فضاءات قوص

قوص

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب الشنهوري
مسجــل منــــذ: 2013-10-27
مجموع النقط: 1188.8
إعلانات


مطارحات في العقيدة

[دليل الإيمان بالقدر جملة]

س: ما دليل الإيمان بالقدر جملة؟

جـ: قال الله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] وقال تعالى: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: 42] وقال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [النساء: 47] وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] الآية.

وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 166] وقال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 156 - 157] وغير ذلك من الآيات، وتقدم في حديث جبريل: «وتؤمن بالقدر خيره وشره» (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك» (2) وقال صلى الله عليه وسلم: " «وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل» (3) وقال صلى الله عليه وسلم: «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس» (4) وغير ذلك من الأحاديث.

[مراتب الإيمان بالقدر]

س: كم مراتب الإيمان بالقدر؟

جـ: الإيمان بالقدر على أربع مراتب: المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأنه تعالى قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأقوالهم وأعمالهم وجميع حركاتهم وسكناتهم وأسرارهم وعلانيتهم ومن هو منهم من أهل الجنة ومن هو منهم من أهل النار. المرتبة الثانية: الإيمان بكتابة ذلك، وأنه تعالى قد كتب جميع ما سبق به علمه أنه كائن، وفي ضمن ذلك الإيمان باللوح

_________

(1) رواه البخاري (50، 4777) ، ومسلم (الإيمان / 1، 5) .

(2) (صحيح رواه أحمد (5 / 182، 183، 185، 189) ، وأبو داود (4699) ، وابن ماجه (77) ، وسكت عنه الإمام أبو داود وقد صححه الألباني.

(3) رواه مسلم (القدر / 34) ، وابن ماجه (79) .

(4) رواه مسلم (القدر / 18) .

والقلم. المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهما متلازمتان من جهة ما كان وما سيكون ولا ملازمة بينهما من جهة ما لم يكن ولا هو كائن؛ فما شاء الله تعالى فهو كائن بقدرته لا محالة وما لم يشأ الله تعالى لم يكن لعدم مشيئة الله إياه لا لعدم قدرة الله عليه، تعالى الله عن ذلك وعز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: 44] المرتبة الرابعة: الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا فيما بينهما إلا والله خالقها وخالق حركاتها وسكناتها سبحانه، لا خالق غيره ولا رب سواه.

[دليل المرتبة الأولى الإيمان بالعلم]

س: ما دليل المرتبة الأولى وهي الإيمان بالعلم؟

جـ: قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحشر: 22] وقال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12] وقال تعالى: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ} [سبأ: 3] وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] الآيات، وقال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125] وقال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53] وقال تعالى: {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 10] وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] وقال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]

وفي الصحيح قال رجل: «يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: " نعم ". قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: " كل يعمل لما خلق له أو لما يسر له» (1) «وفيه: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين؟ فقال: " الله أعلم بما كانوا عاملين» (2) وفي مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم» (3) وفيه: قال صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» (4) وفيه: وقال صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من نفس إلا وقد علم الله منزلها من الجنة والنار» قالوا: يا رسول الله، فلم نعمل أفلا نتكل، قال: «لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له» (5) ثم قرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى - وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5 - 6]- إلى قوله - {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 10] وغير ذلك من الأحاديث.

[دليل المرتبة الثانية الإيمان بكتابة المقادير وما يدخلها من التقادير]

س: ما دليل المرتبة الثانية، وهي الإيمان بكتابة المقادير؟

جـ: قال الله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12] وقال تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} [الحج: 70] وقال تعالى في محاجة موسى وفرعون: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى - قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 51 - 52]

_________

(1) رواه البخاري (6596، 7551) ، ومسلم (القدر / 9) .

(2) رواه البخاري (1383) ، ومسلم (القدر / 27، 28) .

(3) رواه مسلم (القدر / 31) .

(4) رواه البخاري (2898، 4202، 4207) ، ومسلم (الإيمان / 179) .

(5) رواه البخاري (1362، 4945، 4946) ، ومسلم (القدر / 6، 7) .

