إنه من السهل استدراج الفهم الخاص بعوالم العقل ومعالمه ، لأنها لها نفس الصبغة المذكورة في مراتب قوى العقل ودرجاته ، إلا أن الاختلاط بين العوالم والمعالم هو الذي يجعل مشكــل حجاب الفصل .
العالم الأول من عوالم العقل لا يسجل إدراكه في الدماغ نهائيا ، بل صورة مسجلة في القـوة الكامنة فوق الدماغ والتي سبق وصفها على أنها مشكلة في نور له ألوان ، وهو عــبارة عــن التسجيل الباطني للدماغ ، ويشكل قوة الجسم الثاني للإنسان المكون إما من قوى الطبيعة ، أو من قوة النور. فالمهم هو أن المرتبة الأولى في العالم الأول للعقل هي أساس ومركز لتسجـيل إدراكي لكل ما في الطبيعة الظاهرية من أشياء موجودة ومخلوقات ، والمــعالـم الــثــمانــيــة المحاطة بالعالم الأول للعقل أساسها إدراك حسي ، فالدرجة الأولى : الإدراك فــيــها يــكــون تمييزا لما في الطبيعة فكريا أو بقوة حاسة البرودة . والدرجة الثانية إدراكها يكون بالحرارة ، والدرجة الثالثة باليبوسة ، الدرجة الرابعة بالرطوبة ، وباقي الدرجات يكون باختلاط الرطب الحار أو اليابس البارد أو الرطب اليابس أو البارد الرطب . فالدرجات الأربع الـثانــيــة هــي اختلاط الدرجات الأربع الأولى . ولا ميز القدماء قوة الحواس في تركيب رباعي على حسب العناصر الأربعة الطبيعية ، وجعلوا الدائرة على الجهة اليمنى للعوالم أساسا لـوجــود الــقــوة الإيجابية ، ودائرة المعالم على الجهة اليسرى من المربع لوجود القوة السلبية .
والعالم الثاني للعقل هو مواز للمرتبة الأولى لقوى العقل ، إلا أن التسجيــل فــيــه فــي قــوة الدماغ ، مختص لصورة الطبيعة الظاهرية مع جعلها طبيعة أخرى باطنية تكون موردا لقــوة الخيال ، إما فكريا أو حسيا كما هو الشأن في العالم الأول للعقل . ونجد كذلك المعالم الثمانــية محاطة بالعالم الثاني مكتسبة لنفس الوظائف المؤداة بواسطة قوى الدماغ والمتحركة بــقــوى الحواس تجاه الدماغ .
العالم الثالث هو كذلك محاط بمعالم ثمانية ، إلا أن التسجيل في قوى الدماغ يحتوي على كل ما يراه الإنسان من نور ظاهري كالضوء أو النور نفسه ، ودرجاته الثمانية هي نفس ما ذكـر في العالم الأول للعقل .
والعالم الرابع للعقل هو مضمون العالم الثالث إنما في صفة باطنــيــة . ويــتــم بــهــا إدراك الأحلام .
والعالم الخامس نجد فيه ما يدركه العقل كالأشياء المتحركة والتي لا ترى مثل قوة طبيعــيـة أو الريح إذ يشعر به الإنسان ولا يراه .
والعالم السادس هو نفس أساس العالم الخامس ، إنما إدراكه يكون باطنيا ، فيشعر الإنــســان بكل قوة باطنية غير مدركة ظاهريا ، ولكن تدرك عقليا ومنها القوى الطبيعية التي يكتســبـها الإنسان .
أما العالم السابع ، فشامل لما ذكر إلا أن الحاسة السادسة هي المؤدية للفهم والإدراك .
والعالم الثامن يدخل ميدان عوالمه في كل ما لا يدرك بالحواس الخمس ، أو بالحاسة السادسة ، أما المعالم فهي أساس كل شيء يدرك بالفكر أو بالحواس ، وعوالم المعالم هي عبارة عــما يعطيه الإنسان من صورة لشيء غير مرئي . فالفهم عن الجنة مثلا يجعل في مراتب المعالــم علما صوريا مختلفا ، في ثماني درجات وعلى هذا المنوال يتم الفهم . وكل مطبق لأي طريقة كانت لا يدرك بواسطتها الفرق في هذا الميدان ، نجد أنه يجعـل فــي قــوى إدراكــه صــورة لخالقه مشكلة ، إما في أشياء موجودة أو مشخصة أو عبارة عن قوة مدركة ، وهذا لا يــمـكن لأنه لا يوجد شيء وراء الطبيعة له كبيعة أخرى ، ولا شيء فـوقها والخــالــق هــو دونــها ، وجوده ليس وجوديا في الوجود ولا عدما في العدم ولا وجودا في العدم أو عدما في الوجود ، والإدراك الغيبي هو أساس علم الإنسان ، ومعرفته حول وجود الخالق في العقل نفـسه ، ولا يمكن إدراك الخالق ووجوده بقوى العقل . وكل ما يسمى طبيعة هو تمييز بين مراتب الكون، ومراتب الكون هذه تكون لها عوالم إن كانت وجودية وتكون معالمها إن كانت غير منكشفة ، كالشيء أو العدم أو الاضمحلال أو المجهول . والخالق ليس له مكان يعـرف فــيــه أو فــراغ يملأه لا داخل الطبيعة ولا خارج الأكوان كلها . ولا يمكن للعقل ولا لقوى عقــل الإنســان أن تدخل مكانا في الكون أو وراء الكون للاتصال مع بصفة مدركة لفهمه كخالق للأشياء وغـيـر الأشياء ، واعتبارا للفهم أنه دون الأشياء ودون ما وراءها .
إن إدراك معالم العقل وعوالمه هو الشيء الذي غفل عنه الكثير مـمــن طــبــقــوا الــطــرق المختلفة ، والجهل في هذا الميدان يؤدي بالباحث على تدهور عقلي وإلى خروج عـن أصــل العلم ، والعلم ليس فيه اختلاف لوجود حقيقة ثابتة في كل الأشياء ، حتى ولو حاول الكثـيرون محو العوالم والمعالم المترتبة في العقل ، ولن يتمكنوا من ذلك في أي طرق كانت ولا يمكــن محوها بل ضرورة الثبات فيها لازم لكل بالغ في العلم والمعرفة ، إنما منبع العقائد المختلــفـة يكون أغلب من يجعلها هم ببالغين في مراتب العقل ودرجاته ، وعند بلـوغ الإدراك عــنــدهم بواسطة الحواس إلى ميدان المعرفة حول عوالم العقل ومعالمه ، نجد أن طرقهم منطوية على أخطاء كثيرة وكبيرة تجاه العلم الحقيقي لحقيقة الأشياء ، وتكون عند هؤلاء قوة مسيطرة على قوى عقل الإنسان ، وبإمكانهم تغيير مراتب القوى الطبيعية . وهذا يشكل انحرافا قويا عــنــد
كل متبع لهم . أما إذا كان العلم أساس منطلق الإنسان في بحوثه ، فإنه إذا تمكن من مــعرفـة الصول العقلية في عوالم العقل ومعالمه نجده إنسانا يتفرغ إلى العبادة دون فرض العزلة عـن الناس أو عن الأشياء اللازمة لعيش الإنسان .
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.