فضاءات قوص

قوص

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب الشنهوري
مسجــل منــــذ: 2013-10-27
مجموع النقط: 1188.8
إعلانات


الميزان

( الميزان - وزن الأعمال )

من خطبة للشيخ محمد حسان

ما الذي يوزن في الميزان؟

لقد اختلف أهل العلم في الجواب على هذا السؤال على ثلاثة أقوال، وأعرني قلبك وسمعك جيداً فإن الموضوع منهجي دقيق يحتاج إلى حسن متابعة. وسوف ينتظم حديثنا مع حضراتكم في موضوع الميزان في العناصر التالية: أولاً: وزن الأعمال. ثانياً: وزن العامل؟! ثالثاً: وزن صحف الأعمال

الوزن الذي ذكره الله تعالى في قوله: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ? فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَ?ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ??? وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَ?ئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [سورة الأعراف: 8-9].


وزن الأعمال :
اختلف أهل العلم في الذي يوزن على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن الذي يوزن في الميزان يوم القيامة هو الأعمال ذاتها، أي: أعمال العبد من صلاة وصيام وزكاة وحج وصدقة وبر وعمرة وغير ذلك. فرد بعض المعكرين المتعنتين وقالوا: هذه الأعمال أعراض لا أجسام؛ والأعراض لا توزن ولا توضع في الميزان، فكيف توزن الصلاة وهى ليست جسماً؟! وكيف توزن الزكاة؟! وكيف يوزن الحج؟! وكيف توزن الصدقة؟! وكيف يوزن بر الوالدين؟! فهذه الأعمال أعراض لا أجسام، والأعراض لا توزن في الميزان، فكيف تقولون: بأن الأعمال هي التي توزن يوم القيامة؟! والجواب: أن الله جل وعلا يوم القيامة يحول الأعراض إلى أجسام توضع في الميزان، فيخف الميزان ويثقل بحسب الحسنات والسيئات، والأدلة على ذلك من السنة الصحيحة كثيرة: روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). فهذه كلمة يثقل الله بها الميزان، وأما كيف؟! فنقول: يحول الله الأعراض إلى أجسام، وتوضع في الميزان، فيثقل الميزان ويخف بحسب الحسنات والسيئات. وروى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وصححه شيخنا الألباني في مشكاة المصابيح من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق). فحسن الخلق أثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة. وأخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن القرآن الكريم يأتي يوم القيامة يقف أمام العبد بين يدي الله جل وعلا على هيئة غمامة، أو سحابة أو طير. اللهم ارزقنا العمل بالقرآن، ورد الأمة إلى القرآن رداً جميلاً، فإننا نرى الآن أمة القرآن قد هجرت القرآن! والهجر للقرآن أنواع: هجر التلاوة، وهجر التدبر، وهجر العمل بأحكام القرآن ، وهجر التداوي بالقرآن، هجرت الأمة القرآن، وصدق فيها قول الله جل وعلا: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، وما أشقى من تغافل عن دائه، ولم يسع في دوائه، فظل في ضنكه وشقائه! فلا سعادة للأمة ولا ريادة إلا إذا عادت من جديد إلى أصل عزها ونبع شرفها ومعين كرامتها وبقائها، ألا وهو: كتاب ربها مع سنة الحبيب نبيها. اللهم رد الأمة إلى القرآن والسنة رداً جميلاً برحمتك يا أرحم الراحمين! يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وسورة آل عمران كأنهما غمامتان سوداوان بينهما شرْق أو شَرَق -شرق بتسكين الراء أو بفتح الراء هو: الضوء والنور، والتسكين أشهر وأبلغ- أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما) أي: بين يدي الله جل وعلا. فكل هذه أدلة من السنة الصحيحة تدل على أن الأعراض تتحول يوم القيامة إلى أجسام، فالله سبحانه بقدرته يحول الأعراض إلى أجسام توضع في الميزان، فيثقل الميزان ويخف بحسب الحسنات والسيئات، بل لقد أخبرنا الصادق أيضاً: أن العمل يأتي لصاحبه في القبر على هيئة رجل. وقد جاء بهذا حديث رواه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وغيرهم، وصححه الإمام ابن القيم ، وأطال النفس في الرد على من أعل الحديث، وصحح الحديث الألباني من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العبد المؤمن إذا وضع في قبره، فقال: ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟! فيقول: ربي الله، فيقولان: ما دينك؟! فيقول: الإسلام، فيقولان له: من نبيك أو من هذا الرجل الذي بعث فيكم؟! فيقول: هو محمد صلى الله عليه وسلم، فيقولان: ما علمك؟! فيقول: قرأت كتاب الله؛ وآمنت به وصدقت، فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي؛ فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد البصر). وأرجو ألا يشوش علينا كلام العلمانيين المجرمين ممن يريدون أن يجعلوا من سلطان العقل والمادة قانوناً يحكمونه في صريح القرآن وصحيح السنة؛ فإننا نشهد الآن نبتة سوء ينكر أصحابها عذاب القبر. وإن غداً لناظره قريب. فهذا كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، يقول عليه الصلاة والسلام: (ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول الميت له: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول له: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، وأنا عملك الصالح) العمل يكلم صاحبه في القبر بقوله: (وأنا عملك الصالح). وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الكافر: (ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟! فيقول: هاه هاه، لا أدرى، فيقولان: من نبيك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدرى، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدرى، فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي، فافرشوا له فراشاً من نار، وألبسوه لباساً من نار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من روحها وسمومها، ثم يضيق عليه قبره فتختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل أسود الوجه، قبيح المنظر، منتن الريح، فيقول: من أنت؟ فوجهك الذي يأتي بشر، فيقول: أبشر بالذي يسوءك؛ أنا عملك الخبيث). بل لقد أخبر الصادق أن الموت نفسه يأتي يوم القيامة على هيئة كبش أملح، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى يوم القيامة بالموت على هيئة كبش أملح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنة! فيشرئبون وينظرون، فيقول لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم نعرفه؛ إنه الموت، وكلهم قد رآه. فينادي منادٍ: يا أهل النار! فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم نعرفه؛ إنه الموت. فيؤمر بذبحه بين الجنة والنار، وينادي منادٍ ويقول: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت). إذاً: يا إخوة! ثبت بالأدلة الصحيحة التي ذكرت الآن: أن الأعراض تتحول إلى أجسام، وتوضع في الميزان يوم القيامة، ويثقل الميزان ويخف بحسب الحسنات والسيئات، هذه أدلة أصحاب القول الأول الذين قالوا: إن الأعمال هي التي توزن في الميزان يوم القيامة.