وقال تعالى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر: 11] وغير ذلك من الآيات. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة» (1) . رواه مسلم، وفيه قال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله، بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيم العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما نستقبل؟ قال: «لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير» ، قال: ففيم العمل؟ فقال: «اعملوا فكل ميسر» - وفي رواية - «كل عامل ميسر لعمله» (2) وغير ذلك من الأحاديث.

س: كم يدخل في هذه المرتبة من التقادير؟

جـ: يدخل في ذلك خمسة من التقادير كلها ترجع إلى العلم، التقدير الأول: كتابة ذلك قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، عندما خلق الله القلم وهو التقدير الأزلي. الثاني: التقدير العمري، حين أخذ الميثاق يوم قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] الثالث: التقدير العمري أيضا عند تخليق النطفة في الرحم. الرابع: التقدير الحولي في ليلة القدر. الخامس: التقدير اليومي، وهو تنفيذ كل ذلك إلى مواضعه.

[دليل التقدير الأزلي]

س: ما دليل التقدير الأزلي؟

جـ: قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] الآيات، وفي الصحيح: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

_________

(1) هو رواية في الحديث السابق.

(2) رواه مسلم (القدر / .

«كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال وعرشه على الماء» (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب فقال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة» (2) . الحديث في السنن، وقال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة جف القلم بما هو كائن» (3) . الحديث في البخاري، وغير ذلك كثير.

[دليل التقدير العمري يوم الميثاق]

س: ما دليل التقدير العمري يوم الميثاق؟

جـ: قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172] الآيات، وروى إسحاق بن راهويه «أن رجلا قال: يا رسول الله، أتبتدأ الأعمال أم قد مضى القضاء؟ فقال: " إن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم من ظهره أشهدهم على أنفسهم ثم أفاض بهم في كفيه فقال: هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار» (4) . وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية

_________

(1) رواه مسلم (القدر / 16) ، وأحمد (2 / 169) ، والترمذي (2156) .

(2) صحيح رواه أحمد (5 / 317) ، وأبو داود (4700) ، والترمذي (2155) ، وابن أبي عاصم (102، 103، 104، 105) قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وسكت عنه أبو داود، وقد صححه الشيخ الألباني.

(3) رواه البخاري (5076) .

(4) (ضعيف) رواه البيهقي في الأسماء والصفات (326) ، ورواه أيضا الطبري في تفسيره (9 / 80، 81) قال الحافظ في المطالب: حديث غريب، وعلق عليه الأعظمي بقوله: أخرجه البزار أيضا، قال البوصيري: رواه إسحاق والبزار بسند ضعيف (1 / 89) .

: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه حتى استخرج منه ذريته فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون» (1) . الحديث بطوله، وفي الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال: «أتدرون ما هذان الكتابان» ؟ فقلنا، لا يا رسول الله، إلا أن تخبرنا. فقال للذي في يده اليمنى: «هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيه ولا ينقص منهم أبدا» (2) فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه؟! فقال: «سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل» ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فنبذهما ثم

_________

(1) (صحيح) رواه أحمد (1 / 44، 45) ، وأبو داود (4703، 4704) ، والترمذي (3075) ، والحاكم (2 / 324، 325) ، والسنة لابن أبي عاصم (196، 201) ، وقد سكت عنه الإمام أبو داود، وقال الترمذي: هذا حديث حسن وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني بعد أن ساق طرقه في الصحيحة (1623) : وجملة القول أن الحديث صحيح بل متواتر المعنى كما سبق، اهـ.

(2) (حسن) رواه أحمد (2 / 167) ، والترمذي (2141) وقال: هذا حديث حسن صحح غريب، وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح، وقد حسن إسناده الشيخ الألباني في الصحيحة (848) .

قال: «فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير» . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

[دليل التقدير العمري الذي عند أول تخليق النطفة]

س: ما دليل التقدير العمري الذي عند أول تخليق النطفة؟

جـ: قال الله تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» (1) . وفيه روايات غير هذه، عن جماعة من الصحابة بألفاظ أخر والمعنى واحد.

[دليل التقدير الحولي في ليلة القدر]

س: ما دليل التقدير الحولي في ليلة القدر؟

جـ: قال الله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ - أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} [الدخان: 4 - 5] الآيات. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت أو حياة ورزق ومطر، حتى الحجاج يقال: يحج فلان، ويحج فلان، وكذا قال الحسن وسعيد بن جبير ومقاتل وأبو عبد الرحمن السلمي وغيرهم.

