فضاءات نزلة سرقنا

نزلة سرقنا

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
بدر الشريف
مسجــل منــــذ: 2011-05-05
مجموع النقط: 198.84
إعلانات


الانسان والعقل....................11

تتبدل قوى الجسم تبعا لقوى الطبيعة فتكسوه قوة بالنهار مخالفة للقوة التي تكســوه باللــيــل . فقوة الليل قابلة لترك الجسم أن يرتاح ويتمكن الإنسان من النوم . بينما قوة النهار غير قابـلــة للراحة ، وعملها حركة متواصلة ، ولذا ينهى عن النوم بالنهار مع وجــوب النــوم مــبــكــرا والاستيقاظ مبكرا . فالنوم الباكر كان مستحبا لوجود قوة الليل متوفرة ، وتبتعد شيئا فــشــيــئا مادام الإنسان يرغمها على الحركة . والنوم بالنهار يبعد قوة الحركة لوجود الجسم فـي حالــة نوم . وهذا سبب من أسباب سوء التوازن الفكري لدى الإنسان ، وإن كان عدم التــوازن هــذا فإن فكر الإنسان يبقى مستمرا ولا يمكن التحكم فيه ، فلا يكون في النوم راحة ، وفي اليقــظة بشعر الإنسان بألم داخلي فيه لا يرجع أساسه إلى ألم في الجسم ، فتلك فعالية قـوى الــجــســم لتضاربها بينها ، وصراع قوى الجسم تشكل خطرا على الإنسان إذ يكثر قلقه وحزنه ويأسه ، وعند سوء التوازن هذا نصح الإنسان بالنوم على ظهره لمدة معينة ، ولكن تحت مراقــبة من كان له علم بسر حركات الإنسان ، ثم ينصحه العارف بالنوم في أوقات معينة أو يـنــصــحــه بالسهر حتى يتم التوازن . وهذا المشكل هو أكثر المشاكل التي نجدها عند الإنسان الحـديـث ، لكثرة أشغاله وسهره ليلا مع أشياء كثيرة / جعلت دون سابق معرفة لآثارها وفعاليــتها تــجاه الإنسان . فالإنسان اكتشف آلات تسببت في عذابه وآلامه ، وكان سعيه لاكتشافها سعــيا وراء الراحة والمتعة . ورغم وجود المصلحة في ما اكتشف من وسائل للترفيه أو إعانــة لأعـــمال الإنسان ، فلا يخلو ذلك من أضرار جسيمة كتلوث الجو وما في الطبيعة . والإنسان يستــورد قواه من قوى الطبيعة . وهذا له أثره الفعال كذلك بالنسبة للباحث في القوى العقلية ، إذ تنقصه قوة الهواء مثلا لتركيز توازن التنفس الذي هو أهم شيء للصعود الفكري ، كــما تــنــقــصــه الراحة في نومه لوجود حركة كثيرة ، ولو لم تكن قريبة ، فإنه يشعر بها لأنها تـحــرك قــوى الطبيعة ، كما أن الأكل ضعيف في قواه ولا يكفي لتغذية جسم يتطلب طاقة طبيعية كــبيــرة ، ووجود الكهرباء يجعل قوتها تبعد كثيرا من القوى الطبيعية لمضادتها لها ، وحــتى لــو كــان الإنسان في مكان خال من الناس ، فإن الطبيعة لم تخل منها حركتها ، فأصبح الــباحــث فــي مشكل لا يمكنه الخروج منه بسهولة ، ويزداد صعوبة متى ازدادت الاكتشافات ومـتى كــثــر عدد البشر. ولذا فإن الإنسان الحديث لا يمكنه أبدا أن يمتاز بما امتاز به الإنــســان الــقــديــم للمعرفة ، ولاسيما أن العصر الحديث عرف بالعصر الأخير أو عـصر الــيأس ، وكــل أمــة فكرت :أن يوما ما سيجد الإنسان نفسه محاطا بسوء توازن في قوى الطبيعة لا يمكنه تحمله . وعرفت القوة الطبيعية الحالية بالقوة الدخانية .

