إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
قوله تعالى : " إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ "
قال القرطبي:
لم يقل قريبة. وفي ذلك سبعة أوجه :
أولها : أن الرحمة والرحم واحد ، وهي بمعنى العفو والغفران ؛ قاله الزجاج واختاره النحاس. وقال النضر بن شميل : الرحمة مصدر ، وحق المصدر التذكير ؛ كقوله : فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ [البقرة : 275]. وهذا قريب من قول الزجاج ؛ لأن الموعظة بمعنى الوعظ. وقيل : أراد بالرحمة الإحسان ؛ ولأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيا جاز تذكيره ؛ ذكره الجوهري. وقيل : أراد بالرحمة هنا المطر ؛ قاله الأخفش. قال : ويجوز أن يذكر كما يذكر بعض المؤنث. وأنشد :
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
وقال أبو عبيدة : ذكر قَرِيبٌ على تذكير المكان ، أي مكانا قريبا. قال علي بن سليمان : وهذا خطأ ، ولو كان كما قال لكان قَرِيبٌ منصوبا في القرآن ؛ كما تقول : إن زيدا قريبا منك. وقيل : ذكر على النسب ؛ كأنه قال : إن رحمة الله ذات قرب ؛ كما تقول : امرأة طالق وحائض. وقال الفراء : إذا كان القريب في معنى المسافة يذكر مؤنث ، إن كان في معنى النسب يؤنث بلا اختلاف بينهم. تقول : هذه المرأة قريبتي ، أي ذات قرابتي ؛ ذكره الجوهري. وذكره غيره عن الفراء : يقال في النسب قريبة فلان ، وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث ؛ يقال : دارك منا قريب ، وفلانة منا قريب : وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الأحزاب : 63]. وقال من احتج له : كذا كلام العرب
قال الفراء وأبو عبيدة: أن قريبا أو بعيدا إذا أطلق على قرابة النسب أو بعد النسب فهو مع المؤنث بتاء لا بد من ذلك، وإذا أطلق على قرب المسافة أو بعدها جاز فيه مطابقة موصوفة وجاز فيه التذكير على التأويل بالمكان، وهو الأكثر، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود: 83] وقال وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً[الأحزاب: 63]. ولما كان إطلاقه في هذه الآي على وجه الاستعارة من قرب المسافة جرى على الشائع في استعماله في المعنى الحقيقي، وهذا من لطيف الفروق العربية في استعمال المشترك إزالة للإلهام بقدر الإمكان.