سبب العزة .... أرحنا بها يا بلال
أرحنا بها يا بلال
في أعقاب معركة اليرموك الشهيرة ، وقف ملك الروم ، يُساءل فلول جيشه المهزوم ، وقف يُساءلهم والمرارة تعتصر قلبه ، والغيض يملىء صدره ، والحمق يكاد يذهب عقله ، ويلكم أخبروني عن هؤلاء الذين يقاتلونكم ، أليسوا بشرا مثلكم ؟ قالوا بلا أيها الملك ، قال فأنتم أكثر أم هم ؟ قالوا بل نحن أكثر منهم في كل موطن ، قال : فما بالكم إذاً تنهزمون ؟ فأجابه شيخ من عظمائهم : إنهم يهزموننا لأنهم يقومون الليل ، ويصومون النهار ، ويوفون بالعهد، ويتناصفون بينهم ، وصدق والله وهو كذُوب ، فهذه السجايا العظيمة ، وهذه الخصال الكريمة ، كانت هي أسباب تلك العزة ، والمجد التليد ، كانت هي الأسباب التي صنعت ملحمة الجهاد الكبرى ، ورسمت أقواس النصر الباهرة ، وأقامت حضارة الإسلام العالمية ، ومكنت القوم من رقاب عدوهم ، حتى دانت لهم الأرض وأهلها ، وأتتهم الدنيا وهي راغمة ، هذه الخصال الرفعية ، هي التي انتقلت بأسلافنا تلك النِقِلة الضخمة ، من عتبات اللات والعزى ، ومناة الثلاثة الأخرى ، إلى منازل إياك نعبد و إياك نستعين ، حيث الأروح المتطلعة إلى السماء ، والنفوس السابحة في العليا ، ولكن يا فرحة لم تستمر ، ويا لبهجة لم تكتمل ، فقد تغيرت الحال ، وهوت الأمة من عليائها ، لتستقر في غبرائها ، وأصبحنا نحن الذين نتساءل اليوم ، لماذا نهوي ويرتفع خصومنا ، والجواب أيها الأحبة في الله ، كيف لايكون ذلك وقد ضاعت تلك الخصال الرفيعة ، والقيم السامية ، وليت الأمر توقف عند لك ، ليت الأمر توقف عند قيام الليل الذي أضعناه ، وصيام النهار الذي افتقدناه ، لهان الأمر وماهو بهين ورب الكعبة ، ولكننا أضعنا ما هو أكبر من ذلك بكثير ، فالصلاة المفروضة ، عماد الدين وركنه الركين ، أصبحت اليوم ، محل استخفاف البعض وسخريتهم ، واستهزائهم وتندرهم ، فهي ضا ئعة مهملة لدى الكثيرين ، منسية مؤخرة عن وقتها لدى آخرين ، تفعل في غير الجماعة لدى الباقين ، وما أشد خوفي والله أن يكون بعضنا قد اقترب كثيراً من وعيد الجبار جل جلاله { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا }وإذا كنا أحبة الكرام : إذا كنا جادين في محاولة إصلاح الأمة ، وبعث عزتها من جديد ، فنحن مدعون اليوم إلى بحث هذا الموضوع الشائك ، ومناقشة هذه القضية الجلل ، ومعالجة هذه المسألة المهمة ، كونها من كبريات القضايا ، وأمهات المسائل ، وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد