سمات القائد الناجح
سمات القائد الناجح
تُعرف الشخصية القيادية بسماتٍ عدّة، قد تكون فطريةً وقد تكون مكتسبة، تمكّن المرء من تحمل مسؤولية مجموعةٍ من الأشخاص وقيادتهم، سواءً في مكان العمل أو في الأسرة.
ورغم أن الكثير من القادة أكفاء، إلا أن هذا لا يعني كونهم قادةً حقيقيين، فقيادة البشر تستدعي مهاراتٍ وسماتٍ خاصة وليست مهمةً سهلة، ولا يكون القائد قائداً بحق حتى يكون جزءاً من الفريق، لا يرى أنه خيرٌ ممن يقودهم ويتربّع في برجه العاجيّ.
كما أن مفهوم القيادة لا يقتصر على المناصب والمراكز، بل ينطبق على كلّ فرد مهما صغر في العمر أو كبر، ومهما كثرت مسؤولياته أو قلت.
وفيما يلي، يسرد “الاقتصادي” تسعاً من أهم سمات القائد الحقيقي:
1. الثقة بالنفس
من أهم وظائف القائد إلهام فريقه ورفع معنوياتهم، وخاصة أثناء الملمات والشدائد، والثقة بالنفس من أهم الصفات اللازمة لأداء الدور القيادي.
الفريق غالباً ما يستلهم العظة والحماس من قائده، فإذا لم يتمكن القائد من ضبط أعصابه والمحافظة على الهدوء في الملمات، على الأرجح سيشعر الفريق بالإحباط والخسارة.
كما أن الواثق لا يستحي من أخطائه، وإنما يمتلك القدرة للاعتراف بها والتعلم منها، وتشجيع الفريق للتعلم.
وبطبيعة الحال، فإن الواثق من نفسه يجذب الناس حوله، فيطلبون النصح منه، ويشعرون بالثقة والأمان بوجوده ودعمه.
2. الالتزام
أكبر دافع يحفز الموظفين على العمل الجاد والدؤوب هو رؤية مديرهم، والذي هو في مركز قيادة، يعمل معهم بجد جنباً إلى جنب.
عبر إثبات التزامه بعمله ودوره، يكسب القائد احترام فريقه ويزرع فيهم الرغبة بالعمل الدؤوب.
ويشمل الالتزام الوفاء بالوعود، وليس الالتزام في أداء المهمات على أكمل وجه فحسب.
3. التفاؤل
إن أفضل القادة من هم مصدر للطاقة الإيجابية، ويمكنهم التواصل بسهولة، ويبدو دائماً أن لديهم الحل وقادرون على إلهام وطمأنة من حولهم بحديثهم، كما يتجنبون انتقاد الآخرين لشخصهم ويبتعدون عن التفكير المتشائم.
علاوةً على ذلك، فإن القدرة على الحفاظ على هدوء الأعصاب أثناء الأزمات وقيادة الفريق لتجاوزها نفسياً لا تقل أهميةً عن معالجة الأزمة وتجاوزها، فالقائد الناجح يشجع الفريق على الضحك على أخطائهم بدل البكاء، وبالتالي يتمكنون من معالجتها بهدوء وإبداع، دون الشعور بالفشل والعوائق النفسية الأخرى التي تحول دون الارتقاء بمستوى العمل.
كما أن البحث دوماً عن التفاؤل في الصعاب يخلق بيئةً صحيةً ومريحةً للعمل، بحيث يتطلّع الموظفون للقدوم إلى مكان العمل بدل الامتعاض.
ويقول أخصائي التنظيم والإدارة في شركات الأعمال “روكويل كولينز”، فيليس فان: “يمكن لدقائق من المرح أن تفعل العجائب للإجهاد، فعندما يتراجع الإجهاد والضغط ترتفع الإنتاجية والجودة والإبداع”.
4. الإبداع
من الضروري أن يكون القائد قادراً على التفكير خارج الصندوق، وانتقاء الخيار الأفضل بين خيارين سيئين.
وليست كل القرارات مباشرة وواضحة المعالم، فقد يضطر من هو في موقعٍ قيادي أحياناً للانحراف عن الروتين والعرف السائد واتخاذ قرارٍ سريع يناسب الموقف، وهنا يبرز الإبداع.
من الخطأ اللجوء إلى أول وأسهل خيار أو إمكانية، فأحياناً يفضّل الوقوف والتفكير، وربما اللجوء إلى الفريق للإرشاد والنصح، ومن خلال أخذ جميع الخيارات بالحسبان قبل اتخاذ قرارٍ متهوّر، يمكن الوصول إلى الهدف المرجوّ.
وذكر الكاتب والمتحدث الإنجليزي، كينيث روبنسون، “أن دور القيادي المبدع لا تمثل في امتلاك جميع الأفكار، بل في خلق بيئة حيث يمتلك الجميع أفكاراً يمكنهم مشاركتها ويشعرون بقيمتهم”.
ويبث القائد المبدع روح الإبداع في فريقه، بدل تحويلهم إلى آلات لا تتطوّر وتعمل دون شغف أو رغبة بالتطوّر، حيث يقول الكاتب الفرنسي أنطوان دو سان إكزوبغي: “إذا كنت ترغب ببناء سفينة، لا تحشد الناس لجمع الحطب وتعيّن لهم مهاماً ينفذونها، بل علمهم الاشتياق لعظمة البحر التي لا حدود لها”.
5. الشعور بالآخرين والتعاطف معهم
في كتاب “The Daily Carrot Principle”، ذكر الكاتبان إدريان غوستيك وتشستر إلتون، أن المديح يجب أن يكون علناً، بينما معالجة المشاكل وتوجيه الملاحظات تكون بشكلٍ منفرد.
وذكر الكاتبان في كتابهما ذاته، أن المديح يجب أن يزيد عن النقد بـ5 إلى 1، ولا يكون النقد إلا بنّاءً وهادفاً وبأسلوبٍ لبق.
وغالباً ما تقلل خلق علاقةٍ قوية مع الموظفين المشاكل الشخصية، والأحقاد التي قد تتدخل بسير العمل، فعندما يشعر كل من في الفريق بتعاطف قائدهم معهم واهتمامه بشؤونهم، سيشكل ذلك لديهم حافزاً للتفاني في العمل ودعم رؤية قائدهم، بدلاً من تعزيز المشاعر السلبية.
إن القائد الناجح يقف في صف فريقه في المحن، ولا يلقي باللوم على أحد الأفراد ليتملص من المسؤولية، كما أنه لا يسمح لأحدٍ من خارج الفريق بإيذاء فردٍ من أفراد فريقة أو الإساءة إليه، ويعلم أن في ذلك إساءةً له كقائدٍ للفريق.
وفي نهاية المطاف، الموظفون بشر، لهم أحاسيس ومشاكل وهموم، وليسو آلات، فجودة إنتاجهم مرتبطة بشكلٍ كبير بحالتهم النفسية، وثقتهم بقائدهم مرتبطة بشعورهم تجاهه وإحساسهم بتعاطفه معهم والوقوف في صفهم، بدل الجلوس في برجٍ عاجيّ وعدم الاكتراث لأمور الفريق.
6. الصدق والأمانة
من أهم السمات المرتبطة بالمصداقية هي الأمانة، حيث إن القائد الصادق يبعث في فريقه الثقة بأن العقبات ستتم معالجتها بدل تفاديها أو إلقاء اللوم على الآخرين.
وبما أن الموظفين يتطلعون إلى قائدهم في معظم الأمور، فلدى ارتفاع المستوى الأخلاقي للقائد، يتشجع الفريق للعمل بنفس المستوى الأخلاقي، فإذا جعل القائد الصدق والأمانة قيمتين أساسيتين في مكان العمل، تتعزز هاتان القيمتان لدى الفريق.
