لو قيل للإنسان القديم إنه سيأتي من بعده بشر يجعلون لشيء من حديد أجنحة يطيرون بـها ، لقال هذا لا يمكن ، لأنه إنما يفكر بما بين يديه من وسائل اتضحت له قوانينها وقوتها .
ولو قيل للإنسان الحديث إنه قبله كان من البشر من يطير دون أجنحة لقال هذا لا يمــكــن ، إنما هو كذلك يفكر ويجيب على حسب ما أدركه من معرفة بما لديه من وسائــل اتــضــحــت نتائجها وإمكانياتها . والمراد من القول هو أن الحياة الدنيا منذ وجود الإنسان قــســمــت إلــى عصرين ، عصر آلي وعصر فعالي . فالعصر الآلي أساسه أن القوى الطبيعية سكنـت الآلــة .أما في العصر الفعالي ، فالقوى الطبيعية كانت تسكن جسم الإنسان . والعصر الآلي إنما هـو صورة معكوسة للعصر الفعالي كأن الإنسان يعيد معرفة ما عرف باستعمال وسائــل أخــرى للوصول إلى الحقيقة التي عجز عنها الإنسان في القديم ، والذي توقف لا يدرك شيئا أمـام مـا لا يستطيع إدراكه . والإنسان الحديث مهما تطورت علومه سيقف هو كذلـك لأن الــوســائــل الآلية جعلها صورته أو صورة لما في الكون ولن تعطيه معرفة ما وراء الكون أو سره كله . وهنا يبقى اعتقاد العارف ثابتا في الإيمان بالغيب ولإثبات معرفته في وجود الخالق ، والبالـغ إلى هذه المرتبة ، قد يفوز بإدراك معالم العقل وعوالمه ولا يقع في مشكل التشخيص الإلهي . وهناك قوة تشكل التشخيص للأشياء بقواها أو تشكل التشخيص للأشــياء كأشــياء أو لأشــياء كقوة . فالتشخيص للأشياء بقواها مثالها ظاهر في بعض حالات النوم يشـعر فــيــها الإنــسان وكأن أحدا جالس عليه ويخنقه أو غير ذلك ، فتلك قوى مشخصة في شيء هو فــي شــخــص إنسان . والتشخيص لأشياء كأشياء أمامه كأنه هو بينما لا يكون له وجود . أما التشــخــيــص للأشياء كقوة ، فهم ذلك ظاهر في كل ما يعطيه الإنسان مثالا عاليا غيــر مــا هــو عــلــيــه ، كالاعتقاد أن للأصنام قوة خارقة مسيطرة على قوى الإنسان ، أو الاعتقاد في شخــص ما أن له قوة خارقة ، فيظهر ذلك الشخص لعين الإنسان . أما رحيل أشياء من مكان لآخـر بــعــلــم فميدانه ميدان آخر ، أساسه معرفة قوى النور وقوى الظلمات ، وعلمها علم ديني مــحــض . والكلام هنا محصور في المعرفة التي يخوض فيها الإنسان باحثا عن نفسه ، وقوى عقــلــه ، كما تدفعه هذه المعرفة إلى البحث واستخراج دليل لمعرفة الحقيقة .
انقسمت قوى الطبيعة إلى قسمين ، قوى النور ، وقـوى الــظــلــمات ، وكلاهــما أســاســها وصبغتها وتمييزها بوسيلة علم ، وبلفظ آخر هي قوى الخير وقوى الشر ، والجسم المستــمـد من قوى النور مخالف للجسم المستمد لقوى الظلمات . كما أن العقل الجاذب لقوى نــور هــي نورانية ، فإدراكه وعوالمه ومعالمه مختلفة للعقل الجاذب لقوى النور الظلمانية . فالظـلــمات فيها نور ، أما النور فنور محض . وقد نجد باحثا بوسيلة قوى النور النوراني يستنتج خــلاف ما استنتجه الباحث بقوى نور الظلمات . وهذا يجعل الصراع الديني والتمييز بين مسلم مؤمن وبين كافر جاحد . ثم قد نجد عند الكثير وسائل بحث وإدراك هي من معالم أسس الظلــمات ، ولكن مورد استمداد العقل لقواه عندهم أصلها من نور، فينقلبون من بعـــد إلــى أصــل ثابــت باحثين عن أسس الدين . والنور والظلمات صراعهما باق ما بقيت الأرض . وقــد لا يــمكــن
التفريق بينهما بسهولة ، فبإمكان الباحث بالظلمات أن تكون له ميــزات كــثــيــرة كــالــرؤيا الباطنية ، كما نجدها كذلك عند الباحث بوسائل النور. ولا يفرق بينهما إلا عالم لــدلــيــل تلك القوى ، وأساس الفرق في المعرفة والعلم هو وجود القوتين ، فإذا تحدث المكتــســب لــقــوى الظلمات عن العقل قد يقول ما لا يعقل عند مكتسب لقوى النور، ونفس الشيء بالنسبة للآخر. ومورد العلم والمعرفة عن أسس قوى أصلها يعرف بواسطة الأنــبــيـاء والــمــرســــلــيــن ، والمعجزات هي السبيل الظاهري بين القوتين ، ولم تكن المعجزات سببا لإظهار الــخــالــق . وكان الناس في القديم - من كان منهم يعرف أصول المعرفة- يسألون الأنبـياء أن يــظــهـروا الآيات حتى يؤمنوا ويتبين لهم الفرق ، وعلى أن ما جاءوا به هو نور وليس بظلمات ، وهــذا إذا لم يكن سؤالهم مجرد استهزاء أو إجحاد .