_________

(1) رواه البخاري (3208، 3332) ، ومسلم (القدر / 1) .

[دليل التقدير اليومي]

س: ما دليل التقدير اليومي؟

جـ: قال الله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] وفي صحيح الحاكم: قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن مما خلق الله تعالى لوحا محفوظا من درة بيضاء، دفتاه من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة أو مرة، ففي كل نظرة منها يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء، فذلك قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] (1) . وكل هذه التقادير كالتفصيل من القدر السابق، وهو الأزلي الذي أمر الله تعالى القلم عندما خلقه أن يكتبه في اللوح المحفوظ، وبذلك فسر ابن عمر وابن عباس رضي الله عنْهما قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29] (2) . وكل ذلك صادر عن علم الله، الذي هو صفته تبارك وتعالى.

[ما يقتضيه سبق المقادير بالشقاوة والسعادة]

س: ماذا يقتضيه سبق المقادير بالشقاوة والسعادة؟

جـ: اتفقت جميع الكتب السماوية والسنن النبوية على أن القدر السابق لا يمنع العمل ولا يوجب الاتكال عليه، بل يوجب الجد والاجتهاد والحرص على العمل الصالح، ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بسبق المقادير وجريانها وجفوف القلم بها قال بعضهم: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل قال: «لا، اعملوا فكل ميسر» ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] الآية، فالله سبحانه وتعالى قدر المقادير وهيأ لها

_________

(1) (ضعيف) رواه الحاكم (2 / 474) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: اسم أبي حمزة ثابت وهو واه بمرة.

(2) (صحيح) رواه الحاكم (2 / 454) ، وابن جرير (25 / 94، 95) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

أسبابا، وهو الحكيم بما نصبه من الأسباب في المعاش والمعاد، وقد يسر كلا من خلقه لما خلقه له في الدنيا والآخرة، فهو مهيأ له ميسر له، فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها كان أشدّ اجتهادا في فعلها والقيام بها وأعظم منه في أسباب معاشه ومصالح دنياه، وقد فقه هذا كل الفقه من قال من الصحابة لما سمع أحاديث القدر: ما كنت أشدّ اجتهادا مني الآن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز» (1) . وقال صلى الله عليه وسلم لما قيل له: «أرأيت دواء نتداوى به ورقى نسترقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: " هي من قدر الله» (2) . يعني أن الله تعالى قدر الخير والشر وأسباب كل منهما.

[دليل المرتبة الثالثة وهي الإيمان بالمشيئة]

س: ما دليل المرتبة الثالثة وهي الإيمان بالمشيئة؟

ج: قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] وقال تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 - 24] وقال تعالى: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39] {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المائدة: 48] {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة: 253] {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} [محمد: 4] وقال تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]

_________

(1) رواه مسلم (القدر / 34) ، وابن ماجه (79) .

(2) (حسن) رواه أحمد (3 / 421) ، والترمذي (2065) ، وابن ماجه (3437) قال الإمام الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم (4 / 199) من حديث حكيم بن حزام وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. ورواه أيضا ابن حبان بإسناد حسن من حديث كعب بن مالك، وقد ساق الشيخ الألباني عدة طرق ومرويات للحديث، ثم قال: وبالجملة فأرجو أن يصل الحديث إلى مرتبة الحسن، اهـ. (مشكلة الفقر ح 11) .

{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125] وغير ذلك من الآيات ما لا يحصى. وقال صلى الله عليه وسلم: «قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف يشاء» (1) وقال صلى الله عليه وسلم في نومهم في الوادي: «إن الله تعالى قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء» (2) وقال: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء» (3) «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله وحده» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله تعالى به خيرا يفقهه في الدين» (4) «وإذا أراد الله تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها، وإذا أراد الله هلكة أمة عذبها ونبيها حي» (5) . وغير ذلك من الأحاديث في ذكر المشيئة والإرادة ما لا يحصى.