إن الطبيعة مركبة من قوى كثيرة قد يعجز الإنسان عن إدراكهـا كلــها أو إثــبات وصــفــها وفعاليتها ، وفكر الإنسان القديم أن القوة الدخانية هي أعظم قوة يمكن للإنسان الـخــروج بــها من العالم الطبيعي إلى عالم هو في ما وراء الطبيعة . واعتمدوا على المحروقات واستعـمالها في البحث عن القوى الطبيعية ، وكان التدخين في القديم له طرق خاصة ، يستعمل كــمــخدر للاتصال بالقوى الدخانية . والتمكن من الرؤيا الباطنية ، إلا أن التدخين فقد صبغته كطريقة ، وأصبح مجردا من القوى ، وأصبحت فعالته كحاجة تحتاجها الحواس وينــعش الــدماغ ، لأن

الدخان يسبب النسيان ، والنسيان يجعل تخفيفا من ضغط الأفكار، ويشعر الإنــسان بالحاجــة إليه . أم القوة الدخانية فشيء آخر، وباستطاعة الإنسان أن يركز قواه العقلية ، ويجعل لنفــسه جسما ثانيا للجسم ويكون أساسه دخان . فيرى في أماكن كثيرة دخاناً يأخـذ شــكــل إنــسان أو حيوان . وهذا عرف عند الشعوب القديمة الذين بإمكانهم استعمال هذه القوة ، وهي حــقـيقــية لكونها قوة سميت دخانية ، ولم تكن صفتها كالدخان الظاهري الذي أساسه نار وهذه يستعملها الإنسان عند التمكن من إدراكها وإدراك سر حركتها وسيرتها . والأشكال التي أسـســها قــوة دخانية لا تكون مجسمة ، بل مجرد صورة ترحل من جسم شخــص مــوجــود والــتــشــكــل بواسطتها في صفة حيوان هي سهلة من تشكل جسم الإنسان نفسه في تلك الــصفة .

ولم تكن مرتبة القوة الدخانية مرتفعة جدا في درجتها ويسهل اضمحلالها . واعتمد عــلــيـها الكثير لسهولتها وسهولة اكتسابها بالنسبة للقوى الطبيعية الأخرى ، وتمكنوا بها مــن إرجــاع قواهم العقلية بمثابة عمالقة ، إلا أن هذه العمالقة لم تكن لها أصل كجسم عند استــعــمال هــذه القوة الدخانية . وهذه الأجسام المشكلة يمكن خرقها ، إذ هي كما يختـرق الــدخان . وتــبــيــن للإنسان نقصان تلك القوة وانصرف عنها ، إلا أن هناك من يزال يستعمل المحروقات كجلـب لتلك القوة ، إلا أنها فقدت مراتبها . ومن القوى الطبيعية ما يضمحل فلا يبقى له أثر ولا يمكن استرجاعها . أو قد تمكن الإنسان من التغلب عليها نسبيا وسجنها في أماكن معينة في الأرض . ومثال ذلك وجود الأهرام ، التي سجنت فيها القوة الإشعاعية الخضراء . وذلك للحفاظ على أجسامهم الموضوعة هناك بأمل أن تحيى مرة أخرى ، ولو فكـت أحــجار الأهــرام ، كــلــها لتمكن الإنسان من اكتشاف قوانين أخرى وآلات أخرى تسكنها القوة الكامنــة فــي الأهــرام . وعلى الإنسان الحديث أن يحطم كل آثار للإنسان القديم ، لوجود قوى طبيعية كبيرة مختلــفـة غير مستعملة في هذا العصر، كما وجب تحطيم كل الأصنام واستخراج الأجساد الباقية علـى هيأتها لوجود قوة فيها . وهذا لا يمكن لاعتقاد الإنسان أن تلك الآثار تفيده فـي أشياء كثيــرة ، لوجود مبان بنيت على غير أسس علمية جالبة للقوى الطبيعية . وفي الدين نجد التــنــبيه ، إذ كان يفرض على الإنسان أن يجعل أبواب البيوت قبلة . ولا ينتبه الإنسان لهذا لاســتــصغـاره للأشياء ، وجهل فعالية كل ما هو في الطبيعة . واليوم الغرض من البنيان هو السكنى . بيــنما نجد أن الرومان كانوا يستوطنون أماكن في الأرض معينة بعد فحص قواها . وكان البناء فـي الهند كله يحمل رمزا لقوى طبيعية اكتشفت أسرارها . فمثلا نجد كثيرا من المعابد لها ســبــع طبقات رمزا لسلع سماوات . وللزلازل أسباب غير الأسباب الظاهرية في حـركــة الأرض ، فقد تكون طبيعية جعلت ضغطا في مكان معين ، فيقع زلزال أو قد تنفك مــن مــكان الــقــوى الشبه مغناطيسية المتحدث عنها ، فلا نجد الأرض قوة لاستمساكها ، فيحدث زلــزال . إلا أن هناك عظيمة قد تحدث وأصلها ليس مما ذكر، بل من قوة خارجة عن قوى الطبيعة ، فتكون قوى نور، ويعتبر هذا عقابا للإنسان إذا كان يجلب قوى خبيثة . وعرفت القوة الخبيثة بالــقوة الدخانية الخضراء والمؤذية للإنسان ، ولها طرق خاصة لجلبها ، واستعملها الإغريق خاصة عند ذبح الإنسان كقربان لآلهتهم ، ولهم طرق أخرى استعملت بواسطة النساء ، وقد ذكــر أن