أما الجاهل فلا يمكنه التمييز، وقد يحسب نفسه على صواب وهو مستمـسـك بمبادىء قــوى الظلمات ، وعامل بأسس قوانينها . فالنور له قوانين يعرف عليها الأنبياء ، ومعرفــتــها هــي معرفة الدين ، كما أن للظلمات قوانين أخرى معاكسة للنور، ويعرف عنها كل باحــث فــيــها على قدر ما استطاع بلوغه من علم . ثم إن الظلمات فيها قوى أخرى متضاربة في ما بيــنــها وتشكل صراعها ، لأنها تنقسم إلى قسمين نور ظلماني وظلمات ظلمانية ، وكل متكـلــم عــن علم فكلامه أساس دليله عن صبغة القوى التي يكتسبها ، ولابد من ذكر التشابه أن بالـنور قــد تصبح العصا أفعى ، كما أن بالظلمات قد تصبح الحبال أفاعي ، ومعرفة الفــرق يــمــتاز بها العارف في قوى الظلمات إذ يعرف مستوى وصبغة ما يراه ، كما أن العالـم لــقــوى الــنــور يعرف دليل القوة الظلمانية . والبحث عن مبادىء وقوانين وشروط قوى النور ثم معرفة قوى الظلمات هي أساس المبدأ العلمي الذي يجب أن يمتاز به كل باحث عن المعرفة حتى لا يخلط بين العلوم ومصدرها ، وعلم الجهل هو المعرفة عن الظلمات ، أما علم العلم فمعرفة بـعــلــم عن النور .
كان اعتقاد القدماء مرتكزا في البحث عن أسس قوى النور، إما سعيا لتحطيمها إن توفــرت على ضد للظلمات أو لاتباع أصولها ، ولكن بحث الكثير كان مرتكزا حــول معــرفــة قــوى الظلمات من أجل القوة والسيطرة إذ لا تتطلب أصول العبادة ، وعبـدت الأوثــان وســخــرت القوة المسماة بالقوى الشريرة . والقوى الشريرة هذه لها مراتب كثيرة وقواها أنواع مختلـفة ، كما وصفت أسبابها من فعالية قوى الشياطين أو الجن والعفاريت والمـردة . وفــرق الإنــسان منذ القديم بين هذه القوى ، وإن طرح الموضوع من جهة المعرفة بأصول ديــنـيــة أســاســها معرفة قوى النور، نجد أن الشياطين هم جنود للشيطان والعفاريت والمردة هم مـن الــجــن ، والشيطان من الجن كذلك .
وهذا الموضوع مجاله واسع ورجوه أصوله إلى المعرفة عن الإنسان والشيطان ثم العلم عـن الإنس والجن ، ويكون الخلاف في الجواب بين المتدين وبين الباحث للمعرفة بمجرد المعرفة بالصدفة أو الاكتشاف . والإنسان في اختيار أصول معرفته حر. وما نسترعي إليـه الانــتــباه هو قوى العقل غذ الكلام كله يتعلق بالإنسان والعقل .
قد سبق الحديث عن القوة الإشعاعية ، والجانب الذي يذكر هنا منها هو أن الإنسان المكتسب للقوى الطبيعية يمكنه مثلا أن يكون جالسا في مكانه ، وعند قيامه يبقى صورة له فـي نــفــس المكان ، فتكون تلك قوة إشعاعية يدركها . وقد يجلس احد في نفس المكان فيتصل بعقلــه مــع الجسم المرسوم بقوى العقل المركبة من القوة الطبيعية الإشعاعية ، فيصبــح للــقــوة الأولــى إدراك بقوى عقل الشخص الثاني الذي يصاب وكأنه أصيب بجنون . وفي حالة كلامه بلــغــة أجنبية فتلك لغة الشخص الأول تعتبر قوى العقل المسجلة للكلام بمثابة شريط تسجيـل كــلــما وضع في آلة تسجيل يعطي إدراكا لما سجل فيه . وهذا النوع من القوى الــتــي يصــاب بــها الإنسان هي خارجة عن نطاق الجن . ويمكن لكل من يعرف مجال هذه القــوة أن يــخــلــص المصاب بها منها .
إن الباحث عن الجن ووجوده لابد أن يعرف أن للأرض حجبا وفيها أجواء لها قوة تحــجـب الإنسان ف الموجود في ظاهر الأرض أن يعرف ما يكمــن فــيــها ، وداخــل هــذه الأجــواء والحجب يمكن الحياة فيها بتمامها ، كما هي على سطح الأرض الــظاهــري ، والــباحــثــون استقروا في بحثهم حول أجواء الأرض وحجبها ، وبالقوة الباطنية تـرى كلها ، إلا أن كــل ما يوجد فيها مختلف في الوقت والزمن . وتوجد قوة يمكن أن تفسح بها تلك الحجــب ، وأســاس علمها نور ، والدين وحده في كل العصور هو الذي أظهر للناس العلم عن الجـن ، ويــبــقــى المتدين وحده هو الذي يؤمن بهذا ، ولا إجبار على من لم يكن متدينا أن يتبع أصـول الــدين ، لأنه تابع لكل معرفة يكون أصلها دليل مادي ، فلن يكون لديه تصـديــق حــتى يــرى الــجــن ويعرف عالمهم ، ومواضيع هذا الكتاب كلها لا يمكن أن تكون إلا وسيلة لـدفــع الــباحــث أن يبحث عن أصول وحقيقة ما ذكر، وعلى أن ينتبه إلى مختلف الأشياء ويفرق بين ما خلط فـي معرفة الإنسان من معرفة . والكتب التي يمكنها أن يُفرض فيها الإيمان مع بيان العــلــم هــي الكتب المنزلة . ومت دونها فإنها هو سبيل للبحث عن الحقيقة ، والمقتنع قد يرجع إلى أصول دينية ، ويجد تفاسير علمية بنور. أما الكتب الغير المنزلة فقد يكون كاتبها عـارفــا بــمــيــدان القوى الظلمانية ، كما قد يكون عالما بقوى النور. ولا يهم ما كتب في الكتب الغير المنزلة إلا بأهمية وسيلة طرح الأسئلة والمشاكل التي يغوص فيها الإنسان . أما إن كانت وسيلــة دعــوة إلى إيمان ما ، فلابد من الوقوف أمام كاتبها حتى ولو كان ما يدعو إليه دينا ، لأنه قد يتـكــلــم عن الدين على حسب ما اكتسبه من معرفة باطنية أو ظاهرية ، وتكسوها أخطاء إذ يــجــهــل المرتبة التي نزلت بها الكتب المنزلة . وهذه المرتبة عرفت بدرجة الوحي ولــيــس بــدرجــة الإدراك أو بمراتب قوى العقل والحواس .
اعتبر الهنود في تطبيقات طرقهم واعتقاداتهم أن الوحي إنما هو إدراك فوق إدراك العــقــل والحواس ، وأن بإمكان كل إنسان مكتسب للقوى الطبيعية بقوى العــقــل أن يــتــمــكــن مــن استخراج العلوم المبهمة وترجمتها بقوى الحواس ، فتدرك وتصبح علوما مصـدرهــا وحــي مما فوق القوة الاضمحلالية للأشياء ، واستخرجوا كتبا يذكر ما فيها باعتناء وقوة ، وأساليبها
مع كلامها لا يخضعان لقانون اللغة المتكلم بها عاديا ، كما امتاز الشعراء القدماء بهذه القوة، واستخرجت أبيات شعرية مازال كثير من المتصوفة يستعملونها مع جملــة الأذكــار وكانــت كلها منهيا عنها دينيا . وهذه القوة شبه الوحي إنما هي قوة إدراك العقل فوق إدراك الحواس ، ومصدرها من القوة الراكدة في الدماغ والمدركة بالعقل دون الـحــواس ، وهــي شــبــه قــوة الاضمحلال المتكلم عنها مسبقا ، وذكر أن فيها تضمحل الأفكار ، فيتم بالبــلــوغ إلــى هــذه المرتبة المسماة بشبه الوحي ، وقد غرت الكثير كما ادعى البعض النبوة أو حــكــم الإرشاد . ومعنى حكم الإرشاد هو تمييز لمعرفة البالغ إلى معرفة قوى النور والظلمات .
إن البالغ إلى مرتبة شبه الوحي بإمكانه بلوغ أشياء كثيرة ، منها التخلي عن جسمه والعـيش في عالم ثان باطني في حجب الأرض السابق عنها الكلام ، كما يمكنه أن يدخـل بقــواه قــوى جسم آخر بعيدا ، وهؤلاء عندما يشعر بهم الإنسان العادي أو يصاب بقواهم ، يعتـقـدها قــوى الجن ، كما أن بإمكانهم تحريك أشياء أو أثاث منزل أو غلق الباب وفتحه . وهذا كان يوصف عند القدماء بالقوى الشريرة بينما هي قوى عقل إنسان بالغ إلى المرتبة المذكــورة ، والــتــي تستمد قواها من قوى العقل الغير المدركة بالحواس ، والشبه الاضمحلالـية . ومــن الأشــيـاء التي يبلغها البالغ إلى مرتبة شبه الوحي ، أن بإمكانه حرق الأفكار أو الصور فــي الــدماغ أو محو موارد الحواس أو تبديلها ، ويتمكن من الرؤيا الثالثة غير رؤيا العين ، كما يتمكــن مــن السمع الثالث كذلك دون واسطة السمع بالأذن . وهؤلاء يسمون عند المتصوفة بالأبدال . أمــا القوة الشبه الوحي فتسمى بالقوة الثلاثية ، وامتاز بها الفراعنة أيضا في مــعرفــتــها ، وكــان رمزها ثعبان ، والأهرام هي الرمز الأساسي للقوة الثلاثية ، وتسكنها القوة الإشعاعية والشـبه مغناطيسية ، والشبه كهربائية ، وهذه القوة كلها كانت ضمن معرفة القدماء والذين ادعوا علم الغيب ، كما ادعى الكثير النبوة في هذه المرحلة من البلوغ في مراتـب الــعــقــل ودرجاتــه . وكيفية علم الغيب هذه المدعى بها أساسها هو أن البالغ للقوة الثلاثية يمكنه معــرفــة حــركــة الطبيعة ، وتقريبا منتهى مرحلتها ، كما أنه رؤيا باطنية قد يرى بها الــقــوى الإشــعاعــيــة ، ويمكنه التعرف عليها في حركتها ثم يخرج النتيجة التي تصل إليها . ومثال ذلك للفهم هو أننا عندما نرمي حجرا من فوق الجبل نقد مثلا أن تقلبه ينحط في توقفه عند سفح الجــبــل . وقــد تعطى في هذه المعرفة احتمالات ثم قد يصادف القائل حدوث قوله ، ولكنه ليس بـعــلــم عــن الغيب ، فالغيب هو كل ما غاب عن إدراك العقل وما ليس له دليل عليه بالحواس . وقد يعتقـد الإنسان أن شيئا هو غيب لجهله له ، وهذا ليس غيبا مهما احتمل أن أحدا آخر يـعرفــه ، إنـما هو غيب عن الذي يجهله ، ومهما يدرك الإنسان شيئا كيف ما كان ، فلا يـســمــى غــيــبا إلا الشيء الغيبي المدرك بالمعرفة فقط كوجود الخالق .
فالقوة الثلاثية هي أخطر مرحلة يبلغها الإنسان بقواه العقلية ، لأنها تمكنه أولا من السيطـرة على قواه كتوقيف حركة القلب ونبضه ، كما يغير بها الأشياء عن صفتها كتوقيف الحــبال أو إعطائها صورة الأفاعي ، وقد سبق الحديث في هذا المجال . وللبلوغ إلى هـذا هــناك طــرق
معينة أساسها اكتساب القوى الباطنية للطبيعة . فهناك من يكتسب بــقــوى الـعــقــل الــقــوى الظاهرية للطبيعة ، وهذه القوى أقل درجة من قوى الباطنية للطبيعة . فالقــوى الــظاهــريــة أسست معالمها وإدراكها بواسطة الأصنام ، إذ تركزت فيها قوى باطنية ، إنــمـا أصــبــحــت ظاهرية بإعطائها رمزا وتماثلا تسكنه تلك القوة ، أما القوة الباطنية للطـبــيــعــة فأســاســهــا الاتصال بأشخاص قد اكتسبوا القوة الثلاثية ، والاتصال بهم يتم باطنيا كما يــتــم ظــاهــريا ، والمثال في هذا عند المتصوفة كثير، وكذلك عند غيرهم إذ يتصلون بشيوخهم أمواتا كانـوا أو أحياء . والبالغ إلى مرتبة القوة الثلاثية بإمكانه أن يظهر للعيان شخصا غير مـوجــود ، إنــما تلك صورة شخص ، أما في مكان آخر أو ميت بقيت قواه متجولة ، كما قد يظهر فـاكــهــة أو صورا خيالية ، وهؤلاء يسمون عند المتصوفة بالأقطاب ، وذكر المتصوفـة هــنا أو أي أمــة كانت أو أي مثال إنما هو على سبيل المثال من أجل المعرفة . ونجد في الأرض نقطا حساسة تسكنها قوى مختلفة ، فالقوة الثلاثية نجدها في حركتها بصفة مثلث في المكان المسمى بمثلث البرمود ، أو مثلث الشيطان .
ما أكث الأقوال عن الشيطان ، واختلف الكلام حتى في الدين هل الشيطان ملك أم جان؟ وما أحد رآه بالعيان ، وكم من أناس تمنوا أن لا يكون له وجود حتى يكون لهم اطمئنان ، وقيل إن الإنسان هو نفسه شيطان . وقيل إن الشيطان يسكن الإنسان . وكم من باحث ينتمي إلى طـرق يتم بها استحضار الشيطان . فما يحضر، إنما هو قوة قد سميـت مــن قــبــل قــوة شــريــرة ، والشيطان لا يحضر إلا كقوة لها سيطرة معبرة عن الشيطان ، وأساسها قـوة من ظــلــمات لا نور فيها . وعرف منذ القديم بواسطة الكتب المنزلة أن الشيطان عدو للإنسان وهو يرانــا من حيث لا نراه ، وإنما استحضاره في شخصه هو فلا يـتــم أبــدا ، ومــثــال هــذا الــنــوع مــن الاستحضار بواسطة قوى العقل ، فيستعمل كذلك عند السـالــكــيــن فــي مــراتــب الــعــقــل فيستحضرون شيوخهم كما ذكر، وتلك قوة يتركها الإنسان حتى بعد الموت وتتركب من قوى الطبيعة التي استعملها الإنسان بواسطة قوى إدراك العقل . وقد اهتــم الكثــير باســتــحــضار الأرواح كما يقال ، للاستعانة بهم أو بمعرفتهم ، وتلك ليسـت بأرواح حقيقية بــل هــي قــوى بقيت في الأرض ، وطرق الاستحضار كثيرة عرفت عند الشعوب كلها . وديـنا هــو مــنــهي عنها ، لأن أساسها معرفة للظلمات ، والاستمداد منها ، بينما الدين أساسه نور ولا يعتمد على استعمال قوى الطبيعة لا الظاهرية ولا الباطنية ، ولا القوة الثلاثية .
قد يصاب الإنسان بإغماء ، وأسباب الإغماء كثيرة منها ما له أسباب مـرض ، ومــنــها مــا تميز أسبابه قوة دخلت على جسم الإنسان إما لوجوده في حالة فشل ، وإما لكونـه يــســعى أن يتغلب على قوة طبيعية ، كيف ما كان نوعها ، فإن كانت قوة فإن المغمى علــيه قــد يــتــصل بعالم القوة الثلاثية ، ويمكنه في ذلك الحال أن ينبىء من حوله عن أحــداث بــعــيــدة أو عــن أحداث وقعت أو قد تقع . فهذا الاتصال يكون لاشعوريا ، ويعطي قدرة للجسم على تــحــمــل الكثير من الأشياء كقوة يضرب بها من يقترب إليه أو يحرك أثاث المنزل ، أو يتـغــيــر فــي
وجهه أو حالاته ، كما يمكنه أن يشرب ماء ساخنا أو يلمس نارا ملتهبة ، فالعقــل فــي تـلــك الحال يدرك القوى التي ركبت منها النار فيبطل فعاليتها ، وعرف هذا عند الشعـوب كــلــها ، ومن جملة الوسائل التي عرفت لجلب هذه الغيبوبة بوعي ، الرقص المميز بطريقة تجلب قوة الإغماء ، أو إرغام الجسم على تحمل ما فوق طاقته ، وهذا سعي لإدراك القــوة الــثــلاثــيــة واستعمالها . فهذه الطرق في الدين تسمى ظلمانية ، وأساسها جلب قوى الظلمــات ، وحــالــة الإغماء المذكورة ليس أسبابها جن أو شياطين كم يعتقد الكثير، ولكن اتصال مع قوة طبيعـيـة فوق طاقة الإنسان ، والقوى الطبيعية ، منها ما هو نور ومنها مـا هــو ظــلــمات ، والــنــور النوراني هو ما فوق متركبات الطبيعة ، ونور الظلمات هو ما قــبــل قــوة الاضــمــحــلال ، والظلمات لا نجد لها قوىً في ما وراء الطبيعة ، وعلوم الظلمات لا تنطبق أبــدا مــع عــلــوم بقوى النور لوجود قوى الظلمات منحصرة في قواها . أما النور فيجتاز ما في الــطــبــيــعــة الظاهرة إلى ما وراء الظاهر، ثم تدرك به قوى الاضمحلال وقوى اللاشيء . وقد يعرف بــه الإنسان العالم المجهول أو مدارك العقل ، ولكن ومع كل هذا فإن الإنسان لا يمــكــنــه إدراك العقل نفسه بإدراك الحواس . والعقل لا يمكن أن نقول عنه أنه نور أو ظلمات ، بـل الــعــقــل كالماء لا شكل له مشكلا ولا لون ولا رائحة . هذا على سبيل الفهم فقط ، وأعطي في القديم أن حركته كالنار وقواه كالتراب وإدراكه كالهواء . فالعناصر الأربع استدل بها القدماء للفهم والتفريق بين قوى الطبيعة ، فمنها قوىً مائية وأخرى ترابية ثم هوائية ونارية . فالقوة المائية هي كل قوة موجودة في الطبيعة وتشكل عليه خطرا ، فالإغماء والخنق الذي له أسباب قــوى توصف بالقوة المائية . أما القوة الترابية فهي كل قوة في الفضاء تشبه غــبارا أو مـا يــســمى بالذرة ، والقوة الهوائية هي كل قوة يمكن بها تحريك الأشياء وتعرف اليوم بالذبذبة . أم القـوة النارية هي كل قوة محرقة في الطبيعة وتسمى اليوم كهرباء ، فنجد بهذا أن العلوم تبدلت فــي ألفاظها وفي التعرف عليها وتمييز قواها ، ولا يهم كيف سميت هذه القوى الطبيعة أو الــغـير الطبيعة بل يهم إدراكها بالفهم وبقوى الحواس .
إن الوحي قوة غير طبيعية كما هي المعجزة ، أما إن ظهرت قوة كمعجزة وتبــيــن أن قــوة استمدادها من الطبيعة المحيطة بالإنسان ، فأساسها ظلمات ، فهذا شبه الــمــعــجــزة وســمي بالكرامات ، والحكماء العارفون لقوى النور حذروا منها أو السعي إليها ، فالكــرامــات هــي كالقوة التي تمكن الإنسان من المشي على الماء أو شبه ذلك ، وهذه القوة ثلاثية لا يجب علـى الباحث أن يقف عندها ولو استطاع اكتسابها ، ولا يمكن ترك العقل في أي مستوى من العلــم ، والذي يستقر في مرتبة من مراتب العقل والمعرفة ، فإنه لم يبلغ المرتبة القصوى للعــلــم . والمرتبة القصوى للعلم عرفت في الدين بسدرة المنتهى إذ ينــتــهي فــيــها إدراك الإنــسان . وتنتهي فيها معالم العقل وعوالمه ، وقوى العقل كلها ولو تجمعت لا يمكــنــها اجــتــياز هــذه المرحلة ، فيبقى دور الوحي بارزا ، إذ الوحي قوة خارجية عن إدراك الإنسان ، وهـي الــتي تأتي إليه ولا يمكنه جلبها أو إبقاؤها كمكتسباته لقوى الطبيعة . وهنا نجد الفرق بـيــن الــذيــن يعرفون القوة الاضمحلالية للأشياء وإدراك العقل ، فتبقى علومهم متركزة إلا في الـوجــود ،
لعدم وجود الوحي عندهم ، وبهذا لا يجدون نسبة للخالق منفصلة عن المخلوق . أما بالوحـي فيدرك ما وراء قوة الاضمحلال أو سدرة المنتهى ، فيدرك الأنبياء وجود الخالق كــكــل فــي نسفه لا في الأشياء ، ويأتون بالعلوم مترجمة للعالم الظاهري ، ولا يمكــن لأحــد ما أدركــوا لانفرادهم بقوى الوحي والتي لم يكتسبوها بمجهود أو بمعرفة لأنها مصدر كل معرفة للحقيقة . وبالوحي تدرك عوالم العالم ومعالمه مع معرفة قواه الغير المتنــاهــيــة والإفــراز بــيــنــها وإعطائها دليلها . والبالغ للمعرفة بمجهود ، فلن يبلغ أبدا إلى درجة الوحي مهما كانت طـرقه . أما صلة الاتصال مع الخالق بانفصال أو الانفصال باتصال ، فلا أساس لها مــطــلــقا ، لأن الخالق لا يتجلى في الطبيعة أو في قواها . ولا يدرك بالعقل أو بقوى الطبيعة . ويبقى الإنسان بعقله سائلا من هو خالق العقل ، ولو تمكن الإنسان أن يعرف أصل خلقة جسمه فلن يــتــمكن من معرفة كنه عقله ، فأعطي المثال أن الخالق كالعقل . فالعقل لا يدرك بالحواس ، فكيف أن يكون إدراك الخالق بالعقل نفسه ، فتبقى معرفة الإنسان عن نفسه أنه مخلوق كما يرى نفــسه مخلوقا وأن عقله كما يفهم أنه عقل .
إن الفهم لا يعني الإدراك ، فالفهم يكون بمجرد الفكر، والإدراك يكون بالشعور فقد يــفــهــم الإنسان شيئا ولكن قد يكون غير مدرك له . كما هو الحال عند الذين يفهمون فـلــســفــة ما أو علما أو دينا ، فقد يفهمون أشياء كثيرة ولكن دون إدراك ، وقبل الإدراك نجد الوعي . فــقــوة الوعي هي السبيل بين الشعور والإدراك ، وقبل الوعي نجد الفهم ، وقبل الفهم نجد الأفــكـار. والأفكار. تشكل عالما فكريا صوريا أساسه في الدماغ . ولذا يمكن للإنسان أن يفرغ الــدمـاغ من ضغط الأفكار وقوتها . وقد سبق تفسير هذا ، إلا أن الرجوع إلى الموضوع موضع ثان ، أساسه أن العقل بإمكانه أن يجعل للجسم مكان تسجيل آخر في الجسم الثاني الباطني للإنسان، فيكون للإنسان إدراكان بعقل واحد . ومن البالغين من التمكن من جعل إدراك بالــعــقــل فــي ثمانية مراتب للإدراك . وهؤلاء بإمكانهم قراءة كتاب بأكمله دون فتحه ، أو قراءته في حــالة نوم . ولهذه المرتبة خاصية كبيرة إذ تعوض بها درجة الوحي التي لا يمكن أن تكـون للــناس كافة ، ولها ميزات الوحي في درجته الأولى ، ويمكن التمييز بها بيـن قــوى الــنــور وقــوى الظلمات ، كما يمكن بها التفكير في ثمانية أفكار وحل مشاكلها في آن واحد ، ويــمــكــن بــها قراءة تفكير الآخرين ، وهذه مرتبة قصوى للعارف بقوى النور. ولا يمكن لقوى الـظــلــمات السيطرة على شيء في هذه المرحلة . فيتم التحام بين معرفة القوة الثمانية ، ومـعــرفــة قــوة الوحي ، ويكون هؤلاء تابعين للأنبياء مع إدراك لما أدركوا من علوم غيبية أو ظاهريــة فــي قوى الطبيعة ، إلا أنها ليست كالوحي بكامله بالنسبة للعلم . ولابد أن يعرف الإنــسان أن كــل شيء له عكس في معالمه أو عوالمه ، كالجهل فإنه عكس للعلم كما أن كل شيء له فرق فــي المراتب والدراجات والعلم فوق الجهل . وعلى الباحث أن يبحث أولا عن نفــســه فــي عالــم الأفكار المحيطة به ، ثم يبحث عن الأفكار في عالمها الصوري ويبحث عن العالم الصــوري ثم الفهم والوعي والشعور والإدراك .
إن الحكمة الباقية إلى الأبد كحكمة مثالية للإنسان هي أن الإنسان لن يتحكم في نفسه كل تحكم . والعالم يدرك أن لا إرادة للإنسان ولا مشيئة ولن يغري الإنسان سيرة مصيره ، ولن يبــلــغ سمو العلو ليتحكم في الطبيعة ، أو يسيطر عليها فيصبح سيد الكون . فكم من غالب غــلــب ، وكم من عزيز ذل . ملئت الدنيا قبورا ولا أحد أعطى لنفسه الحياة بعد موتها . وليت الإنــسان يدرك أنه قد ينسى وهو لوجوب تآنسه . ما هو هدف الإنسان الحقيقي إذا رغب في الــعــيــش والحياة وخاف الموت؟ أبحثا عن المتعة القصوى؟ أم بحثا عن الخلود الذي لا يفنى؟ وهل نال الإنسان ما تمنى؟ أمن الناس من عرف أين كان قبل أن يولد؟ وهل الموت مصيبته الــكبرى؟ ثم هل بعد الموت يعيش الإنسان حياة أخرى فينعم ويتمتع ويرضى؟ أم هناك حساب عســيــر فيندم على فعل ولا تنفعه الشكوى؟
عرف الإنسان من الكتب المنزلة وبواسطة الأنبياء علوما كثيرة عــن الجـنـة والــنــار، وأن للإنسان اختيار، إما أن يكون من المؤمنين أو أن يكون من الكفار. ورغم ما قيل للإنسان عـن الخير الذي يجده في الجنة فإن الكثير اختار المتعة في الأرض هذه ، وفكر أن لا وجود لعــلم عن بعث لا يمكن إثباته بأي صفة كانت ، وجاء من الأنبياء من كانت له معجزة إحياء الموتى ليرى الناس أن أم من الممكن أن يكون الإنسان ميتا فيحيى وأن بإمـكانــه أن يكــون لا شــيء فيصبح شيئا حيا. ولكن وجود أناس باحثين في علم القوى أعطوا للناس فكرة تكذيــب ذلــك ، على أن تلك ما هي إلا قوة موجودة كما ذكر عن صورة الإنسان التي تبقى . وقيل للأنبياء أن يتركوا أولائك الذين أحيوا أحياء ، ويتركونهم خالدين في الأرض بدلا أن يرجــعــوهــم إلــى الموت حتى يصدقوا أن الخلود حق ، وقيل للأنبياء أن كل ما فعلوه سحر وما قالــوه شــعــر، لأنهم كانوا يعرفون القوة الثلاثية المتحدث عنها ودرجتها في استخراج شبه الآيات ، وفـتـنــة الإنسان هذه سببها وجود علم ثان سمي بعلم الظلمات ، والظلمات هي صورة معاكسة لقــوى النور. إلا أن النور يبطل فعاليتها تماما ويجعل لها اضمحلالا . وسميت القوة الاضمحلالــيــة في القوة الطبيعية لوجود نور يجعل الظلمات تضمحل . وهــذه القــوة الاضــمحلالــيــة وراء الطبيعة هي في حقيقتها نور ساطع لا وجود للكون فيها أو للأشياء،وهي فوق طاقة الإنـسان، واكتشفها القدماء وفكروا أنها هي النار، رغم أن من له قوى نــور فإنـه يدخلها بـنور ويــجــد أنها هي الجنة ، فكان علم الظلمات معاكسا تماما لعلم النور، ولا يدخل الإنسان قوة النور هذه دخولا تاما لوجودها فوق طاقته ، بل يدخل معالمها بالقوة الراكدة كما ذكر، فنجد أن الإنـسان له صورة من قانون الطبيعة ولذا قيل إن الإنسان طبيعة ومن الطبيعة ، ولا يمكن أن يبعــث ، وإن كان هناك من خلود فإنه لن يكون إلا فوق الأرض بعد أن تبدل يوما . وقصد القدماء فـي تبديلها أنها لن تبقى على الصفة التي هي عليها ، إذا ما تمكنوا من دخول حجبها بقوى العقل، وعلى أن هناك قوى طبيعية سوف تدخل إلى عالم الاضمحلال ، وعند دخولـها الاضــمحلال يضمحل العالم الظاهري ، فتبدل الشمس شمسا أخرى ، ويكون للإنسان وجود آخر يكون فيه خلود . وسمي هذا في الدين أن ذلك هو يوم القيامة والبعث ، فكانت قوى الطبـيــعـة أول مــن يجعل الإنسان على خطأ ؛ إذا ما تمكنت منه وتمكن منها ، لأنه يجد صورة معاكسة لما جــاء
به الأنبياء . فيجد الصواب في ما لديه ، والخطأ عند المرسلين ، والأنبياء يحذرون من ذلــك ، ثم إن الكتب السماوية هي أول وسيلة للعلم ومعرفة الإنسان ، والدين هو وحـده الــذي جــاء فيه أن ما يعمله أولئك إنما هو سحر. أما الساحر بل عالم لما فوق القوة الثلاثــية . ومــا فــوق القوة الثلاثية هي قوة أخرى يعرف بواسطتها شبه أسباب الخلق ومكانة كل شيء في الطبيعـة وحقيقتها . والبالغ لهذه المرتبة يجد أن كل ما في الطبيعة فيه قوة خالقها . وأن خلقتــها كانــت بنفسها ، وأن الإنسان خلق على صفة الخالق ، وأن المخلوق ما هو إلا جزء مــن الــخالــق ، والحيوان هو صورة للإنسان ، إذ يمكن للإنسان أن يتشكل في صورة حيوان كـما قــد ذكــر، فبقي المشكل مشكلا ، ويبقى كما هو ويتفرق الناس في اعتقادهم وإيمانهم ، فمنهم من يـتــبــع قوى النور، ومنهم من يتبع قوى الظلمات .
وطرح السؤال هل بإمكان الإنسان أن يجمع معرفة قوة الظلمات وقوى النــور، ثــم يــدرك الحقيقة بحقيقة ثالثة فسميت تلك قوة المثلث ، فهذه درجة هي حقا بإمكان الإنســان ، إلا أنــها تتطلب مجهودا كبيرا ، وتتطلب العلم كأساس لها . فمعرفتها متركزة على جمع قوى الــجـسم بالحواس ثم قوى الحواس بقوى العقل فسميت بالقوة الثلاثية . وقد امتاز بها الــقلــيــل ، وقــد جعلت لها طرقها ، إلا أن الكثير يفشل قبل الوصول إلى إدراك مراتبها ودرجاتها ومــعــرفـة عوالمها ومعالمها . والامتياز بها هو ما يمكن الامتياز به بالنسبة للمعرفة ، وتســمى كــذلــك بالمعرفة المقفلة إذ لا يعرف عن صاحبها شيء أهو مستعمل قوى النور أو لقوى الظلــمات . والذين بلغوا فيها إلى درجة الإدراك نجد عندهم صمتا مطــبقا خــوفــا أن يــجــعلــوا الــناس يخوضون فتنة أكبر من فتنتهم التي هم فيها . وعلى الباحث أن يبحث عن هؤلاء للامتياز بـما امتازوا به من معفرة عن الإنسان والعقل .
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.