إننا نمضي أغلب الأوقات في العمل معتقدين بذلك أننا نحن هذه الوظيفة أو تلك المهنة أو آخر ترقية حصلنا عليها! وينقل البالغون فكرة "إننا نحن عبارة عن أعمالنا" إلى الصغار. فنبدأ كأطفال نعتقد بأننا تقاريننا المدرسية الجيدة أو السيئة أو بأننا تلك الجوائز البرّاقة المصفوفة على الرف أو بأننا الألعاب التي لدينا! فنبدأ نشعر بالفرح للربح وبالحزن للخسارة.
وإذا لم يتم تصنيفنا بحسب وظائفنا فإننا نصنّف بحسب تصرفاتنا أو حتى بحسب عاداتنا أو ما ندمن عليه... وهناك من يقول "أنت عبارة عما تأكله!" ولكن هذا لا يعني أنك شطيرة جبن أو رز أليس كذلك؟ عندما نصرخ بألفاظ نابية لشخص ما فهذا لا يعني بأننا سيئون... عندما نلفظ الكلمات بطريقة معينة فهذا لا يعني بأننا أكثر الناس ثقافة على وجه الأرض. وقد نعتقد أيضاً بأننا أفعالنا الطيبة أو الشريرة... كالكلب الذي أنقذناه أو الهرة التي دهسناها أو المال الذي تبرعنا به أو رداء الاستحمام الذي سرقناه من الفندق!
كان الرجل يحتضر على فراش الموت بينما كانت زوجته بجانبه تمسك بيده الضعيفة وتمسح الدموع عن وجنتيها... وبينما كانت تصلي له إذا به يستيقظ وينظر إليها لتبدأ شفتاه الشاحبتان بالتحرك وكأنه يريد أن يقول شيئا... فهمس قائلا: "زوجتي العزيزة." قالت له: "ارتح.. لا تتحدث." فأصر وقال: "لا بد من أن أتحدث فهناك ما أود الاعتراف به لك" قالت زوجته وهي تبكي: "لا شيء لتعترف به فكل شيء على ما يرام... عد للنوم." فقال: "كلا، لا بد أن أموت بسلام... يا زوجتي العزيزة.. لقد خنتك وأقمت علاقة مع أختك وصديقتك المقربة ووالدتك" فقالت الزوجة: "أعلم.... ولهذا وضعت لك السم!"
إني لا أقول هنا بأن ما نفعله أو نقوله لا يكون له تأثير وعواقب على الكون.. فأفعالنا وكلماتنا تحدد وبكل تأكيد ما نواجهه في حياتنا. إننا مسئولون عن تصرفاتنا وأفعالنا ولكن المهم هو... هل هي حقيقتنا؟ هناك الكثير من الأهمية تدور حول العمل في مجتمعاتنا ولكن متى سنتوقف عن العمل قليلا ونستمتع بحقيقتنا؟ متى سنتوقف عن العيش كآلات ونبدأ العيش كإنسان في هذه الحياة؟
من يقوم بماذا؟
إن الكثير من الرياضيين يتحدثون حول ما يسمى بالدخول إلى "الحالة"...والمقصود بهذا هو القيام بنشاط ما إلى أن يشعروا وكأنهم لا يقومون به بل يحدث من تلقاء نفسه... وهناك الكثير من عدائي المراثون قالوا بعد الركض لأميال عديدة بأنهم وصلوا إلى مرحلة حيث استرخوا وبدؤوا بمشاهدة ركضهم يحدث بنفسه!
تماماً كالتأمل... فهم يصلون إلى مكان حيث يشعرون وكأنهم يقومون بأشياء هم لا يقومون بها في الحقيقة، وحتى قد يرون أنفسهم وهم يتأملون. ولهذا... إذا كنا فعلاً قادرين على الاسترخاء ورؤية جسدنا أثناء النشاط فمن نحن ومن يقوم بهذا النشاط؟
في المجالات الروحانية هناك من يؤكد بأنك لست أنت الفاعل! ولكن إذا لم تكن أنت فمن يكون؟ إنه سؤال يحتاج إلى إجابة دقيقة. ولكن لنقل الآن بأنه لا بد من العمل والعيش بحقيقتك كلاهما معاً وليس واحداً فقط... ففي حياتنا اليومية أي الصورة الصغيرة نعمل بينما في الصورة الكبيرة نكون على حقيقتنا... إن الحياة ليست حب العمل فقط ولكن الاستمتاع بذاتك أيضاً.
هل أنت سيارتك الفارهة؟
هناك فكرة أخرى يعتقد بها البعض وهي أن ممتلكاتنا أو أموالنا تعكس لنا من نحن... باختصار أي أننا نحن ما نملك! فما لدينا يساعد على تحسين أو تشويه صورتنا ولذا إذا أردنا أن نبدو مهمين وجذابين ومتميزين فعلينا أن نملك ليس فقط الكثير من الأشياء ولكن باهظة الثمن أيضاً! فالرجال ينبغي أن يكون لديهم حساب منتعش في البنك وعدة ممتلكات وإما سيارة مرسيدس أو رولزرويس! بينما النساء لا بد أن يمتلكن خاتم ألماس ضخم وثياب لأغلى المصممين وساعة فخمة أو اثنتين! عندها تكونون مستعدين لإقامة الحفلات والذهاب إلى كل مكان لعرض أغراضكم! وأنا كنت لا أختلف عنكم! فلطالما اعتقدت بأنه لا بد أن امتلك سيارة فخمة لأثير إعجاب الفتيات الجميلات وأن امتلك سيارة فخمة وفتاة جميلة لأثير إعجاب الشباب... ولا أعرف إلى الآن لماذا كنت أريد إثارة إعجاب الشباب!!
