بين صياد وأسد
بين صياد وأسد
للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي
لاقى أسامة وهو الضيغم الضاري ... في الغاب صياد آساد وأنمار
فقال واليدُ تحوي بندقيته ... يلقي عليه سؤال العاتب الزاري
يا ليث قل لي: لماذا أنت ذو ولعٍ ... بقتل باقورة ترعى وبَقار
فقال بالقتل يغريني السعار فسل ... من كان يقتل لهواً بالدم الجاري
وقد أحاول قتل النفس مثئرا ... والقتل للهو غير القتل للثار
وربما اضطرني للقتل معترض ... وما على القاتل المضطر من عار
القتل فيه حياة لي سأشكر من اجله من ... له حياتي بأنياب وأظفارِ
أصوم يومي وحسبي أن يكون على ... دم عبيطٍ لظبي صدتُ إفطاري
لأنت أضعف مخلوق ويدهشني ... ما في سلاحك من سحر وأسرار
ان القضيب الذي تلهو يداك به ... يكاد يخطف منه البرق إبصاري
وتعتري رجفة مني الفؤاد لدى ... سماع صوت له كالرعد هدار
وهذه الأرض من خوفي سأهجرها ... فلست تسمع بعد اليوم أخباري
لأنت أعدى عدو لي يطاردني ... وأنت أجدر من عاد بإكباري
قد كنت أحمي عريني أن يطوف به ... وحش وأني ذاك القسوَر الضاري
إذا زأرتُ فإني مثل راعدة ... أو انقضضت فاني شبه إعصار
وقد أهاجم جاموسا فاصرعه ... بضربة من يميني ذات آثار
ما أكثر الوحش في الآجام واغلة ... وما بها كل ذي ناب بمغوار
واليوم إني على ما فيّ من ثقةٍ ... بقوتي خائف من زندك الواري
الليل منك إذا ما جن يسترني ... أما النهار فواشٍ غير ستار
إني أقر بأوزاري التي عظمت ... لو كان يذهب إقراري بأوزاري
إن كنُت أقتل ذا شر يهاجمني ... فقد قتلتم الوفا غير أشرار
بالسيف، بالنار، بالغازات خانقة ... وبابتعاث الوباء الفاتك الساري
ونحن إما أردنا البطش ننذركم ... وتفتكون بنا من غير إنذار
ندنو فنقتل بالأنياب عن كثب ... وتقتلون برغم البعد بالنار
كانت لنا الأرض ملكا قبل خلقكم ... من صلب قرد طريد آكل الفار
سل إن شككتَ رجال العلم يعترفوا ... بما أقول وما ذو الجهل كالداري
بلى أضرُّ إذا ما جعت مفترسا ... لكني لست في شبعي بضرار
لا أوثر القتل حُباً في محاسنه ... بل إن في حاجتي بعثاً لإيثاري
خلقت ليثا هصوراً وسط غابته ... ولم أكن أنا في خلقي بمختار
إني بكوني رِئْبالاً لمفتخرٌ ... فلا تعيبنَّ أخلاقي وأطواري
وجدت في الغاب نفسي ضاريا أسداً ... فهل يعير مني الهازئ الزاري؟
ولست تعلم ما نفسي ترى حسناً ... فان رأسك يحوي غير أفكاري
أما الحياة فليست مثل ما زعموا ... مقسومة بين أشرار وأبرار
أدير عيني في الأحياء أرقبها ... فلا ألاقي أمامي غير أشرار
إن القوي ليبقى والحياة وغى ... في البرِّ في البحر، في الأجواءِ في الغار
ولا يعيش عزيزا غير مجترئ ... ولا يموت ذليلا غير خوار
تود سجني لو تستطيع في قفص ... ويمقت السجن حر شبل أحرار
من مجلة الرسالة العدد " الثالث عشر"