7. التواضع
يقول خبير الشؤون الإدارية، كين بلانشارد: “المتواضعون لا يقللون من قيمة أنفسهم، بل يقللون التفكير بأنفسهم”.
فالمتواضعون لا يكترثون بالألقاب، ولا تهمهم الرتب والمراكز، وينظرون للمناصب على أنها مسؤوليات وليست مدعاةً للتباهي، كما لا يعظم المتواضعون إنجازاتهم، فعندما يظن المرء أنه وصل إلى القمر، يبدأ بالسقوط.
وغالباً ما ينجح المتواضعون كقادة، وفرغم أن التواضع يعتبر قوةً لينة، إلا أنه يلقى صداً كبيراً لدى مجلس الإدارة والفريق على حدٍّ سواء، بحسب ما شرحه أستاذ الفلسفة في “جامعة كنتاكي الشرقية”، مايك أوستن، لموقع “هافنغتون بوست” الالكتروني.
كما أن المتواضعون ينسبون النجاح للفريق لا إلى أنفسهم، ما يعزز ثقة فريقهم بهم ورغبته بالاستمرار بالعطاء والإبداع، وشعوره بالولاء تجاه قائده.
8. الكرم
إن مفهوم الكرم ليس محصوراً بالمال، بل يعني استعداد المرء لتكريس الوقت والجهد والصبر تجاه الزملاء والأقران والناس من حوله، دون توقّع أي شيء في المقابل.
وكتبت إريكا أندرسون في مجلة “فوربس”، أن الكرم لا يعني السذاجة، بل هو دليل على الثقة بالنفس والشعور بالتحكم، حيث يحتاج المرء إلى ثقةٍ كبيرة بقدرته على الاعتناء بنفسه، وتقييمه للناس حوله، ليؤمن بقدرته على تقسيم موارده بينه وبين هؤلاء الناس، فارضاً حسن نواياهم، دون أن يبقى بلا أي شيء.
وبحسب أندرسون، الكريم يثق بأنه إذا تخلى عن جزءٍ من السلطة، أو المعلومات، أو غيرها، لأولئك الذين يعملون معه، فسوف تعود إليه مضاعفة، من حيث النمو والإنتاج والالتزام والعمل الجيّد، فكلما كان أكثر سخاءً، كلما حصل على نتائج أعظم.
9. الشجاعة
لم يصنّف الفيلسوف أرسطو الشجاعة على أنها الفضيلة الأولى عبثاً، بل لأن الشجاعة تجعل من باقي الفضائل الأخرى ممكنة.
إن أفضل القادة هم الأكثر شجاعةً وجرأة، لأنهم قادرون على اتخاذ قراراتٍ صعبة باستمرار، وتحمّل المخاطر ومواجهتها في سبيل تحقيق الأهداف العظيمة.
وكان تقرير “كينسكيا” لـ2011-2012، بيّن أن الخوف جاء في مقدمة الأسباب التي أدت لدخول الكثير من المؤسسات في دوامة من التراجع، حيث إن الاقتصاد الهش يخلق مستوياتٍ لا توصف من القلق، لافتاً إلى أن أهم أسباب الإجهاد والضغط النفسي في مكان العمل هو الخوف.
ومن صفات القائد الشجاع اتباع حدسه مهما حذره الآخرون ونعتوه بالجنون، وهو مستعد لتحمّل جميع النتائج ومواجهة جميع الصعوبات والعقبات الخارجية والنفسية، إضافةً إلى أنه منفتح للاستماع لمنتقديه، ومستعد لأي تحدي في سبيل الوصول إلى غايته.
ولا تعني الشجاعة انعدام الخوف أو التهوّر، فليس هناك شجاعة دون خوف، بل تعني التغلب على الخوف وعدم السماح له بالوقوف في طريق الهدف المنشود.