عندما تحصل على السيارة تغمض عينيك وتعتقد بأنك أخذت كل ما تريد فالآن لا تريد أي شيء آخر من الحياة... ولكن بعد قيادتك للسيارة بدقائق فقط ترى فتاة جميلة وتفكر... "لو أستطيع أن أحصل على تلك الفتاة فلن يكون هناك ما أريده بعدها" ولكن بعد حصولك عليها تكتشف أن هناك أمر آخر تريده، وهكذا...
لا يوجد أي خطأ في هذا! نعم... فهذه هي طريقة العقل دائماً يؤمن بالمزيد ويقنعك بهذا، حتى وأنت تقوم بعمل رائع لا تشعر بأنك كامل تماماً فالعقل يرغب بالمزيد.. ويستمر بالثرثرة "طالما أنك تملك الكثير وتقوم بما تريد ستصبح ناجحاً." ونستمر بقيادة المرسيدس ونحن نفكر بالرولزرويس معتقدين بأن هذه السيارة التي نضيع عمرنا كله للحصول عليها هي التي تحدد من نكون... ولذا نحاول تطوير من نحن بالأشياء التي نملكها بينما في الحقيقة كل ما نقوم به هو مطاردة ذيولنا! والبحث عن زاوية الدائرة!
أنا لا أعني بأن لا تستمع بحياة جميلة وترمي كل ممتلكاتك الرائعة لتأخذ صحناً وتتسول به! كلا، استمتع إلى أبعد الحدود وقم بشراء كل ما تريد ولكن لا تقع في الفخ... وتعتقد بأنها تعكس حقيقتك وبأنك تحتاج إليها لتصبح شخصاً مهماً! بل تحكم بها دون أن تتحكم بك... فكونك يقظاً وواعياً لحقيقتك لا يعني بأن لا تمتلك سيارة فارهة ولكنه يعني أن تعلم بأنها مجرد سيارة!
ماذا عن عمليات التجميل؟
حسنا، لقد وصلنا إلى موضوع الجسد فلنواجه الأمر... جميعنا نقيس الجمال على أساس الجسد فهو ليس بالأمر السهل أن لا نعتبر أنفسنا هذه الكتلة الكبيرة من العضلات والعظام التي نحملها معنا دائماً! فمن لا يفكر بطوله أو وزنه؟ من لا يقارن لون جلده وشعره وعينيه؟ حجم الأنف والأذن والشفاه؟ إن جميع المجالات تعزز الفكرة التي تقول بأننا عبارة عن هذا الجسد وذوقنا في ارتداء الملابس وصورتنا الخارجية بشكل عام! ولهذا نهرع دائماً لشراء أحدث صيحات الموضة من الثياب والمكياج لنعلقها ونعرضها على أجسادنا لأننا نظن أن هذه هي حقيقتنا... بأننا اسم ماركة البنطال أو ماركة الساعة! بأننا السليكون المحشو في أجسادنا وشفاهنا المنفوخة وابتسامتنا المصقولة! فهذا ما قالته المجلة في عددها الأخير! ولكن اعتقاد الجميع بأن أمراً ما صحيح لا يعني بالضرورة أنه كذلك!
في مكان ما على جبل جليدي بالقرب من القطب الشمالي المتجمد، ذهب دب صغير إلى أمه وسألها: "أمي، من أي نوع من الدببة أنا؟" فأجابته الأم: "أنت دب قطبي" فسألها: "هل أنت متأكدة من أني لست دباً بنياً؟" قالت: "متأكدة تماماً، أنك دب قطبي" ولكن هذا لم يرضِ الدب الصغير فقال: "أمي، من الممكن أن أكون دباً رمادياً؟" فسألته الأم: "لم كل هذه الأسئلة يا بني؟ إنك دب قطبي" وذهب الدب الصغير إلى والده وقال: "أبي هل أنا دب باندا؟" فقال الأب: "كلا يا بني إنك دب قطبي" فسأل الصغير: "ولا دب كوالا" قال الأب: "كلا دب قطبي... لم كل هذه الأسئلة؟" أجاب الصغير: "إذا كنت دباً قطبياً..... فلم أشعر بالبرد الشديد؟!"
من الممكن أن لا يكون دباً قطبياً ويتضح بأنه ليس الغبي في هذه الدعابة. فقد صدق بأنه دب قطبي لأنه تم إخباره بذلك طوال الوقت... تماماً كما يحدث معنا، فكل ما حولنا يبيّن لنا بأننا هذه الأجساد التي تتحرك ولهذا توقفنا عن السؤال والاستفسار عن صحة الأمر وسلمنا به. وبالإضافة إلى شكل الجسد فنحن نؤمن أيضاً بأننا عمر هذا الجسد! فنسأل "كم عمرك؟" وتأتي الإجابة 20 أو 30 أو 40 .... ولكن قد يكون الأمر أكثر دقة إذا سألنا "كم عمر جسدك؟" لنجيب "21 مرة أخرى!"
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.