بين كثير وعبد الملك بن مروان
ودَخَل كُثيِّر علَى عبد الملك بن مروان في أوَّل خلافتِهِ، فقال: أنت كُثَيِّر؟ فقال: نعم؛ فاقتحَمَهُ، وقالَ: تَسْمَع بالمعَيْدِيِّ لا أنْ تراهُ ( وهذا المثل يُضرب لمن له صيت؛ وذكر ولا منظر له؛ )! فقال: يا أميرَ المؤمنينَ! كُلُّ إنسانٍ عند محلِّهِ رَحْبُ الفناء، شامِخُ البناءِ، عالي السَّناءِ، وأنشدَ يقولُ:
تَرَى الرَّجلَ النَّحيفَ فتزدريهِ
وفي أثوابِهِ أسدٌ هَصورُ
ويُعجِبُكَ الطَّريرُ إذا تراهُ
فيُخْلِفُ ظَنَّكَ الرَّجلُ الطَّريرُ
بُغاثُ الطيرِ أطولُها رِقابًا
ولَمْ تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقورُ
خَشاشُ الطَّيرِ أكثرُها فِراخًا
وأمُّ البازِ مقلاةٌ نَزورُ
ضِعافُ الأُسْدِ أكثرُها زئيرًا
وأصرمُها اللَّواتي لا تَزيرُ
وقد عَظُمَ البعيرُ بغيرِ لُبٍّ
فَلَمْ يَسْتَغْنِ بالعِظَمِ البعيرُ
يُنوَّخُ ثُمَّ يُضرَبُ بالهراوَى
فلا عُرفٌ لديهِ ولا نَكيرُ
يُقوِّدُهُ الصَّبيُّ بكلِّ أرضٍ
ويصْرَعُهُ علَى الجَنْبِ الصَّغيرُ
فما عِظَمُ الرِّجالِ لهم بِزَيْنٍ
ولكنْ زَيْنُهُمْ حَسَبٌ وخِيرُ
فقال: قاتلَهُ اللَّهُ! ما أطولَ لسانَهُ، وأمدَّ عِنانَهُ، وأوسعَ جَنانَهُ! إنِّي لأحسبُهُ كما وصفَ نفسَهُ.
المصدر: «زهر الآداب وثمر الألباب» (2/410، 411)،
للحُصْرِيِّ، مفصَّل ومضبوط ومشروح بقلم د. زكي مبارك