فاظفرْ بذاتِ الدِّينِ تربَتْ يداكَ
روَى أبو داودَ والنَّسائيّ عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال : قال النبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
" تُنْكَحُ المرأةُ لأربَعٍ ، لمالِها ولحَسَبها ولجمَالها ولديْنها ، فاظفرْ بذاتِ الدِّينِ تربَتْ يداكَ ".
الحديثُ رواه البُخاريّ ومُسلم ورواه أصحابُ السُّنن . ومعناه :
شرح الحديث :
إنَّ عادةَ الناسِ أنْ يرْغبوا في المَرأةِ ، وأنَّهم يختارونها لإحْدى هذه الخِصالِ
وهي : الجَمالُ .. والمَالُ .. والحَسَبُ .. والدِّيْنُ .
واللائِقُ بذوي المَروءاتِ وأربابِ الدياناتِ أنْ يكونَ الدِّينْ مَطمَحَ نظرهم ، فيما يأتون ويَذرون،
لا سيَّما فيما يدومُ أمْرُه ويعظمُ خطرُه..
ولذلك حثَّ المُصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بآكِد وجْهٍ وأبلَغِه ، فأمرَ بالظَّفر فالفوزِ بذاتِ الدِّينِ
الذي هو غاية البُغيةِ ، ومُنتهى الاختيار والطلَبِ..
وإذا أضّفْنا إلى الدِّينِ الجمالَ وغيرَه مِن الصِّفاتِ المذكورةِ فحَسَنٌ ، وإلا كانَ الدِّيْنُ
أولى وأجْدَرُ بالحُظوةِ والمُتابعةِ.
وأما معنى ( تربَتْ يداكَ ) :
فهو في الأصْلِ دعاءٌ معناه :
" لَصَقتْ يداكَ بالتُّرابِ مِنْ شِدَّةِ الفَقر إنْ لم تفعلْ "
وهذا التعبير " تربت يداك " ومثله " ثكلَتْكَ أمُّك " ونحو هذه منَ العبارات.. تقولُها العربُ
لمَنْ تُحبُّه ، وإنْ كانَ معناها في الأصْلِ شرٌّ ..!!
إلا أنُّها منْ باب التَّحَبُّبِ ..
فـ " تربَتْ يَداكَ " يعني لُصِقتْ بالتُّرابِ ، والإنسانُ تلْصَقُ يدَيْه بالترابِ إذا كانَ ققيراً ،
والعربُ تسَمِّي الفقيرَ فقيْراً مِنْ كِثر فقار الظَّهْر أي ، مكْسورٌ ظهرُه ، ومكْسورٌ ظهْرُه تعبير يُرادُ به .
أنَّه لا يمْلِكُ مالاً، فالمالُ يشُدّ الظهرَ ويقوِّيه .
فـ " تربَتْ يداكَ " كناية ٌعَنِ الفقر، ولَكِنْ لا يُراد بها هنا ، في هذا الحِديْثِ الدُّعاء عليه بالفقر
وقيل :إنَّما المقصودُ بـقولِه :
" فاظفرْ بذاتِ الدِّيْنِ تربَتْ يداكَ " ..
أنَّ الذي يَظفرُ بذاتِ الدِّينِ والأخلاقِِ والقيَم والفضائِلِ النبيلَة هو الذي فازَ وفلَحَ وغَنِمَ .
و الأصْلُ في التَّرابِ هو دلالته على الطَّهارةِ ، وذِكْرُ الرَّسول الكريمِ لليدِ ليس بمعنى اليَدِ المُتعارفِ عليه وهى أحدُ أطرافِ الإنسانِ ..
فهذه الكلمةُ استخدَمَها العربُ كثيراً في غير معناها فكانوا يقولون :
هذا الرجل ذا يدِ علينا أي صاحبُ فضلٍ ..
وهذا الرجلُ ذا يدٍ بيضاءَ أي شريفُ ..
وقول اللهِ تعالى : ( واذكُر عبدَنا داودَ ذا الأيدي إنَّه أوَّاب ) أي ذو القوَّة في الدِّيْنِ والعِبادةِ .
وهناك تفْصيلٌ للعلماء في " تربَتْ يداكَ " مُلخَّصُه :
( أنَّ العربَ كانت تنسِبُ الخيرَ إلى الترابِ دائمًا ، فمعنى " تربَتْ يداكَ " هو "
أصَبْتَ الخيرَ " أو " نالَكَ الخيرُ "..
وكانَ رسولُ اللهِ صلَّى الله ُعليه وسَّلم إذا سألَْ عَنْ حالِ أحَدٍ يظهَرُ عليه الغضَبُ أو شئ ٍمثل هذا
يقولُ :
( مالَه تربَتْ يداهُ ) وبالتأكيد كانَ الرَّسولُ يدعو له لا عليه )
.
إذنْ .. فــ ( تربَتْ يداكَ ) في هذا الحديثِ الشِّريْفِ ..
بمعنى : طابَ وطهُرَ اختيارُك .