كاد وأخواتها
(كاد) وأخواتها
يقول ابن مالك:
ككان كاد وعسى لكن ندر... غير مضارع لهذين خبر
هذا هو القسم الثاني من الأفعال الناسخة للابتداء، وهو (كاد وأخواتها) وذكر المصنف منها (أحد عشر فعلًا) ولا خلاف في أنها أفعال إلا (عسى) فنقل الزاهد عن ثعلب أنها حرف، ونسب أيضًا إلى ابن السراج، والصحيح أنها فعل بدليل اتصال تاء الفاعل وأخواتها بها نحو (عسيت وعسيت وعسيتما وعسيتم وعسيتن) وهذه الأفعال تسمى أفعال المقاربة وليست كلها للمقاربة بل هي على (ثلاثة أقسام):
(أقسام كاد وأخواتها):
أحدها: ما دل على المقاربة: وهي (كاد وكرب وأوشك).
والثاني: ما دل على الرجاء: وهي (عسى وحرى واخلولق).
والثالث: ما دل على الإنشاء (الشروع): وهي (جعل وطفق وأخذ وعلق وأنشأ).
-عمل (كاد وأخواتها):
تسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكل باسم البعض، وكلها تدخل على المبتدأ والخبر (فترفع المبتدأ اسما لها ويكون خبره خبرًا لها في موضع نصب) وهذا هو المراد بقوله (ككان كاد وعسى)..
والفرق بين (كان وأخواتها) و(كاد وأخواتها) أن خبر (كان وأخواتها) يكون مفردًا أو جملة أو شبه جملة، لكن الخبر في هذا الباب (كاد وأخواتها) لا يكون إلا مضارعًا نحو( كاد زيد يقوم)( وعسى زيد أن يقوم)،
وندر مجيئه اسمًا بعد (عسى وكاد) كقوله:
أكثرت في العذل مُلِحًّا دائمًا ... لا تكثرن إني عسيت صائمًا
فالشاهد قوله (صائمًا)، وقوله:
فأبت إلى فهم وما كدت آئبًا... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
فالشاهد قوله (آئبًا).
وهذا هو مراد المصنف بقوله (لكن ندر) إلى آخره، لكن في قوله (غير مضارع) إيهام، فإنه يدخل تحته الاسم والظرف والجار والمجرور والجملة الاسمية والجملة الفعلية بغير المضارع، ولم يندر مجيء هذه كلها خبرًا عن (عسى وكاد) بل الذي ندر مجيء الخبر اسمًا.وأمَّا هذه فلم يسمع مجيئها خبرًا عن هذين.
ويقول ابن مالك عن اقتران خبر (كاد وأخواتها بأن):
وكونه بدون أن بعد عسى... نزر وكاد الأمر فيه عكسا
أي: اقتران خبر (عسى) بأن كثير وتجريده من (أن) قليل، وهذا مذهب سيبويه ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرد خبرها من (أن) إلا في الشعر، ولم يرد في القرآن إلا مقترنا بأن قال الله تعالى (فعسى الله أن يأتي بالفتح)، وقال عز وجل (عسى ربكم أن يرحمكم) ومن وروده بدون (أن) قوله:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه... يكون وراءه فرج قريب
فالشاهد قوله (يكون وراءه فرج قريب)، وقوله:
عسى فرج يأتي به الله إنه... له كل يوم في خليقته أمر
فالشاهد قوله (يأتي به الله)
وأمَّا (كاد) فذكر المصنف أنها عكس (عسى) فيكون الكثير في خبرها أن يتجرد من (أن)، ويقل اقترانه بها، وهذا بخلاف ما نصَّ عليه الأندلسيون من أن اقتران خبرها بأن مخصوص بالشعر، فمن تجريده من أن قوله تعالى (فذبحوها وما كادوا يفعلون).وقال (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم).
ومن اقترانه بأن قوله (ما كدتُ أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب)
وقوله:
كادت النفس أن تفيض عليه... إذ غدا حشو ريطة وبرود
فالشاهد قوله (أن تفيض) ..ويقول ابن مالك:
وكعسى حرى ولكن جعلا ...خبرها حتما بأن متصلا
وألزموا اخلولق أن مثل حرى... وبعد أوشك انتفا أن نزرا
يعني أن (حرى) مثل (عسى) في الدلالة على رجاء الفعل لكن يجب اقتران خبرها بأن نحو (حرى زيد أن يقوم) ولم يجرد خبرها من أن لا في الشعر ولا في غيره .
وكذلك (اخلولق) تلزم (أن) خبرها نحو (اخلولقت السماء أن تمطر)، وهو من أمثلة سيبويه.
وأما (أوشك) فالكثير اقتران خبرها بـ(أن) ويقل حذفها منه فمن اقترانه بها قوله:
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا ...إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
فالشاهد قوله (أن يملوا)، ومن شواهد تجرده منها قوله:
يوشك مَنْ فَرَّ من منيته... في بعض غراته يوافقها
فالشاهد قوله (يوافقها) ..
ويقول ابن مالك:
ومثل كاد في الأصح كرَبا... وترك أن مع ذي الشروع وجبَا
كأنشأ السائق يحدو وطفق ...كذا جعلت وأخذت وعلق
لم يذكر سيبويه في (كرب) إلا تجرد خبرها من (أن)، وزعم المصنف أنَّ الأصح خلافه، وهو أنها مثل (كاد) فيكون الكثير تجريد خبرها من (أن)، ويقل اقترانه بها فمن تجريده قوله:
كرب القلب من جواه يذوب ...حين قال الوشاة هند غضوب.
فالشاهد قوله (يذوب) ..وسمع من اقترانه بها قوله:
سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما... وقد كربت أعناقها أن تقطعا
فالشاهد قوله (أن تقطعا) ..والمشهور في (كرَب) فتح الراء ونقل كسرها أيضًا،
ومعنى قوله (وترك أن مع ذي الشروع وجبا) أنَّ ما دلَّ على (الشُّروعِ) في الفعل (لا يجوز اقتران خبره بأن) لما بينه وبين (أن) من المُنافاةِ؛ لأنَّ المقصود به الحال، و(أن) للاستقبال وذلك نحو (أنشأ السائق يحدو)(وطفق زيد يدعو)(وجعل يتكلم) (وأخذ ينظم) و(علق يفعل كذا).
إذن يشترط أن يكون خبر (كاد وأخواتها) جملة فعلية فعلها مضارع، سواء:
- وجب دخول (أنْ) المصدرية على هذا الخبر الفعلي، كما في (اخلولق)
نحو : اخلولقت السماء أن تمطر.
- أم كثر دخولها ، كما في (عسى ، وأوشك ، وحرى)
نحو قوله تعالى : (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم).
- أم قَلَّ ، كما في (كاد ، وكرب)؛ إذ الأكثر تجرده منها ،
نحو قوله تعالى : (يكاد زيتها يضيء)
- أم امتنع دخولها ، كما في (طفق ، وأنشأ ، وأخذ ، وعلق) فلا يجوز دخولها .
قال تعالى : (وطفقا يخصفان).