إن التركيز هو أول مرحلة وأول وسيلة لمعرفة قوة العقل في مرتبته الأولى وتــحــتــوي هذه المرتبة على ثماني درجات راسخة فيها ، ومحتواها الشمال نجد أن الدماغ يسجل بواســطتها كل الأشخاص الذين يعرفهم الإنسان مدى حياته ، وكأن هؤلاء الأشخاص لهم حياة شعــورية يعرف بها الإنسان ما قيل له أو ما قيل عنه ، والدرجة الأولى في المرتبة الأولى ، يعرف بها الإنسان أسماء الأشخاص وأنسابهم الذي عرفه . أما الدرجة الثامنة فيعزل فــيـها الأشــخاص بتميز الأصدقاء منهم والأعداء ثم الأهل والأقارب وكل شيء بترتيب ، الدرجة الثالثة يـسجل فيها الدماغ الأشخاص لكن بإدراك تمييز يفرق به الإنسان بين الأموات والأحياء أو الــغائــب ممن عرف والحاضر. والدرجة الرابعة تشمل المجتمع بأكمله وتصرفه تجاه الشــخــص إمــا بحب نحوه أو بكراهية تجاهه ، الدرجة الخامسة ، نجد فيها صورة امرأة يحـبــها الإنــسان أو يفضلها أو يتخيلها ، الدرجة السادسة يسجل فيها الدماغ الفرق بين ما يراه الإنسان خــيــرا أو شرا في الناس ، الدرجة السابعة يميز بها الإنسان الأشخاص الذين يعتــبــرهــم أولــي عــلــم ومعرفة مقتديا بهم أو متجنبا لهم لجهلهم ، الدرجة الثامنة ، يعزل فيها الدماغ كل من له حــكم على الإنسان أو السيطرة عليه بتمييز الحذر أو الثقة في أولئك الأشخاص .
واعتمدت الطرق كلها في المرتبة الأولى من قوى العقل على تخفيف مضمونها ومحــو مــا سجل فيها مما لا يفيد كمعرفة أشخاص لا فائدة في معرفتهم أو الاحتفاظ بأسمائهم وأنسابــهــم دون فائدة ، كما لزم أن يكون الإنسان قليل العداوة وكثير المودة . والمهم في هذه المــرتبة أن لا يهتم الإنسان بكل من يحيط به بصفة تدخلية في شؤون الناس أو في تصــرفاتــهــم ، إلا أن هناك من الطرق ما يعتمد فيها على محو كل قوى هذه الدرجات في هذه المرتبة ، وهؤلاء هم كثيرو العزلة ولا يتذكرون معارفهم من الناس متجنبين كل مسؤولية تجاه الآخــرين ، وكــان القصد من هذا هو التمكن من الدخول إلى المرتبة الثانية بسرعة وجمع الإدراك فيها ، ولــكن قد يتم ذلك دون هذا العناء كله إذا كان التركيز قويا وسيرة الإنسان سليمة .
المرتبة الثانية أساس فعاليتها كامن في قوة التنفس ، ولهذا اعتمـدت أعــظم الــطــرق عــلى ترتيب التنفس ترتيبا خاصا لإدراك معالم هذه المرتبة وعوالمها ، وحقا دون التنفس لا يمـكـن للإنسان الإدراك في هذه المرتبة ومحتواها شامل لكل ما ذكر في الـمــرتــبــة الأولــى إلا أن التمييز فيها يكون في حالة النوم عندما يكون التنفس في حالة توازنية من تلقاء نفسه لــوجــود الجسم في حالة ركود ، وشرط الطرق في هذا الميدان أن يكون الإنسان في هيــئــة جــلــوس ساكنة والتنفس بترتيب مستمر كأن الجسم في حالة نوم ، وهذا يتمـكن الإنــســان مــن إدراك معالم وعوالم المرتبة الثانية من قوى العقل .
أما درجاتها الثمانية فلها نفس الدور والمكانة في المرتبة الأولى فيما يخص تسجيل الدماغ، والتمييز فيها عند النوم يكون بواسطة قوى الأحلام فيحلم الإنسان الأشخاص عـلى الــصــفــة المذكورة في كل درجة من درجات المرتبة الأولى ، واعتمدت أكثر الطرق علــى وســيــلــة
الخروج من المرتبة الثانية للمرتبة الأولى على أساس استعمال طرق للســهــر حــتى يــدرك الإنسان في اليقظة ما كان بإمكانه أن يدركه عند النوم ، والطرق المشهورة يفرض فيها محـو قوى الأحلام كما كان الشأن في المرتبة الأولى ، وعند المطبقين لهذه الطرق نجدهم كــثيـري السهر، ونجد أن الأحلام عندهم تضمحل أو تقل على حسب التطبيق .
