نكران الجميل
نكران الجميل
قالَ الأصْمَعيّ رحِمَه اللهُ : سَمِعتُ أعرابيًا يقولُ :
أسرعُ الذُّنوب عقوبة ًكُفْرُ المَعروفِ.
وحين لا يُقرُّ الإنسانُ بلسانه بما يقرُّ به قلبُه مِنَ المعروفِ والصَّنائعِ الجميلة التي أسْديَتْ إليه
سواءَ أكانَتْ مِنَ اللهِ أم مِن النَّاسِ فهو مُنكرٌ للجميل جاحِدٌ للنِّعمةِ
قالَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
( لا يشكُرُ اللهَ مَنْ لا يشكُرُ الناسَ ) رواه الإمام أحمد..
نُكْرانُ الجَميْلِ صفةٌ تدلُّ على سُوء الخلقِ وقِلةِ المَروءةِ وفسادِ الرَّأي وأنانيةِ النَّفسِ
وضعْفِ الإيمان وغيره مِنْ صفاتِ السُّوءِ ...
إنَّه إنكارٌ للفضلِ وجٌحودٌ بالإحسان الذي مَنَّ اللهُ به على عبادِه وفتح عليهم به، وكٌفرانٌ للنِّعمِ
قالَ رسولُ اللهٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
( مَنْ صُنِعَ إليه مَعروفٌ فوجدَه ، فليُجزْ به فإنَّ مَنْ أثنى فقدْ شَكَره ومَنْ كَتمَ فقد كَفرَه ) رواه الترمذي..
إنَّ اعترافَ الإنسان بفضل الغيْر ومَعروفِه لا يُنقِصُ مِنْ قدْره ولا يَحُطُّ مِنْ منزلتِه بل يُعْلِي قدْرَه عند اللهِ وفي عيون الخلق .
عن عبدِ الله بن عُمر - رضي اللهُ عنهما – قالَ :
قالَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
( مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًاً فَكَافِئُوهُ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكَافِئُونَهُ بِهِ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَد كَافَأْتُمُوهُ ) رواه أبو داود والنسائي.
وفي حديْث آخر وجَّه النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أمَّته إلى الاعْترافِ بالجَميلِ وعدمِ نُكْرانِه ..
فعن جابرَ بن عبد الله - رضي الله عنهما - قالَ :
قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
( مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ، فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ) رواه أَبُو دَاوُدَ.
وهذه القِصَّة التي حَدَّثنا عنها نبيُّنا الكريم ..
وكأنه يريدُ أن ْيُخاطبَنا مِن خلالِها قائِلاً :
يا مُسلمون ، إنْ أردْتُم أنْ تُحافظوا على نِعَم اللهِ عليكم وزيادَتِها فأدُّوا شُكْرَها فإنَّ نُكْرانِها هو سببُ في إتلافِها وزوالِها .. إليكُم القِصَّّة :
عن أبي هُريرةَ - رضي اللهَ عنه - أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يقُولُ :
( إنَّ ثَلاثَةً مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ : أبْرَصَ ، وَأَقْرَعَ ، وَأَعْمَى .
أَرَادَ اللهُ أنْ يَبْتَليَهُمْ فَبَعَثَ إِليْهمْ مَلَكًا ..
(1) فَأَتَى الأَبْرَصَ .. فَقَالَ :
أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ ؟
قَالَ :
لَوْنٌ حَسَنٌ ، وَجِلدٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ .
فَمَسَحَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ ، وَأُعْطِيَ لَونًا حَسنًا ..
فَقَالَ:
فَأيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليكَ ؟
قَالَ :
الإِبلُ ، أَوْ قالَ : البَقَرُ .. ( شكَّ الرَّاوي ) .
فَأُعطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ ..
فَقَالَ:
بَاركَ الله لَكَ فِيهَا .
(2) فَأَتَى الأَقْرَعَ .. فَقَالَ:
أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ ؟
قَالَ:
شَعْرٌ حَسَن ٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَذِرَني النَّاسُ ..
فَمَسَحَهُ ، فَذَهبَ عَنْهُ ، وأُعْطِيَ شَعرًا حَسَنًا ..