[الإرادة في النصوص جاءت على معنيين]

س: قد أخبرنا الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله وبما علمنا من صفات أنه يحب المحسنين والمتقين والصابرين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين ولا الظالمين ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد، مع كون كل ذلك بمشيئة الله وإرادته وأنه لو شاء لم يكن ذلك فإنه لا يكون في ملكه ما لا يريد، فما الجواب لمن قال: كيف يشاء ويريد ما لا يرضى به ولا يحبه؟

_________

(1) رواه مسلم (القدر / 17) .

(2) رواه البخاري (595، 1471) .

(3) رواه البخاري (1432) ، ومسلم (البر والصلة / 145) .

(4) رواه البخاري (71، 3116، 7321) ، ومسلم (الأمارة / 175) .

(5) رواه مسلم (الفضائل / 24) .

جـ: اعلم أن الإرادة في النصوص جاءت على معنيين: إرادة كونية قدرية وهي المشيئة ولا ملازمة بينها وبين المحبة والرضا بل يدخل فيها الكفر والإيمان والطاعات والعصيان والمرضيّ والمحبوب والمكروه وضده، وهذه الإرادة ليس لأحد خروج منها ولا محيص عنها كقوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125] وقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة: 41] الآيات، وغيرها. وإرادة دينية شرعية مختصة بمراضي الله ومحابه، وعلى مقتضاها أمر عباده ونهاهم كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26] وغيرها من الآيات، وهذه الإرادة لا يحصل اتباعها إلا لمن سبقت له بذلك الإرادة الكونية، فتجتمع الإرادة الكونية والشرعية في حق المؤمن الطائع وتنفرد الكونية في حق الفاجر العاصي، فالله سبحانه دعا عباده عامة إلى مرضاته، وهدى لإجابته من شاء منهم كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25] فعمم سبحانه الدعوة وخص الهداية بمن شاء {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النجم: 30]

[دليل المرتبة الرابعة من الإيمان بالقدر وهي مرتبة الخلق]

س: ما دليل المرتبة الرابعة من الإيمان بالقدر وهي مرتبة الخلق؟

جـ: قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62] وقال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 3] وقال

تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11] وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الروم: 40] وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وقال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا - فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7 - 8] وقال تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 178] وقال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] وغير ذلك من الآيات، وللبخاري في خلق أفعال العباد عن حذيفة مرفوعا: «أن الله يصنع كل صانع وصنعته» (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها إنك وليها ومولاها» (2) وغير ذلك من الأحاديث.

[معنى قول النبي عليه السلام والخير كله في يديك والشر ليس إليك]

س: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والخير كله في يديك والشر ليس إليك» (3) مع أن الله سبحانه خالق كل شيء؟

جـ: معنى ذلك أن أفعال الله عز وجل كلها خير محض من حيث اتصافه بها وصدورها عنه ليس فيها شر بوجه، فإنه تعالى حكم عدل وجميع أفعاله حكمة وعدل يضع الأشياء مواضعها اللائقة بها كما هي معلومة عنده سبحانه وتعالى، وما كان في نفس المقدور من شر فمن جهة إضافته إلى العبد لما يلحقه من المهالك، وذلك بما كسبت يداه جزاءا وفاقا، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]

_________

(1) رواه البخاري (73) .

(2) رواه مسلم (الذكر / 73) .

(3) رواه مسلم (مسافرين / 201)

وقال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44]

[للعباد قدرة على أعمالهم ولهم مشيئة وإرادة]

س: هل للعباد قدرة ومشيئة على أفعالهم المضافة إليهم؟

جـ: نعم للعباد قدرة على أعمالهم، ولهم مشيئة وإرادة، وأفعالهم تضاف إليهم حقيقة وبحسبها كلفوا وعليها يثابون ويعاقبون، ولم يكلفهم الله إلا وسعهم، وقد أثبت لهم ذلك في الكتاب والسنة ووصفهم به، ولكنهم لا يقدرون إلا على ما أقدرهم الله عليه، ولا يشاءون إلا أن يشاء الله، ولا يفعلون إلا بجعله إياهم فاعلين، كما تقدم في نصوص المشيئة والإرادة والخلق، فكما لم يوجدوا أنفسهم لم يوجدوا أفعالهم، فقدرتهم ومشيئتهم وإرادتهم وأفعالهم تابعة لقدرته ومشيئته وإرادته وفعله، إذ هو خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم ومشيئتهم وأفعالهم، وليس مشيئتهم وإرادتهم وقدرتهم وأفعالهم هي عين مشيئة الله وإرادته وقدرته وأفعاله، كما ليس هم إياه، تعالى الله عن ذلك، بل أفعالهم المخلوقة لله قائمة بهم لائقة بهم مضافة إليهم حقيقة، وهي من آثار أفعال الله القائمة به اللائقة المضافة إليه حقيقة، فالله فاعل حقيقة، والعبد منفعل حقيقة، والله هاد حقيقة، والعبد مهتد حقيقة، ولهذا أضاف كلا من الفعلين إلى من قام به، فقال تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ} [الأعراف: 178] فإضافة الهداية إلى الله حقيقة وإضافة الاهتداء إلى العبد حقيقة، فكما ليس الهادي هو عين المهتدي، فكذلك ليس الهداية هي عين الاهتداء، وكذلك يضل الله من يشاء حقيقة وذلك العبد يكون ضالا حقيقة، وهكذا جميع

تصرف الله في عباده، فمن أضاف الفعل والانفعال إلى العبد كفر، ومن أضافه إلى الله كفر، ومن أضاف الفعل إلى الخالق والانفعال إلى المخلوق كلاهما حقيقة، فهو المؤمن حقيقة.

[أليس ممكنا في قدرة الله أن يجعل كل عباده مؤمنين]

س: ما جواب من قال: أليس ممكنا في قدرة الله أن يجعل كل عباده مؤمنين مهتدين طائعين مع محبته ذلك منهم شرعا؟

جـ: بلى هو قادر على ذلك كما قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المائدة: 48] الآية، وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] وغيرها من الآيات، ولكن هذا الذي فعله بهم هو مقتضى حكمته وموجب ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته؛ فقول القائل: لم كان من عباده الطائع والعاصي كقول من قال: لم كان من أسمائه الضار النافع، والمعطي والمانع، والخافض الرافع، والمنعم والمنتقم. ونحو ذلك؛ إذ أفعاله تعالى هي مقتضى أسمائه وآثار صفاته، فالاعتراض عليه في أفعاله اعتراض عليه في أسمائه وصفاته، بل وعلى إلهيته وربَوبيته: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ - لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 22 - 23]

[منزلة الإيمان بالقدر من الدين]

س: ما منزلة الإيمان بالقدر من الدين؟

جـ: الإيمان بالقدر نظام التوحيد كما أن الإيمان بالأسباب التي توصل إلى خيره وتحجز عن شره هي نظام الشرع، ولا ينتظم أمر الدين ويستقيم إلا لمن آمن بالقدر وامتثل الشرع، كما قرر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالقدر ثم قال لمن قال له: «أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له» ، فمن نفى القدر زاعما منافاته للشرع فقد عطل الله تعالى عن علمه وقدرته وجعل العبد مستقلا بأفعاله

خالقا لها، فأثبت مع الله تعالى خالقا، بل أثبت أن (جميع المخلوقين خالقون) ، ومن أثبته محتجا به على الشرع محاربا له به نافيا عن العبد قدرته واختياره التي منحه الله تعالى إياها وكلفه بحسبها زاعما أن الله كلف عباده ما لا يطاق، كتكليف الأعمى بنقط المصحف، فقد نسب الله تعالى إلى الظلم وكان إمامه في ذلك إبليس لعنه الله تعالى إذ يقول: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16] وأما المؤمنون حقا فيؤمنون بالقدر خيره وشره وأن الله خالق ذلك كله، وينقادون للشرع أمره ونهيه ويحكمونه في أنفسهم سرا وجهرا، والهداية والإضلال بيد الله يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، وهو أعلم بمواقع فضله وعدله {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النجم: 30] وله في ذلك الحكمة البالغة والحجة الدامغة، وأن الثواب والعقاب مترتب على الشرع فعلا وتركا على القدر، وإنما يعزون أنفسهم بالقدر عند المصائب، فإذا وفقوا لحسنه عرفوا الحق لأهله فقالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] ولم يقولوا كما قال الفاجر: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78] وإذا اقترفوا سيئة قالوا كما قال الأبوان: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] ولم يقولوا كقول الشيطان الرجيم: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] وإذا أصابتهم مصيبة قالوا: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] ولم يقولوا كما قال الذين كفروا: {وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آل عمران: 156]


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة