اسم الله السِّتير
اسم الله " السِّتير "
يدورُ على ألْسِنة الناسِ كثيراً اسمُ ( الستَّار) واسمُ ( السَّاتر ) ..
فنراهم يقولون :
( يا ساتر ) ، ( الله هو السَّتار ) ، ( استر يا ستار ) ..
وهذان الاسمان لم يردْ لأي منهما ذِكْرٌ ، لا في الكتاب ولا في السُّنة ، أما
الذي ورد اسمه فهو ( السِّتير ) ، ولم يرد هذا الاسمُ في القرآن الكريم، لكنَّه ورد في السنة المطهرة .
فقد وردَ في الحديث
روى الإمامُ أحمد وأبو داود والنسائي عن عَطاء عن يَعْلى بن أمية
أنَّ رسولَ الله رأى رجلاً يغتسل بالخلاء فصعدَ المنبر فحمدَ اللهَ وأثنى عليه ،
وقال :
"( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَسْتَتِرْ ) صحَّحه الألبانيّ .
و ( السِّتير ) في اللُّغة على وزن فعِيل ، وهو مِنْ صيغ المبالغة .
فعله : ( سترَ الشَّيء يَسْتُرُه سَترًا ) أي أَخفاه .
و ( السِّتير ) هو الذي مِنْ شأْنه حُبّ السَّتر والصَّوْن .
و ( السُّتْرةُ ) هي ما يُسْتَر به كائنًا ما كان، وكذا السِّتَارة والجمع السَّتَائِرُ،
وسَتَر الشيء غطاه .. وتَسَتَّر، أي: تغطَّى .
ورجلُ مستورٌ وسَتِيرٌ ، أي عَفيفٌ ، ومؤنثه : سَتِيرة ٌ.
يقولُ ابنُ الأثير :
" ( سِتِّيـر ) فعيل بمعنى فاعل ، أي: من شأنه وإرادته حبُّ السَّتر والصون "
ويقولُ البيهقيّ :
" ( سِتِّير ) يعني أنه ساتِرٌ يسْترُ على عباده كثيرًا ، ولا يفضحُهم "
كذلِك يُحبُّ مِن عِباده السَّتر َعلى أنفسِهم ، واجتنابَ ما يَشينُهم "
قالَ المناويّ :
" ( سِتِّير ) أي، تاركٌ لحُبِّ القبائح ِ، ساترٌ للعيوب والفضائح ِ"
قالَ ابنً القيِّم في قصيدته النونية :
وهو الحَيِيُّ فَلَيسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ عندَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بالعِصْيَانِ
لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيْهِ سِتْــرَهُ فَهْــوَ السَّتِيــــــرُ وصَاحِبُ الغُفْرَانِ
و ( السِّتير ) يأتي بمعنى آخرَ ، هو المنعُ والابتعادُ عَن ِالشَّيء، فقد وردَ
في الحديثِ الصَّحيح أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:
( جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ
فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ
لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ ) [ متفق عليه ]
ومِن أعظمِ نِعَم الله تعالى عليك أيُّها المُسلم: أنْ يشملَكَ بستره .
قال تعالى :
( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) سورة لقمان 20
وفي تفسير ذلك قال مُقاتل :
" الظاهرةُ الإسلامُ ، والباطِنةُ ما ستره الله ُمِن المعاصي"
تفسير الماوردي .
فاللهُ سُبحانه وتعالى سِتيرٌ يحبُّ السَّتر والصَّون، فيسْترُ على عبادِه الكثيرَ
مِن الذنوب ِوالعيوب ِ، ويكرهُ القبائحَ والفضائحَ والمُجاهرة بها.
يقولُ اللهُ جلَّ وعلا :
( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) سورة النور: 19
وقد أخبرَ الرسول بأنَّ المُجاهر بالمعاصي لا يُعافى منها .. فقال :
( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ
عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا،
وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) متفق عليه .
فلو سترَ نفسَه، لكان في محلِ سِتر الله ِتبارك وتعالى له . فليس عندنا
كرسي اعترافٍ ولا صناديق غفران، فمَنْ اقترفَ ذنبًا وهتك سترًا فليبادر بالتوبة
مِن قريبٍ .
والتائبُ مِن الذنبِ كمَن لا ذنبَ له، وتأخيرُ التوبةِ ذنبٌ يجبُ التوبةُ منه.