المرأة لها دورها بالنسبة للقوى السلبية . أما اليوم فالطرق المستعملة بواسطة المرأة بــقــيت مجرد بحث عن اللذة ، إذ لا توجد قوىً أخرى تكميلية لها ليجد لها الإنسان فعالية .

أصبح الإنسان اليوم مجرد مخلوق يعيش لا أساس لقواه ، وكثر فــشــل الجــسـم والحــواس للإدراك ، إلا أن العقل بقي في مرتبته ، إذ كل انقلاب عند الإنسان أو في الطبيـعة لا يــؤثــر عليه . ولكن لا يمكن استخدامه ، لأن قوى الطبيعة أصيبت بنقصان في درجتها أو نجدها قــد سجنت أو اضمحلت وبقي الإنسان على ما هو عليه ، ويبقى كذلك ، وكثرت علــيه الأفــكار، ويتعلم ما قاله الآخرون ، ولا نجد له قولا له أثر أو معرفة فعالة ، تخدمه الآلات فتنزع قــواه وتسيطر على طبيعته ، والطبيعة التي يعيش فيها ، ويتمنى الإنسان الموت ، لأنه يــشعــر أن ليس له دور ويجعل أساس حياته أو يعرف الغرض منها . وكثرت الحيل والسيطرة الـمادية ، فأصبح الناس يعيشون عهد الشيطان وعصر الحديد ، كما يعرف هذا عند الهنود . أما السـبيل فربما قد لزم للإنسان أن يقف فترة فيفكر ويعطي خلاصة ما وصل إليه ويسأل هل وصل إلى شيء فعال ، أم إنما هذه الحياة الدنيا يعيشها ويفنى ، وما جاء من أحد آخر بكتـب ســمــاويــة أخرى ليبين لهم ما هم فيه ويعطيهم حلولا لمشاكلهم الكبرى ، وكم من قائل قال لو جاء نــبـي في عصرنا لجادلناه فيما يقوله ولأوقفناه بعلومنا . وما تلك إلا فكرة تظهر جـهــل الإنــسان إذ يجهل حتى مدى القوة التي يستعملها وموردها الأصلية وأصول استمدادها ، إذ أن بالإمــكـان إيقاف كل آلة متحركة ، هذه الآلة التي جعلت للإنسان الحديث دليل معرفة وثباتها على أنه قد بلغ بها ما لم يبلغ إليه الإنسان القديم ، وبإمكان المكتسبين للقوى الطبيعية بواسطة العـقل ، أن يوقفوا آلة بسهولة ، إن العلم الحديث جعل للإنسان غرورا فتخلى عن قواه الأصلــيــة . ومــا سميت الحضارة إلا لحضور الوسائل المادية ، وفهم الهندسة المعماريـة ، وطــرق مــعــبــدة طويلة وعريضة ، وليت طرق التفكير كانت مثلها ، والإنسان لا يعطي اسم الحضارة للـفــكر بل حضارة الفكر هي المعرفة ، وما أبعد الإنسان عن الصواب ، ويمـيز الإنــسان الحــديــث الإنسان القديم عندما يرسمه لوضح جهله له فوق كتفه عصى كبيرة ، ولو كان الإنسان القديم حيا لرسم هو كذلك الإنسان الحديث ، ليظهر جهله فيجعل فوق كتفه سلاحا حديثا ، تــغيــرت صفة الأشياء ولم يتغير الإنسان إذ لم يبلغ إلى الحقيقة . ولو حثنا في حقيقة الإنـسان الــحالــي وتصرفه لوجدناه شيئا ليس له حكمة . والهدف من القول كله هو أن يرجع الإنسان إلى أصـل ثابت للبلوغ على العلم . فإن الآلة لا وتوحي شيئا إلى الإنسان . والعقل ليس آلة ليتحكم فـيــها الإنسان ، ويصلح عقله عند فساد أفكاره بخيوط نحاسية تنقل قوة الكهرباء أو يبدله بعقل آخـر صالح لاستعمال جديد . فمثالية التفكير عند الإنسان هو أن يقبل تجديد أفـكاره مــتى دخــلــت أفكار أخرى تجعل فيه شعورا بالخطأ .

ما أصعب الإنسان أن يجتاز عقدة في نفسه حين يؤنب نفسه بعقله أنه مجــرم أو مــخــطىء تجاه الناس ، أو حين لا تعجبه تصرفاته ، ما أثقل هذا وما أعظمه في الــنــفــس ، إن الــنــدم استعمل كطريقة لتهذيب النفس وتربيتها ، واستعمل خاصة في الدين من أجل التوبة ، فبالنـدم

يكون العقل في حركة ورائية لقواه ، فتهرب كل قوة اكتسبها الإنسان بوسائـل شــر ويــفــرغ الجسم تاركا المكان لقوى أخرى تدخله ويفرغ الدماغ أيضا مما سجل فيه لاسيــما إذا وصــل الإنسان بقوة الندم إلى درجة البكاء أو أصيب بالحمى ، وهذا يكون ذا منفعة مادام لـم يــفــقــد الصواب ، أما إذا فقد صوابه ، فذلك شأن آخر يلزمه العلاج . ما كان الدين إلا وسيلة لإرشاد الإنسان إلى الصواب مع إثبات القول أن الخالق في غنىً عن العالمين وأن العبادة لا تزيد فيه شيئا أو تنقص منه شيئا ، فكان المشكل الحقيقي يهم الإنسان نفسه ، وخروجه مما يتخبط فـيه، وقد ذكرنا هنا أن الندم كان يستعمل خاصة للتوبة ، فنجد أن الدين طريقته لها معـنى فــوق ما يعتقده الإنسان . وأن طرق التعليم فيه سالمة . وكل باحث مهما كانت أسليب بحثه ومــرتــبــة إدراكه وفهمه ، يجد الندم يسير حركة العقل بصفة ورائية لقواه ، إلا أن الدين لا يبـيــن ذلــك لأنه قد يلزم كتابة كتب كثيرة بدلا من كتاب واحد منزل فيه كل مشاكل الإنسان وحـلــولــها . وعلى الإنسان بسط التفكير في ما أعطي من علم حتى يتمكن من إدراك ما يراد به القـول في الكتاب المنزل ، إن الحركة الورائية لقوى العقل اعتمد عليها كثيرا كوسيــلة إفــراغ لــعــقــل الإنسان ، وأساسها الندم ، وبإمكان الجسم وقوى العقل أن تكتسب صبغة أخرى يتمــكـن بــها الإنسان من تركيزه وجعله في مرتبة مخالفة لما كان عليه ، كما تعطي هذه انطلاقا للـتصاعـد الفكري ، وكأن الإنسان ولد من جديد يبدل إدراكه ومعالم حواسه ، ويبني بعقله بــنــيانا آخــر متينا لا خيال فيه ، كما يكتسب التحمل على صعاب الطريق نحو العلم واكتساب المـعــرفــة . والإنسان اليوم منشغل في مهام أخرى لا تهم ، فنرى التسابق نحو المادة ، وما أعظـم خــوف الإنسان أن يفوته شيء ولا يناله ، ثم ما أعظم ندمه على أشياء أتاحت له الفرصـة أن يــنالــها ولم ينلها ، وانقلب التفكير وانقلبت مراتبه وقواه ، فأصبحت حركة قوى العقل أمامية ، فــيــها مأساة الإنسان ولا نفع فيها ، كما هو الحال في القوة الورائية المذكورة . والحركة الأمامــيــة لقوى العقل عرفها القدماء فحذروا الإنسان الباحث أن يجري وراء المـتــعة والــمال ، فــكان تهذيب النفس أساسه واضحا ، والتغلب عليها سهلا ، فتدخل القوى الثابتة لقوى العقل . والقوة الثابتة أساسها قوة إيجابية سلبية . إذ عرف أنه لابد منها ، والعقل لا يمكــنـه الانــطــلاق فــي البحث عن الحقيقة مادامت كل الأسئلة ليس لها أجوبة . وكل سؤال أعطي له جواب مــقــنــع حقيقي إلا واكتسب الأفكار بالقوة الثابتة وتمكن العقل من السيطرة الأفقية . والسيرة الأفــقــية لقوى العقل هي التي تعتمد عليها في التصاعد الفكري ، وبعد اقتناع بالأجوبة على الأســئــلـة يتمكن الإنسان من تصحيحها بعلم . ولذا فرض في الدين الإيمان بالغيب أولا ثم يتم الصـواب في الاعتقاد بعد كسب العلم واجتياز المعرفة . وهذا أساس واضح إذ لا يـمــكــن للإنــسان أن يقول إنه متبلل بالماء مادام لم يدخل فيه . وأساس واضح إذ لا يمكن للإنـسان أن يــقــول إنــه متبلل بالماء مادام لم يدخل فيه . وأساس حكمة الحكماء هو إعطاء المثال لما يريد الإنسان أن يدركه بأشياء موجودة يفهمها ، وهذه المثل كلها كانت دفعا للحقيقة لا إظهارا لها . فالــحــقيقة كماء ، وكل حكيم يدفع الإنسان إليه ليغوص فيه فيعرفه ، ولا تعرف الحقيقة في حقيقــتــها إذ هي كالماء لا يدرك كنهه ، ولو أدرك الإنسان تركيب قواه فيعيش الإنسان الحقــيـقــة دون أن يدرك كنهها ، كما يعرف الإنسان خالقه دون إدراك تام له فيمسكه لأنــه فـوق الإدراك ودون

الأشياء ، وأعطي المثال على الحقيقة بالنار كذلك ، فالمعرفة إذا كالنار يــشــعــر الإنــســان بحرارتها ودفئها ، أما لمسها فمحرق . قد يعيش الإنسان حقيقة ما فيظل باحــثا عــنــها رغــم قربها له ، ذلك لأنه يريد أن يمسكها فلا يستطيع ، كالذي يسعى أن يمسك الهواء بيديه فينقلـب منه أو بالأحرى يريد أن يراها كما يرى التراب ، والتراب يصبح هباء فتبتعد الحقــيــقة عــن الإنسان ولا يدرك عنها شيئا .

هناك أشياء يصاب بها الإنسان بها الإنسان في حالات لا شعورية ، إما لوجود الحـواس في حالة ركود أو لوجود العقل في حالة تجوال أو لوجود الحواس في قوى العقل الراكدة . فأثـناء النوم قد يصاب الإنسان بالإغماء دون شعور منه أولا لوجوده تحت ضغــط الــنــوم ، وثانــيا لوجود حواسه في حالة ركود . وقد يصادف الإنسان قوى كثيرة تتصل به دون شـعور مــنــه فيجد في نفسه أشياء مختلفة ومتركزة ، وهذا يسمى بالموهبة . فالموهبة لا تولد مع الإنــسـان ولا فيه ، بل هي قوة قد يكتسبها الإنسان أو تتصل به ، وهذا النوع من القوى يسـمى بالــقــوة الفعالية ، والقوة الفعالية مختلفة في أنواعها منها ما يتيح للإنسان التفكير، ومنها قوة الــخــيال وغير ذلك من قوى الإنسان ، وكلها لها مورد تستمد منه ، وهي قوى تسكن الطبيعة ويــمـكن تغييرها وتحويل اتجاهها كما يمكن بها أن يملى على الإنسان شيء ، وهي كنقط كـهربائــيــة عندما تصل إلى العقل يميزها ويعطي معناها ، ومثالها نحدده في مثل المذياع يعطي ما يلـقى إليه من صوت فيفرزه فيصبح صوتا مسموعا مدركا في معناه . وهنا يكـمــن الــمــثــل عــن الشيطان إذ يملي على الإنسان ما يأمره به ، وهي قوة موجـودة ويــتــم بــها الاتــصال بــيــن شخصين على بعد كما ذكر مسبقا ، وهذا قد يكون كذلك في حالة النوم ، فيستيقظ الإنسان إمـا مذعورا أو سيء التصرف ، وفي الحقيقة أن هذه القوة اتصلت به من مورد ما وفهم مــنها ما يسوءه . والأحلام كذلك لها نفس الأسس ، إذ بإمكان هذه القوة الفعالة أن تحرك بــها الــصور المسجلة في الدماغ ، ويحلم الإنسان بواسطتها ، فنجد أن كثيرا قد يتنبأ بحادثة وقعت فــيــجـد ذلك صحيحا ، فالقوة الفعالة هي التي بواسطتها تم الاتصال بالفكر أو بالــصور. فــبالــفــكــر أعطي مثال المذياع بالصور مثل التلفزة يعطي وضوح لأجل الفهم . وما اكـتشــفــه الإنــسان يعطي أمثلة واضحة لكي يفهم حــقــيـقـتـه والإنــسان القــديــم تمــكن من معرفة القوة الفـعالة واستعملها ، وكانت وسيلتها عبارة عن كرة زجاجية يمكن بواسطتها رؤيا أشياء كثيرة بــعيدة أو قريبة . واليوم قل استعمالها لضعف قواها الجالبة للقوة الفعالة . واستعـمل نوع من الهاتف يكــون الإنسان فـي مــكان بعيد فيسمع صوتا مناديا له ، فتلك كانت معرفة عن نفس الـقــوة ، ويــمـكن بها الاتصال بــقــوى عقل المنادى عليه ، ولا أحد آخر يسمع صوت المنادي غيره. ويقول حينئذ إن سمعه قد خانه ، وفي الحقيقة هذا غير صحيح ، لأنه يوجد أحد آخر قد اتصل به ، وهذه القوة موجودة ، إلا أن الإنسان الحالي لا يمــكــنــه إدراك أساليبــها ومــعــرفــتــها لاستعمالها . وكل شيء ولو كان مدفونا تبقى له قوته ، وقد يعرف مكانه بواسطة قوى العقل، ويحدد مكانه بالضبط ، واستعملت هذه الطريقة لاستخراج الكنوز المدفونة . ومثال ذلك سهل إذ بإمكان الإنسان اليوم أن يعرف بالآلة مكان شيء مدفون كالقنابل أو غير ذلك مما يــمــكـن

للجهاز المستعمل أن يبينه ، إنما في القديم استعملت قوى العقل بـدلا مــن قــوة الآلــة . وفــي الحقيقة معرفة اليوم تطوير لمعرفة القدماء ، إلا أن ذلك لم يكن بنفس الأساليب . أما البــحــث فبقي هدفه واحدا واستعماله لنفس الغرض . ولابد من الإشارة إلى أسباب ضــعــف الإنــسان الحديث . فقد كان في القديم يركب الإنسان الحصان فيستمد منه قوة كبيرة ، لأنه مكسو بقـوى يجلبها الحيوان من الطبيعة كالإنسان . أما اليوم ، فنجد الدراجة النارية مثلا يركبـها الإنــسان كمثل حصان ، إلا أن هذه تأخذ منه القوة بدلا من أن تعطيه . وكـل آلــة مــع كــل الأجــهــزة الالكترونية تأخذ من الإنسان قوة وتفرغه من قواه فيشعر بالضعف الذي لا يعرف مصـدره ، ولا دواء لآلمه إلا توقيف ما ضر به . والإنسان لا يمكنه أن يرجع إلى الوراء ، فقــد ســجــن نفسه بما اكتشفه وأضر بنفسه بمعرفته ، وكل آلة تفرز قوة اعتبرت في الـقــديم قــوة ضارة ، ولذا كان ينهى عن الاكتشافات الآلية بعد أن عرف في القديم أن الإنسان بإمكانه قلـب الــقــوة الطبيعية واستعمال حركتها في أشياء حديدية مع صنع الإنسان على حسب حاجاته . ولم يكـن الإنسان قديما يفكر في أن يحيط حوله أسسا تجلب عليه أخطارا كبيرة . وقد عرف ما يـسـمى بالفيزياء والكيمياء منذ العصور الأولى ، وخلطت معادن كــثيـرة لأغــراض مــخــتــلــفــة ، واستخرج الذهب المصنع بدلا من البحث عن الذهب الخالص لأهميته .

عرفت الذرة في القديم بالقوة الترابية وفرقت في مراتب قواها ، بقوة رطبة وأخرى يابــسة ثم رطبة يابسة ويابسة رطبة . وذلك تبيينا لاختلاف قوى الذرة مع إيضاح إمكانية صــراعـها مع بعضها البعض . وأوضح البالغون إلى القوة الترابية ، أ، كل نقطة ذرية تكمن فيها قوة لها حركة وحياة ، وبإمكان هذه النقط الذرية التي تدور حول بعضها أن تسجـل فــيــهـا الأفــكـار والصور، واعتبر على هذا الأساس أن الدماغ مركب من نقط ذرية باطنية ، فهــي إذا شــبــه الذرة ويمكنها التسجيل الكلي في خلايا الدماغ ، وتيقنوا من ذلك عندما تمــكــنوا مــن إفــراغ وظائف الدماغ مما سجل فيها من أفكار وصور، ومهما أنها قوة ترابية اعتبر أن الإنسان كـله خلق من تراب ، وتركيب جسمه أساسه من كل ما في الطبيعة ،ولذا بإمكان الجسم أن يســتمد من قوى الطبيعة لوجود نفس القوى في الجسم قابلة لها إلا أن لها الحياة . والحياة هي أســاس حركتها واتصالها . ولولاها لما تمكن للجسم الاستمداد . وعند خروج الحياة من جسم الإنسان ، يبطل استمداد للقوى الطبيعية ثم يرجع الجسم إلى قوة هبائية فوق القوة الذرية . ولا يمـكــن إرجاعه إلا بقوة نورانية هي ما فوق الطبيعة . والمكتسبون لهذه القوة ومعالم عوالمها صدقوا بما جاء به الأنبياء لعلهم عن معالم إدراك القوى الطبيعية . وهذا جعل قبولهــم للــعلــم الــذي أعطي عن الإنسان والعقل بواسطة الكتب المنزلة ، واتخذوا الكتب المنزلة أساسا لمعرفــتهـم وتكميلا لما عرفوا .


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة