عُلُوٌّ في الحَيَاةِ وفي المَمَاتِ
قصيدة من روائع قصائد الأدب لأبي الحسن الأنباري يرثي محمد بن بقية وزير عز الدولة بن بويه، وكانت قد وقعت حرب بين عز الدولة وابن عمّه عضد الدولة ، فانتصر فيها عضد الدولة، فقبض على الوزير وقتله، وقد بلغت هذه القصيدة من الاستحسان حتى أن عضد الدولة قال :
لقد تمنيت أن أكون أنا المصلوب ، وتكون هذه القصيدة قيلت فيّ أنا :
عُلُوٌّ في الحَيَاةِ وفي المَمَاتِ : لَحَقًّا أَنْتَ إِحْدَى المُعْجِزَاتِ
كَأَنَّ النَّاسَ حَوْلَكَ حِيْنَ قَامُوا : وُفُوْدَ نَدَاكَ أَيَّامَ الصِّلاتِ
كَأَنَّكَ قَائِمٌ فِيْهِمْ خَطِيْبًا : وَكُلُّهُمُ قِيَامٌ للصَّلاةِ
مَدَدْتَ يَدَيْكَ نَحْوَهُمُ احْتِفَاءً : كَمَدِّهِمَا إِلَيْهِمْ بِالهِبَاتِ
وَلَمَّا ضَاقَ بَطْنُ الأَرْضِ عَنْ أَنْ : يَضُمَّ عُلاكَ مِنْ بَعْدِ المَمَاتِ
أَصَارُوا الجَوَّ قَبْرَكَ واستَنَابُوا : عَنِ الأَكْفَانِ ثَوْبَ السَّافِيَاتِ
لِقَدْرِكَ في النُّفوسِ تَبِيْتُ تُرْعَى : بِحُفَّاظٍ وَحُرَّاسٍ ثِقَاتِ
وَتُشْعَلُ عِنْدكَ النِّيْرَانُ لَيْلاً : كَذَلِكَ كُنْتَ أَيَّامَ الحَيَاةِ
رَكبْتَ مَطِيَّةً مِنْ قَبْلُ زَيْدٌ : عَلاهَا في السِّنِيْنِ المَاضِيَاتِ
وَتِلْكَ فَضِيْلَةٌ فِيهَا تَأَسٍّ : تُبَاعِدُ عَنْكَ تَعْيِيْرِ العُدَاةِ
وَلَم أَرَ قَبْلَ جِذْعِكَ قَطُّ جِذْعًا : تَمَكَّنَ مِن عِنَاقِ المَكْرُمَاتِ
أَسَأْتَ إِلى النَّوائِبِ فَاستَثَارَتْ : فَأَنْتَ قَتِيْلُ ثَأْرِ النَّائِبَاتِ
وَكُنْتَ تُجِيْرُ مِنْ صَرْفِ اللَّيالِي : فَعَادَ مُطَالِبًا لَكَ بِالتِّرَاتِ
وَصَيَّرَ دَهْرُكَ الإِحْسَانَ فِيْهِ : إِلَيْنَا مِنْ عَظِيْمِ السَّيِّئَاتِ
وَكُنْتَ لِمَعْشَرٍ سَعْداً، فَلَمَّا : مَضَيْتَ تَفَرَّقُوا بِالمُنْحِسَاتِ
غَلِيْلٌ بَاطِنٌ لَكَ في فُؤَادِي : يُخَفَّفُ بِالدُّمُوعِ الجَارِيَاتِ
وَلَوْ أَنِّي قَدِرْتُ عَلى قِيَامٍ : لِفَرْضِكَ وَالحُقُوقِ الوَاجِبَاتِ
مَلأتُ الأَرْضَ مِنْ نَظْمِ القَوَافي : وَنُحْتُ بِهَا خِلافَ النَّائِحَاتِ
وَلكِنِّي أُصَبِّرُ عَنْكَ نَفْسِيْ : مَخَافَةَ أَنْ أُعَدَّ مِنَ الجُنَاةِ
وَمَا لَكَ تُرْبَةٌ فَأَقُوْلُ تُسْقَى : لأَنَّكَ نُصْبُ هَطْلِ الهَاطِلاتِ
عَلَيْكَ تَحِيَّةُ الرَّحمَنِ تَتْرَى : بِرَحْمَاتٍ غَوادٍ رَائِحَاتِ