يَنْزِلُ رَبُّنا كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا
_______ حديث النزول _______
حديث: "يَنْزِلُ رَبُّنا -تباركَ وتعالى - كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا حينَ يبقى ثُلثُ الليلِ الآخرِ يقولُ من يدعوني فأستجيبُ له ومن يسألُني فأُعطيهِ ومن يَسْتَغفرني فأغفِرُ له" (هذه روايةُ البخاري وقد رواهُ مسلمٌ وغيرهُما)
* هذا الحديثُ لا يجوزُ أن يُحمَلَ على ظاهرهِ لإثباتِ النزولِ من علوٍ إلى سُفلٍ في حقِ اللهِ - تعالى - وهو ممتنع .
وقد شرحَهُ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - فأغنى بكلامِهِ عن كلام كثيرٍ ممّن فسروه ففي روايةِ غير رواية مسلمٍ عن الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - أنه قالَ: "إنَّ الله - عزَّ وجلّ - يُمْهِلُ حتى إذا مضى الشطرُ الأولُ من الليلِ أمرَ مُناديًا (يعني مَلَكاً) يعني يَنْزِلُ مَلَكٌ بأمرِ اللهِ فيقولُ مُبَلِغاً عن اللهَ, يَقولُ المَلَكُ إنَّ ربَّكُم يقولُ هل من مُستغفرٍ فأغفرُ لهُ، هلْ من داعٍ فأستجيبُ له حتى يَنفَجِرَ الصبحَ".
قال الحافظُ العراقيُ في أَلفِيَتِهِ :
"خيرُ ما فَسَّرْتُهُ بالواردِ"
(يعني إذا مررتَ على آيةٍ فسرتها على ما يوافقُ الآية التي قبلَها) فهل نأخذُ برأي المجسم أم بالآيةِ التي تفسِّرُ تلكَ الآيةَ، وكذلكَ بالأحاديثِ فحديثُ: "يَنْزِلُ ربُّنا" يُفسِّرهُ حديثُ" إذا مضى الشطرُ الأولُ من الليلِ " الحديث
نِعْمَ الفعلُ أن تُفَسِّرَ الحديثَ بحديثٍ آخرَ ثابتٍ عن الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - ، فعلى تفسيرِ المجسمة يكونُ اللهُ طالعاً نازلاً ذلك لأنَّ الليلِ في بَلَدٍ ما يقابلُه النَّهارُ في بلدٍ آخرَ فإذا انقضى الشطرُ الأولُ من الليلِ في بلدٍ ما على زَعْمِ المجسمة فربُّناَ يَنْزِلُ بذاتِهِ ولما يَصيرُ الليلُ في البلدِ الآخرِ ربّنا يَنْزِلُ بذاتِهِ. فحديث "يَنْزل ربُّنا" هو ابتلاءٌ من اللهِ.
فمن حُرِمَ الفَهمَ فقد حُرِمَ خيراً عظيماً.
* وزيادة فائدة نورد ما قاله الإمام النوويُ في شرحِهِ على صحيحِ مسلم (6/36) :
" هذا الحديثُ من أحاديثِ الصفاتِ وفيه مذهبانِ مشهورانِ للعلماءِ،
أحدُهُما:
وهو مذهبُ جمهورِ السَلفِ وبعضِ المتكلمينَ أنه يُؤمنُ بأنها حقٌ على ما يليقُ بالله - تعالى - وأن ظَاهِرَها المتعارَفِ في حقِنا غيرُ مرادٍ، و لا يُتكلمُ في تأويلها، مع اعتقادِ تنزيهِ اللهِ - تعالى - عن صفاتِ المخلوقِ وعن الانتقالِ والحركاتِ وسائرِ سماتِ الخلْقِ،
والثاني:
مذهبُ أكثرِ المتكلمينَ وجماعاتٍ من السلفِ وهو مَحكيٌ هنا عن مالكٍ والأوزاعي أنها تَتَأَوَّلُ على ما يليقُ بها على حسَبِ مَواطِنها فعلى هذا تأولوا هذا الحديثَ تأويلينِ :
أحدُهُما :
تأويلُ مالكِ بن أنس وغيرُه، معناهُ تَنْزِلُ رحمتُه وأمرُهُ وملائكتُه، كما يُقالُ فعلَ السلطانُ كذا إذا فعلَهُ أتباعُهُ بأمرِهِ،
والثاني :
أنه على الاستعارةِ ومعناهُ الإقبالُ على الداعينَ بالإجابةِ واللُطفِ.
والله - تعالى - أعلم بالمراد
وحسبنا الله أولا وأخيرا