وزن العامل :
القول الثاني: أن الذي يوزن في الميزان هو العامل نفسه، وليس الأعمال. واستدل أصحاب هذا الفريق بأدلة صحيحة كذلك، منها: ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليأتي الرجل السمين العظيم فلا يزن عند الله يوم القيامة جناح بعوضه) أي: أنه يؤتى برجل سمين عظيم منتفخ يوم القيامة فيوضع في الميزان فلا يزن عند الله جناح بعوضة؛ إذ إن الموازين إذا وضع فيها العباد لا تخف ولا تثقل بحسب ضخامة الأبدان وكثرة الشحم والدهن، وإنما تثقل وتخف بحسب الحسنات والسيئات. وأقول: من الظلم أن نحكم قانون الدنيا في قوانين الآخرة، أو في عالم الآخرة، ومن المعلوم في موازين الدنيا أن الرجل السمين العظيم إذا صعد على الميزان يثقل، فإن وضع في الكفة الأخرى رجل نحيف هزيل فإنه يخف، لكن موازين الآخرة تختلف؛ فيوضع في الميزان الرجل السمين العظيم الذي ملأ بطنه بالحرام، والذي ملأ بطنه بأموال الناس بالباطل، والذي ملأ بطنه بأموال اليتامى ظلماً وبهتاناً، والذي ملأ بطنه بالرشوة وأكل الحرام، يوضع في الميزان مع أنه منتفخ، فلا يزن عند الله جناح بعوضة. وفي المقابل يؤتى برجل نحيف خفيف لو وضع في كفة، ووضع جبل أحد في كفة؛ لرجحت كفة هذا الرجل، وهذا مثل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ فإنه كان رجلاً ضعيف البنية، لكنه قوي الإيمان، كان رجلاً خفيف الجسم، لكنه ثقيل الأعمال، كما في الحديث الذي تفرد به الإمام أحمد في مسنده بسند جيد قوي كما قال الحافظ ابن كثير وغيره، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (صعد ابن مسعود رضي الله عنه يوماً على شجرة أراك يجني سواكاً، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟! قالوا: نضحك من دقة ساقيه يا رسول الله! فقال: والذي نفسي بيده! لهما أثقل في الميزان من جبل أحد). فهذه أدله أصحاب القول الثاني الذين قالوا: إن الذي يوزن في الميزان هو العبد.

وزن صحف الأعمال :
القول الثالث: أن الذي يوزن في ميزان العبد يوم القيامة هي الصحف. واستدلوا على ذلك بحديث صحيح رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي ، ورواه ابن حبان وأبو داود وغيرهم، وصحح الحديث شيخنا الألباني من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى سيخلص رجلاً من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق، فينشر عليه تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل مثل مد البصر، فيقول الله جل وعلا للعبد: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول العبد: لا يا رب! فيقول: أفلك عذر؟ فيقول العبد: لا يا رب، فيقول الله جل وعلا: بلى؛ إن لك عندنا حسنة، فتخرج بطاقة مكتوب فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول العبد: يا رب! ما هذه البطاقة إلى جوار هذه السجلات؟! فيقول الله جل وعلا: احضر وزنك؛ فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتوضع السجلات -أي: الصحف- في كفة، وتوضع البطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة؛ فإنه لا يثقل مع اسم الله شيء). اللهم كما خلقتنا موحدين ثبتنا على التوحيد، واختم لنا بالتوحيد يا رب العالمين! فيا من خلقك الله موحداً! وأرسل إليك محمداً؛ لا تغفل عن شكر هذه النعمة، أسأل الله أن يجعلنا أهلاً لها. ومما زادني فخراً وتـيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي! وأن أرسلت أحمد لي نبيا ولكن أرجو أن نعلم يقيناً أن التوحيد ليس مجرد كلمة ترددها الألسنة أو دخان يطير في الهواء، بل إن التوحيد: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة