لكل إنسان حكايته مهما كانت حياته فلا بد من أنه مرّ بتجارب وأمور خاصة به وحده. لقد كنت أقارن قصتي بقصص الآخرين وأرى بأني لم أحظَ بحياة رائعة أو قصة جميلة لتروى... إلى أن اكتشفت بأنه لا يوجد أي قصة تشبه الأخرى. كل إنسان له بداية مختلفة لحياته وكذلك التجارب التي يمر بها بعد ذلك.. إن رحلة كل إنسان فريدة من نوعها، حتى التوائم المتطابقة والذين يجمعهم وقت ولادة واحد وتربية واحدة وعائلة واحدة وبيت واحد تكون وجهات نظرهم وتجاربهم وقصصهم وحياتهم مختلفة... وإذا اقتربت أكثر سترى فوارق في أشكالهم أيضاً.
ولكن اختلاف قصصنا أو تشابهها ليست بالقضية المهمة، فالسؤال هو "هل قصة حياتي هي فعلاً أنا؟" أي هل هذه الحكاية التي نستمر في إخبارها للناس وتعديلها وتطويرها في كل سنة مجرد معلومات جمعناها لتدل علينا؟ وإذا كانت كذلك "فمن أنا؟" و"من أنت؟"
من أنا؟ ومن أنت؟
هل توقفت مرة وسألت نفسك من أنت؟ لماذا أتيت؟ ووجدت أفكار معينة أو مشاعر غامضة أو مجرد مجموعة من جملة " لا أعرف" ؟ في الحقيقة لا مشكلة في جملة "لا أعرف".. فهي نقطة بداية رائعة، لأنك عندما تعتقد بأنك تعرف لا تكون منفتحاً لتعلّم الجديد... فعندما تظن أنك عرفت نفسك لن تكون مستعداً للبحث عن ذاتك الحقيقية. هناك جملة أحبها وهي "أولئك الموجودين بينكم والذين يعتقدون بأنهم يعرفون... يغيظوننا نحن الذين نعرف!"
إذاً فجملة "لا أعرف" جيدة على عكس ما يعتبرها العالم دليلاً على الشك وعدم الثقة بالنفس... خاصةً وأن الجميع يتحدث اليوم عن الثقة بالنفس وقيمة النفس وتقدير النفس! ولكن لننظر للأمر من ناحية أخرى، فالشك مجرد سؤال وتحقيق للبحث عن الذات ولذا فهو أمر جيد ومفيد.. إن الشك والتحقيق هو ما تقوم عليه الأبحاث العلمية! فالعلم مبني على التحقيق في كل شيء إلى أن نجد الحقيقة ولذا فإنه كما يحتوي البحث على الثقة فإنه يحتوي على الشك أيضاً. وهو يبدأ في عقولنا على شكل بذرة من الشك وسؤال ملح سواء كان "من أنا؟" أو "ما الذي أفعله هنا؟" أو "ما هي الحقيقة؟" لقد قال أوشو من قبل "لا تكبت الشك بل ادخل فيه واشعر بالشك... إلى أن تجد ما هو غير قابل للشك"
من تظن نفسك؟
من تظن نفسك؟ تبدو جملة وقحة أليس كذلك؟ ولكن ما الذي يخطر على بالنا عندما نسمع هذا السؤال... "أنا رجل" "أنا امرأة" "أنا لطيف" "أنا خبيث" "أنا جذاب"... إن كل ما نقوله يأتي من عقولنا وتفكيرنا، أي أننا نستعمل العقل لنحدد من نحن فنفكر ونحلل ونتصور ونخترع من نحن... وذلك بدلاً من أن نضع أفكارنا على جنب لنرى من هو هذا الموجود هنا!
هناك فرق بين الظن وبين المعرفة لمن نكون... فالظن والتفكير يحدث بسبب استعمال العقل ووجود الأفكار بينما المعرفة تحدث عند وضع العقل والأفكار جانباً! تماماً كالتفكير في طعم القهوة وتذوقها حقيقة... لنقل أنك لم تذق القهوة من قبل ولكنك تستطيع أن تتخيل كيف يمكن أن يكون مذاقها وذلك من رائحتها وشكلها أو قد تسأل أحداً أن يشربها ويصفها لك... مهما كانت الطريقة فلن تكون كوضع شفتيك في هذا السائل وتذوقه بنفسك!
باختصار، أن تظن ما هي حقيقتك ليس كمعرفتها... وعندما تعرف من أنت فإنك لا تستطيع أن تصفها لأي شخص آخر، فكل ما يمكنك فعله هو التلميح والإشارة وبعد ذلك الأمل بالقدرة على إيصالها! ولذا قبل أن تعرف من أنت لنلق نظرة على من تظن قد تكون هذه "الأنت"!
عندما يسألك شخص ما "من أنت؟"... فماذا تجيب؟
اعتقد أن الأمر يعتمد إلى حد ما على الظروف! نعم فنحن أصدقاء شخص ما إذا ساعدنا ولسنا أصدقاؤه إذا أقفل بابه أمامنا! نحب فلان إذا كان يرتدي أحلى الملابس ولا نعرف حتى من هو إذا لم يهتم بمظهره! نغيّر ونعدّل قصصنا بحسب الوقت والموقف... الجميع يقوم بهذا فهو أمر ممتع!
ولكن بشكل عام عندما يسألنا شخص ما "من أنت؟" غالباً ما نجيب بأسمائنا مباشرة.. دون أي تفكير تخرج فوراً من أفواهنا لأن هذا ما تم تعليمنا إياه وتدريبنا عليه... مثل عندما يسألنا أحد "كيف حالك؟" نجيبه "بخير، شكراً" حتى لو لم نكن كذلك.
ولكن هذا ما يتوقعه الناس منك هذه الأيام! اسمك ومن أين أنت هما مفتاحك للمجتمع. فلن يبدو الأمر مقبولاً إذا سألنا شخص ما من نحن أن نجيبه "امممم، إني لا أعرف بالضبط!" حتى ولو أنها إجابة صادقة! إذاً، فكما هي إجابة "بخير شكراً" ليس حقيقية لسؤال "كيف حالك" فإن إجابة "أنا أيمن او عادل او احمد من مصر" ليست الإجابة الحقيقية لسؤال "من أنا؟"
على ماذا يحتوي الاسم؟
هل أنت أحمد أو وائل أو هدى؟ هل أنت مثل كل أحمد أو وائل أو هدى تعرفهم؟ ماذا يحدث إذا غيرت اسمك؟ هل تتغير شخصيتك أيضاً؟ ماذا عن الألقاب التي كنت تلقب بها في صغرك؟ هل غيرت في حقيقتك شيء؟ إذا على ماذا يحتوي الاسم؟ لا شيء!
إذا سألك معلم مستنير "من أنت؟" وأجبته باسمك فسيضحك! لأنه لا يسألك عن جسدك أو عقلك أو الملصق الذي أعطاك إياه والديك ليعرف عنك... سيضحك لأنه يسألك "من كنت قبل أن يأتيا بك والداك إلى هذه الحياة؟" "من ستكون بعد أن تفارق جسدك؟" "ومن هو (أنت) الذي لا يولد ولا يموت أبداً؟" سيضحك لأنك فشلت في معرفة حقيقتك.
إننا لسنا أسماء فهي مجرد ملصقات استعملناها لكي لا نبقى طوال الوقت ننادي بعضنا بـ "يا هذا ويا ذاك"! إنها طريقة لتحديد الجسد والعقل فقط... فنحن لسنا أسماء ولسنا رقم الهوية ولا رقم الجواز ولا رقماً سرياً...!
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.