أما المرتبة الثالثة ، فإنها شاملة لكل ما يسجله الدماغ لـتــمـــيـيــز الأشــياء لا الأشــخاص ، والأشياء المعني بها هي كل الأشياء التي لا حياة فيها ولو كانــت مــتــحركة كالآلات ، وفــي الدرجة الأولى في هذه المرتبة ، يسجل الدماغ أسماء الأشياء بالترتيب الذي عرفه وبالأسـماء التي أعطيت لتلك الأشياء . وفي الدرجة الثانية يدرك الإنسان الأشياء الــضارة كالأســلــحــة والأشياء التي يعرف أن لها نفعا بالنسبة له ، والدرجة الثالثة يميز فيها الإنسان بــين الأشــياء التي فنيت أو الباقية ، والدرجة الرابعة يعرف فيها الإنسان الأشياء كلها إن كانــت واقــيــة أو مهددة له ، الدرجة الخامسة نجد فيها تمييز الأشياء المفصلة والتي يكن لها محبة ، والــدرجـة السادسة هي شاملة لما يراه الإنسان من شر أو خير كالطعام ، أما الدرجة السابعة فهي أساس التمييز بين الأشياء التي تعتبر ثمينة كالمال والذهب والفضة والجواهر إلى غير ذلك . وتبـقى الدرجة الثامنة مكاناً يسجل فيه الدماغ كل الأشياء الكبيرة على طاقة الإنسان كالمباني الكبيرة والقصور أو ما يراه الإنسان في الكون كالشمس والقمر والنجوم إلى غير ذلك .
المرتبة الرابعة أصل ما يسجل بها في الدماغ هو نفس الشكل في المرتبة الثالثة إذ تميز فيها الأشياء كلها على حسب ما رتب في كل درجة ، إلا أن التمييز يكون في حالة النوم كذلك كما هو الشأن في المرتبة الثانية بالنسبة للمرتبة الأولى ودرجاتـها ، ومــا يــطــبــق للإدراك فــي المرتبة الرابعة ، هو متطلبات ما طبق في المرتبة الثانية باعتبار التنفيس أصلا للـبلــوغ فــي تلك المرتبة .
المرتبة الخامسة هي مكان تجمع الأشخاص والأشياء فيها في كل درجــة ، إلا أن الأشــيـاء تقترن فيها بالأشخاص أو معها أو الأشخاص بالأشياء ، ويتم بين الأشخاص والأشياء بالتمـام كما ذكر في كل درجة .
المرتبة السادسة سهل مفهوم محتواها ، لأن ما يدرك فيها هو ما يدرك بالـتــفــصــيــل فــي المرتبة الخامسة ، إلا أن ذلك يتم بالنوم كما هو الشأن في المرتبة الرابعة والثانية ، والـتـنفس أساس للإدراك فيها ، وأساس الإدراك في المرتبة الأولى والثالثة والخامسة هو التركيز .
المرتبة السابعة تتجمع فيها كل درجات المرتبة الأولى والثالثة والخــامــسة عــلى حــســب التفصيل .
المرتبة الثامنة تتجمع فيها كل درجات المرتبة الثانية والرابعة والسادسة ، وبهذا ذكرت هــنا المراتب أما القوة التاسعة لقوى العقل فلا تسمى مرتبة لتجمع الحواس الخمس فيــها ، وقــد عــرفــنا عليها برمز النجمة الخماسية وسط الرأس ، ودون القوة التاسعة لا يمكن معرفــة مــحــتــوى درجات المراتب لأن بالحواس يمكن التمييز والإدراك . والقوة العاشرة هي الــتــي تــحــيــط بالدماغ كله وبالحواس والمراتب والدرجات ، فهي قوة يدرك العقل والمـراتــب الــثــمانــيــة والدرجات الأربع والستون في قوى اللاشعور. أما الحاسة السادسة فهي انفصال بـيــن قــوى الحواس وبين المراتب بدرجاتها ، واتصال مع قوى اللاشعور، وسميت الحاســة الــسابــعـــة المعروفة عند المتصوفة لاتصال شعور الإنسان بالحواس الخمس مع قوى اللاشعــور عــنــد إدراك المراتب كلها بدرجاتها ، وهذه الدرجة في الحواس تعطي قوة ثامنة ، وشاملة للشـعور واللاشعور في حالة النوم أو يقظة ، وهذه القوة الثامنة هي أساس اتصال قوى جسم الإنــسان بقوى الطبيعة المختلفة ، والبالغ إلى هذه الدرجة يمكنه التغلب على قوى جسمه وقوى الـدماغ كلها ويمكنه استعمال قوى الطبيعة على حسب إمكانياته في الإدراك الغيبي للحواس . وأساس معرفته هو بحث بالدرجة الثامنة للحواس في ما وراء الموت . والبالــغ إلــى هــذه الــدرجــة يحاول معرفة أسباب الموت بحثا عن الخلود إما في الكون الظاهري أو في الكون الـباطــنــي في الطبيعة المجردة . والطبيعة المجردة هي عالم باطني للطبيعة الظاهرة إلا أن الإنسان يجد نفسه كأن لديه القدرة على تغيير أسس قوى الطبيعة . والمخطىء ينسب لنفسه الأولــهــيــة أو الاتصال الإلهي معه بانفصال لوجود الإنسان كشيء له حياة . ومن البالغـين لهــذه الــدرجــة الثامنة ، من ادعوا أنهم خلقوا النجوم أو أنهم آلهة . كنبتون ، وزوس وأورنوس إلى غير ذلك وهم كثيرون .