قالَ:
فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ؟
قَالَ:
البَقَرُ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلاً ..
فقالَ: بَارَكَ الله لَكَ فِيهَا .
(3) فَأَتَى الأَعْمَى .. فَقَالَ:
أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟
قَالَ:
أَنْ يَرُدَّ الله إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ النَّاسَ ..
فَمَسَحَهُ ، فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرهُ ..
قَالَ:
فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ ؟
قَالَ:
الغَنَمُ ، فَأُعْطِيَ شَاةً والدًا .
فَأَنْتَجَ هذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا ، فَكانَ لِهذَا وَادٍ مِنَ الإِبلِ، وَلِهذَا وَادٍ مِنَ البَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الغَنَمِ .
فأتَى الأَبْرَصَ في صُورَتِهِ وَهَيئَتِهِ ..
فَقَالَ :
رَجلٌ مِسْكينٌ قَدِ انقَطَعَتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَري ، فَلا بَلاغَ لِيَ اليَومَ إلاَّ باللهِ ثُمَّ بِكَ ..
أَسْأَلُكَ بِالَّذي أعْطَاكَ اللَّونَ الحَسَنَ ، والجِلْدَ الحَسَنَ ، وَالمَالَ ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ بِهِ في سَفَري .
فَقَالَ: الحُقُوقُ كثِيرةٌ ..
فَقَالَ:
كأنِّي أعْرِفُكَ ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فقيرًا فأعْطَاكَ اللهُ ؟
فَقَالَ:
إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا المالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ ..
فَقَالَ:
إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ الله إِلَى مَا كُنْتَ .
وَأَتَى الأَقْرَعَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ..
فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذا ، وَرَدَّ عَلَيهِ مِثْلَ مَا رَدَّ هَذَا ..
فَقَالَ:
إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ .
وَأَتَى الأَعْمَى في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ..
فَقَالَ:
رَجُلٌ مِسْكينٌ وابنُ سَبيلٍ انْقَطَعتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَرِي ، فَلا بَلاَغَ لِيَ اليَومَ إلاَّ بِاللهِ ثُمَّ بِكَ..
أَسأَلُكَ بالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَركَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا في سَفري .
فَقَالَ:
قَدْ كُنْتُ أعمَى فَرَدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي ، فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ ..فَوَاللهِ ..
ما أجْهَدُكَ اليَومَ بِشَيءٍ أخَذْتَهُ للهِ عز وجل .
فَقَالَ:
أمْسِكْ مالَكَ ، فِإنَّمَا ابْتُلِيتُمْ ، فَقَدْ رضي اللهُ عَنكَ ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيكَ) ..
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
فهل رأينا :
* كيف أنكرَ كلٌّ مِنَ ( الأبرص والأقرع ) نعمةَ اللهِ تعالى ، وجّحَدا إحسانََه عليهما،
وزعما أنَّ مالَهُما مِن كدِّهما وكدِّ آبائهما ؟!
فعاقبهما اللهُ - سُبحانَه وتعالى - بسلْبِ النِّعمةِ منهما ؟
* أمَّا الأعْمى ، فيومَ أنْ شكَرَ اللهَ ولم يُنكِرْ الجَميل ِ، نالَ رضا اللهِ فحافَظ َعلى تِلْكَ النِّعمة .
فلتتعلَّم - أخي - أنْْ تُحْسِنَ لِمَن أحْسَنَ إليكَ ..
وإيَّاك ونكرانَ الجَميل ِ، فهي أقبح صفة قد يتَّصفُ بها الإنسانُ .
اللَّهُمَّ
أعِنَّا على ..
شُكْر نِعَمِكَ ..
وحُسْنِ عبادتكَ ..
وتذكُّر آلائِكَ ومِنَنِكَ .
اللَّهُمَّ
توفَّنا مُسلِميْن ..
وألْحِقنا بالصالِحين ..
واغفرْ لنا ولوالِدينا ولجميع ِالمُسلمين .
اللَّهُمَّ
اغفرْ ..
وارحَمْ ..
وأنتَ خيْرُ الرَّاحِمين .