص الإسلامية لاستدعاء الحدث وتوليد الطاقة الإيحائية .
- قد تمتزج الرموز الإسلامية والمسيحية.
خصوصية الرمز المهجري :
*استخدم شعراء المهجر الرموز الغربية بالإضافة إلى الرموز العربية وخاصة رموز ما قبل الإسلام .
*أكثر الرموز المهجرية شيوعاً حادثة الصلب ،وقصة لعاز ، والنبي .
القيمة الأدبية للرمز المعاصر :
* المادة الأسطورية جعلت الشعر أكثر عمقاً، وأبرزت فيه تواصل الحضارات .
* فتح الرمز أمام الشاعر باب عالمية الإبداع وأكسبه النظرة الموضوعية .
* أكسب الأفكار موسيقى والصورة الشعرية دقة وحيوية .
الرمز بين الشفافية والإبهام :
انقسم الشعراء في استخدام الرمز إلى قسمين :
الأول : من يستخدم الرمز بروح الشفافية وإطلاق الظلال والقرائن .
الثاني : يوظف الرمز بستار الإبهام والغموض .
أنواع الغموض:
تميز بعض الشعراء بغموض رموزهم ، وأنواع الغموض لديهم كثيرة منها :
*الغموض الدلالي :وهو استخدام اللفظ رمزاً لفكرة معينة استخداماً شخصياً دون التنويه ببعض الإشارات الارتباطية
* الغموض الناجم عن استحالة الصورة
*غموض الإثقال : وهو الغموض الناجم عن إثقال النص بالرموز
إذا كان الرمز أداة قديمة حديثة للتعبير، فإن هذا يعني أن حسن توظيفه يرتقي بالعمل الأدبي، ويغنيه بالطاقات الإيحائية الفكرية منها واللفظية ، ويبعد الرتابة ويحقق فجائية الإثارة ، ويكسب الأفكار موسيقى والألفاظ إيقاعاً ، ثم إن الرمز سيبقى وسيلة من يخشون بتر أعناقهم وخنق أصواتهم .