عَنْ مَيْمُوْنٍ قَالَ :
" مَنْ أَسَاءَ سِرّاً، فَلْيَتُبْ سِرّاً، وَمَنْ أَسَاءَ عَلاَنِيَةً، فَلْيَتُبْ عَلاَنِيَةً . فَإِنَّ النَّاسَ
يُعَيِّرُوْنَ وَلاَ يَغْفِرُوْنَ، وَالله يَغْفِرُ وَلاَ يُعَيِّرُ " سير أعلام النبلاء للذهبىّ .
وعَن العلاء بن بذر قالَ :
" لا يعذب الله قومًا يسترون الذنوبَ ".
وعَن عثمان بن أبي سَودة قالَ :
" لا ينبغي لأحدٍ أنْ يهتك َسِترَ الله .
قيل: وكيف يهتكُ سِترَ الله ؟
قال :
يعملُ الرجلُ الذنبَ ويسترُه اللهُ عليه ، فيذيعه هو في الناس " .
قالَ ابن بَطّال :
" فِي الجَهر بِالمَعصِيَةِ استِخفاف بِحَقِّ الله ورَسُوله وبِصالِحِي المُؤمِنِينَ ..
وفِيهِ ضَرب مِنَ العِناد لَهُم، وفِي السِّتر بِها السَّلامَة مِنَ الاستِخفاف، لأَنَّ
المَعاصِي تُذِلّ أَهلها، ومِن إِقامَة الحَدّ عَلَيهِ إِن كانَ فِيهِ حَدّ ومَن التَّعزِير إِن لَم
يُوجِب حَدًّا، وإِذا تَمَحَّضَ حَقّ الله فَهُو أَكرَم الأَكرَمِينَ ورَحمَته سَبَقَت غَضَبه،
فَلِذَلِكَ إِذا سَتَرَهُ فِي الدُّنيا لَم يَفضَحهُ فِي الآخِرَة ، والَّذِي يُجاهِر يَفُوتهُ جَمِيع
ذَلِكَ " فتح الباري .
فإذا وقع العبد في معصية ثمَّ تاب منها دونَ أن يجهَرَ بها، ستره اللهُ في الدنيا
والآخرة ..
عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ :
( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ:
أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟
فَيَقُولُ :
نَعَمْ، أَيْ رَبِّ ..
حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ :
سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ .. فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ..
وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ :
( هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) " متفق عليه .
أيُّها المسلمُ ..
ما أمركَ الله ُ أنْ تتوبَ إليه إلا ليتوبَ عليك ..
وما أمركَ أنْ تستغفِرَه إلا ليغفرَ لك ..
وما أمركَ أنْ تسأله إلا ليُعطيكَ ..
لكنَّ الإنسانَ غيرَ المؤمنِ شأنه عجيبٌ ..
فهو يُظهرُ القبيحَ ، ويسْترُ المليحَ .
و لذلك وردَ في الحديثِ الشَّريفِ :
( تعوَّذوا بالله مِن ثلاث فواقر:
تعوَّذوا بالله مِن مُجاورة جار السوء ِ..
إنْ رأى خيرًا كتمه وإنْ رأى شرًا أذاعَه .
وتعوَّذوا بالله مِن زوجة سوء ٍِ .
إنْ دخلتَ عليها لَسَنتكَ ، وإنْ غبتَ عنها خانتكَ
وتعوَّذوا بالله مِنْ إمام ِسوء ٍ .
إنْ أحْسنتَ لم يقبل، وإنْ أسأتَ لم يغفرْ ) رواه البيهقيّ عن أبي هُريرة .
تذكر دائما ..
" إن الله ستير يحب الستر "
عابَ رجلٌ رجلاً عندَ بعضِ الأشرافِ فقالَ له : قد استدللتُ على كثرةِ عيوبِكَ بما تكثرُ من عيوبِ النّاس ، لأنّ طالبَ العيوبِ إنّما يطلبُها بقدر ما فيه منها ، أما سمعتَ قول الشاعر :
لا تهتكنْ من مساوي الناس ما ستروا .. فيهتك اللهُ سترا من مساويكا
واذكـر محاســـن مـا فيهـم إذا ذُكـروا .. ولا تعـبْ أحـداً منهــم بمـا فيكا