قوص

أدب الصائم

يقول ابن الجوزي: ولا بد من ملازمة الصمت عن الكلام الفاحش والغيبة فإنه ما صام من ظل يأكل لحوم الناس
وفي الحديث المتفق عليه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -
( إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ).

قال جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم.

يقول ربنا - سبحانه وتعالى- ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
ويقول - عليه الصلاة والسلام -( لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، و لا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه، و لا يدخلُ رجلٌ الجنةَ لا يأمَنُ جارُه بوائقَه )
ويقول - عليه الصلاة والسلام -( إن العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ، ما يتبيَّنُ ما فيها، يهوي بها في النارِ، أبعدَ ما بينَ المشرقِ والمغربِ )

ويقول - عليه الصلاة والسلام- ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )
وقال -عليه الصلاة والسلام - لمعاذ - رضي الله عنه - بعد أن ذكر أركان الإسلام : ألا أخبرُك بمِلاكِ ذلِك كلِّه؟ قلتُ: بلَى، يا نبيَّ اللهِ، فأخذَ بلسانِهِ، وقال: كُفَّ عليكَ هذا، فقُلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِعلَى وجوهِهِم، أو علَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم.

وأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - بِطَرَفِ لِسَانِهِ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يَلُوكُهُ، وَيَقُولُ: هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ.

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - آخِذًا بِلِسَانِهِ وَهُوَ يَقُولُ: بِاللِّسَانِ: قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ أَوِ اصْمُتْ تَسْلَمْ قَبْلَ أَنْ تَنَدَّمَ .

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - : وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهُ غَيْرُهُ، مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ شَيْءٌ أَحَقُّ بِطُولِ السِّجْنِ مِنَ اللِّسَانِ

وقد رآه الناس - رضي الله عنه - ممسكا بلسانه يوم عرفة وهو يقول له : انطق بخير تغنم أو اسكت عن شر تسلم وإلا فسوف تندم .

وسأل رجل حكيما فقال: متى أتكلم؟ قال: إذا اشتهيت الصمت. فقال: متى أصمت؟ قال: إذا اشتهيت الكلام.

قال النووي في الأذكار : بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا, فقال أحدهما لصاحبه : كم وجدت في ابن آدم من العيوب ؟ فقال: هي أكثر من أن تحصى, والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب, فوجدت خصلة إن استعملتها سترت العيوب كلها .. قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان.

قَالَ بعض قُضَاة عمر بن عبد الْعَزِيز - رَضِي الله عَنهُ - وَقد عَزله: لم عزلتني؟ قَالَ: بَلغنِي أَن كلامك مَعَ الْخَصْمَيْنِ أَكثر من كَلَام الْخَصْمَيْنِ إِلَيْك!

فاللسان خطره عظيم وضرره جسيم، إن لم يتعاهده العبد ويحفظه من فضول الكلام والقيل والقال، فضلا عن الآفات.

وإذا أمسك الصائم لسانه وحفظه نجا من وعيد النبي - صلى الله عليه وسلم - " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا طول السهر " .