إن بواسطة اكتساب القوة الثامنة يصبح العقل متحكما في المراتب كلها ودرجاتها في قـواها ، ويمكن الرحيل منها إلى اكتساب القوة التاسعة وهي آخر ما يبلغ إليه الإنسان ، والبالغ إلــى هذه القوة يمكنه بقوى العقل أن يعطي للأشياء وجودا بجمع قوى الـهــباء كــما أنــه يــكــمــل الاكتساب لكل قوة ذكرت في فعاليتها . والواصل في هذا الميدان لا يمكنه أبدا أن يســمــع أي قول فيه معرفة من أقوال الناس ، ولا يمكن له الرجوع إلى أصل طريقه الأول أو الــتــراجـع في معرفته ، ويذكر فرعون على سبيل المثال لبلوغه للمرتبة التاسعة ، ولا يتمكن الأنبياء من إرجاع هؤلاء إلى الصواب إذا ما غاصوا في الخطأ .
القوة الثامنة المذكورة هنا والتاسعة مخالفة للقوة الثامنة والتاسعة والعاشرة الــمــذكورة بــعـد مراتب العقل ودرجاته ، فهذه هي قوى وراء قوى الحواس ، وليس بعد مراتب قوى الـعــقــل ودرجاته ، فإذا تم التمييز بين هذه القوى فإن البالغ لا يمكنه أبدا أن يدعي الألوهية أو يخطيء في أصول معرفته
العوالم أساس إدراكها هو صوري والمعالم يكون إدراكها فكريا أو بقوى الحواس أو ما فــوق قوى الحواس 2- 3- 4 -5 المذكورة هنا . وهذا هو الذي يجعل الفرق بين الذي يوحـى إلــيــة وبين البالغ في مراتب العقل وقواه .فالذي يوحى إليه يدرك الأشياء بما فوق قــوى الــحــواس مختلطة بعوالم العقل ومعالمه ، وبلوغه في مراتب العقل يكون قبل أن يوحى إليه . فالإنــسان إذا بلغ أربعين سنة لا يمكنه الصعود في مراتب العقل بل يمكنه البلوغ فـي درجــات عــوالــم العقل ومعالمه بقوى الحواس لا بقوى فوق قوى الحواس .
والمخطىء في الفرق الموجود هنا قد ينسب لنفسه النبوة . إذا لم ينسب إلى نفسه الألـوهية .
إن أصعب شيء عند بلوغ الإنسان طارقا أبواب معرفة علم الحقيقة هو أن يجد حجابا سمي بحجاب الفصل.وهذا الفصل معناه أن يفصل الإنسان بين كل معرفة مدركة بالعقل ومختلطة، فيجب أن يركز في قوى إدراكه كيفية عدم كونه إلها . وهذا الحجاب هو قــوة راســخــة فــي القوة العلوية لقوى العقل واللازم فيها إدراك كل مراتب العوالم والمعالم الأساسية للــعــقــل ،
فالعوالم في مراتبها لها ثماني درجات من المعالم ، والمعالم في مراتبها لها ثمانية عوالم فـي درجاتها . وهنا يختلط كل شيء عند البالغين إلى حجاب الفصل ، فإما أن يجد الصواب وإمــا أن يجد الخطأ ، فإن وجد أبواب الصواب مفتوحة فإنه يدرك مدارك كل الأخطاء في المعرفـة التي يدركها الإنسان ويعتبر هؤلاء حكماء . وليس الحكيم هو من ينطق بما لا يفهمه الإنســان ، بل هو الذي يدرك فهم خطأ فهم الإنسان ، كما أنه يستقيم في كل حركاته وتصرفاته مــدركا حدود وإمكانيات بلوغ الإنسان سواء في المعرفة أو في العلم أو تجاه الحقيقة ، ثم إنه لـيــدرك الفرق بين قوى الظلمات وقوى النور، ورغم كل هذا فإنه لا يدرك كــنـه الأشــياء أو أســباب الخلق ، ويبقى له أساس واحد هو عبادة خالقه .
نجد بعد كل ما ذكر عن مراتب العقل ، أن إدراك الإنسان بقوى العقل منقسم إلى عالم الأشياء الحية أو الأشياء الجامدة ، ثم إلى معالم عوالم الأشياء الغيبية أو الباطنية . والتميـيــز يــكــون إدراكا لكل ما يدركه العقل ، إما أن يكون بإمكانه إدراكه أو باستحالة الإدراك فيــه ، وبــهــذا يجعل الفرق بين الخالق والمخلوق . والعابد للخالق قد يكون مشركا إذا لم يتمكن من الــفــرق الكلي بينه وبين خالقه ، وإن وجد اختلاط ولو قليلا فقد نجد العابد عابدا لنـفســه فــقــط ، دون إدراك حدود إدراكه أمام خالقه .
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.