فضاءات نزلة سرقنا

نزلة سرقنا

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
بدر الشريف
مسجــل منــــذ: 2011-05-05
مجموع النقط: 198.84
إعلانات


الانسان والعقل............6

العقل هو نفسه قوة لها حركة دائرية تموج في نفسها وتلك حياة ولا يحيى العقل بـنفــس حــياة الجسم بل أساس حياته الروح . ولذا اعتمد الهنود وغيرهم على الفكرة المبسوطة في مــيــدان الروح وعلى أن العقل له خلود إنما خلوده يكون في عالم الأشياء مادامت الـروح تعــطي لــه الحياة ، أما إن ذهبت الروح فلا أساس لحركته ، ولا يمكن له خلود حتى في عالــم الأشــياء . وحركة العقل الدائرية يتفحص بها حواس الجسم والمراكز الحساسة في الدمــاغ ، فالــعــقــل يعطي بترتيب للجسم وقت النوم ويترجم للحواس إدراك الجوع أو العطش ، كما أنه يفــحص الأفكار في وقت معين وكذا وظائف الصور . ففي فترة معينة عند صحو الإنسان لابد له مــن التخيل كما لابد له من الحلم عند النوم . وإذا أرغم الإنسان العقل على التركيز دون أن يتــرك له مجالا للقيام بفحصه المتناسق يظهر الجسم تعبا وعرقا ، وكثير من الناس العامـلــيــن فــي آلات متنوعة يصابون بحوادث كثيرة ، وذلك ناتج عن إرغام العقل على التـركــيــز فــي مــا يقومون به من عمل ، ويمكن تفادي تلك الحوادث بتدريب الحواس علـى العلــم الآلــي لــها ، والجسم بإمكانه العلم بطريقة آلية بعد إتمام التسجيل للحركة المطلوبة في الحواس ، وذلك بعد مدة طويلة ، إنما أخطار هذه الطريقة إن لم تكن بصفة علمية موثوقة فإن العقـل قــد يــخــون الإنسان في بعض الأحيان ، وذلك عندما يثق الإنسان في نفسه بعد حفظه لطريقة العلم وقبــل إتمام تسجيلها فيصاب بحادث ، ونجد كثيرا من الناس لا يحلمون عند النوم وأغلبــهــم أنــهــم يصابون بنسيان ، وفي الحالات الأخرى تكون وظائف الصور المسجلة في الدماغ لـم تــبــق صورية محنطة ، بل تكون مرتبتها قوة إدراكية للصور يستغني العقل بها عــن تــمــيــيــزها وإرجاعها محسوسة صوريا ، والعقل في حركته يحرك قوى الحواس في الجسم بـطــريــقــة أفقية سفلية وسفلية أفقية ، يمينية شمالية ، وشمالية يمينية . والعمود الفقري في هذا هو الــذي يؤدي دور الإيصال بين قوى الجسم إلى العقل ثم إدراكها وتمييزها إن كانت ألما أو قنوطا أو حزنا أو خوفا . وللجسم قوتان مختلفتان ، أولها ظاهرية خاصة بما يلزم الجسم مــن حــركــة وشعور ظاهري ، وأخرى باطنية كامنة في قوى الجسم وتلك حاسة ثانية يدرك بها الــعــقــل الخوف أو الحزن ، ولا يمكن لهاتين القوتين العمل بانفصال لوجود الدماغ جــامــعاً لــهــما ، والعقل هو وحده يمكنه أن يدرك بالأولى أو بالثانية .

الإنسان في مشاكله وأحزانه وفي تجمعه مع بعضه البعض ، يفقد كثــيـرا مــن مــــميــزات الإدراك ،وانشغال الإنسان بهمومه أو البحث عن استكثاره يبعد عنه المعرفة أو التفرغ إليـها، ولذا نرى كل متفرغ لبحث إلا ويختار العزلة عن الناس ليتبع ما يــسـعى إلــيـه ، والــعــزلــة الطويلة المدى لا تفيد ، أما إن كانت في فترة معينة فلا بأس ، لأن الإنسان أثناءها يرى نفسـه وتنطوي الحواس على العمل مع بعضها البعض وتتألف بينها ، وقد جعلت منذ القـديم طــرق عديدة للترقي في درجات العقل بواسطة العزلة ، منها الجوع أثــناء مــدة العــزلــة أو الأكــل الخفيف ، وذلك لوجود آثار كبيرة لدور الأكل بالنسبة للدماغ ، فكثرة الطعام تجعــل خــمــولا كبيرا في وظائف الدماغ وتحول بين العقل والحواس ، لاسيما نوعية الطعام .

وكان المعتزلون يأخذون ما خف من الطعام وما له دور هام بالنسبة للتغذية ، والتي تـبــقى بها الحواس في يقظة كاملة ليتمكن العقل ممن إدراك العلوم المطلوبة أو التجــوال الــباطــني المدرك بالعقل .

والتجوال الباطني المدرك هو التمكن من توجيه قوى العقل إلى أماكن مقصودة ، والــعــمل بها في أشياء كثيرة ولبلوغ هذه المرتبة لابد من طريقة مرسومة ، ولابد من معلم فيها مـدرك لميزات العقل والجسم ، وجعل لذلك ما يسميه المتصوفة بالخلوة . إذ يتفرغ السالك في مراتب العقل دون أخطار وتحت مراقبة معلمه ، والتصوف أغراضه متنوعة ووجدت طرقــه مــنــذ القديم عند كل الشعوب ، إنما يسمَّى تصوفا عند العرب . ومجال الــبــحــث فــيــه طــويــل ، والمقصود هو أن يعرف أن العقل هو السبيل في كل ذلك . وليس الروح ، والطرق الروحـيـة سميت كذلك . لأن البحث يكون متركزا فيها ، وما تلك إلا طرقا بواسطة العقل لأن العقل هـو الذي ترك به الأشياء وليس الروح .

للسن آثار بليغة على جسم الإنسان وتلك الآثار تجعل عجزا في الحواس ويـقـل الإدراك لأن الجسم يصبح غير قادر على مواجهة قوى العقل ، وللجسم تغير في قواه من الطـفــولــة إلــى الشيخوخة ، إنما العقل لا يهرم أبدا بل يبقى سليما . ولكن المحافظة على الحواس هي لازمة، ومن واجب الإنسان نحو نفسه . والإرهاق الحسي أقوى من الإرهاق الجسدي . فإن الاستماع إلى الموسيقى بصفة غير لائقة يزعج الدماغ ويثير الحواس ، كما ينفعل لـه جــســم الإنــسان انفعالا مضرا له . وقد يتمكن الإنسان من تبديل قواه الجسمية وذلــك بــواســطــة الــعــقــل ، والمحافظة على الحواس . أما إن تراكمت الأشياء التي لها آثار على الجسم ، فــإن الــجــســم ينهار بسرعة ، وفي هذه الحال فإن الإنسان يصبح في شيخوخته عاجزا عن الإدراك ، وقد لا يتذكر حتى المراحل التي مرت به في حياته . أما إذا تمكن من تبديل قواه الجســمــيــة فــإنــه يستطيع المحافظة على شبابه وصحة جسمه مدة طويلة .

إن محل سكنى الإنسان له آثار هو كذلك على حواس الإنسان ، لاسيما محل نــوم الإنســان بصفة خاصة ، لأن أثناء النوم يكون الجسم الحاسي للإنسان في صفة عمل منفرد . والجـســم الحاسي هو ثان للإنسان إنما هو متركب من قوى الإنسان نفسه ، ودوره هو أن يجلـب إلــيــه القوة من قوى الطبيعة ليقوى جسم الإنسان ويقدر على الحركة أثناء اليقظة ، والجسم الحاسي له دور هام في كل البحوث وهو أساس لمعرفة قوى العقل ومراتبه ، وقد اختص الكثيـر فــي البحث عنه وطريقة تطوير إدراكه لانفراده بإدراك المعرفة الباطنية للأشياء . وهذا الـجــســم الحاسي هو الجسم الثاني في الإنسان ، والعقل يدرك معالمه وبقدرة الإنـســان تــوجــيــهــه ، ومعرفته تتطلب معرفة وعلما ، وميدانا الحديث عنه حدوده بعيدة تبـعــد بــنا عــن مــوضوع الإنسان والعقل .

يجب على الإنسان الاحتفاظ على نفسه في كل شيء وعدم الإفراط في شيء أو الإكـثار مــن شيء ينفق فيه الجسم طاقة كبيرة ، ويجب على الإنسان كذلك الاحتفاظ على البيئة الطـبــيـعية وعلى توازنها ، وكل تلوث في الطبيعة يلوث جسم الإنسان وتنزعج الحواس لذلك . وسكـنَـى الإنسان له دور وتأثير عليه والأثاث أيضا . فلكل شيء طاقة وقوة ، وطاقة الجسم من المـواد الصالحة للأكل ، والجسم ينخنق بالأكل الكثير كما تنخنق النار بكـثرة الــحــطــب وتنطفىء ، ولكل شيء مقدار ومقياس ، وقدرة التحمل وإمكان الإنجاز ، فلا يمكن أن نطلب من الـجـســم قوة كبيرة دون طاقته .

إن الطاقة الحرارية في الجسم أساس حركة الدماغ وحركة الدماغ هذه مصدرها الحياة . أما البرودة وقوتها فهي ضد لحركة الطاقة الحرارية ، وتجعل في الدماغ عجزا ينطــوي عــلــى عدم قدرة التركيز . وهناك طاقة حرارية ثانية مصدرها من حياة الحواس ، فالخــوف مــثــلا يجعل ضعفا في الجسم فتكبر حرارته ، أما إن كان بعد خوف برودة فإن العقل يتخلَّى في تلك الحال عن إعطاء التمييز للحواس كما أن الطاقة الجالبة لقوى الجسم تعرف بعض مـراتــبــها عند الصينيين ويستعملون وظائفها في الرياضة ، وهي قوة فعالة مستقرها في قوى الـبــطــن السفلية .. وهناك طرق لتوجيه هذه القوة واستعمالها ، ولها أساس في تنمية مراتب الـحــواس ولتقوية الجسم ، ولكي يتقوى الجسم لابد من تقوية أسس الحواس ولتقوية الحـواس لابــد مــن الجلوس الكثير في الأمكنة الخالية من الأصوات والإكثار من الصمت ، فكثرة الكلام لا تفيــد العاقل في شيء ، لأنها تفرغ قواه الباطنية ، أما الجلوس لتنمية الحواس فله طرق معينة لكــل منها دورها . وسر هذا في سر حركات الإنسان ، وقبل أن يتجه الإنسان في هذا البحث ، لابد له من معرفة تامة ليتمكن من السيطرة على قدرة الحواس دون أن يصاب بانفعالات جسدية قد تضر به . فإن العقل تبقى قوته في حالة ركود باطني وسير طبيعي ظاهري مادام الإنسان لا يحاول توجيهه في شيء .أما إذا حاول الإنسان توجيه الحواس للوصول إلى غرض معين، فإن قوى العقل تنفعل لذلك وكأنها تدافع عن ترتيبها وقانونها الداخلي .

إن كل شيء في الطبيعة يكون في حالة ركود هو هدوء وسكون في الحركة الــطــبــيــعيــة للأشياء وتأدية وظيفتها دون تدخل الإنسان . أما إن تدخل الإنسان في حركة الطبيــعـة يــبــدأ صراع بين قواه وقوى الطبيعة . وكأن الطبيعة تحمي نفسها من الإنسان حتى لا يـصــل إلــى النقط الرئيسة الحساسة فيها ، كما أن الإنسان يحمي نفسه من قوا الطبيعة حتى لا تتغلب عليه ، وسعَى الإنسان منذ القديم بطرق شتى في بحوثه لإدراك حركة الأشياء ، كــما ســعَـى إلــى توجيه الرياح والأمطار على حسب إرادته ومتطلباته ، فالقدماء سعوا إلى ذلك بواسطة قــوى العقل ، واليوم يحاول الإنسان البلوغ إلى ذلك بواسطة الآلات .

في القديم من كانت له قوة في سر حركة ما كان يسمى عندهم إلها لامـتــلاكه تلــك الــقــوة، فسموا بذلك إله الريح وإله المطر والبحار إلى غير ذلك . وفكر الحكماء كان تركيــزه نــحــو

امتلاك إدراك الإنسان وحواسه ، وتملك أعصابه وغضبه وإرجاعه إلـى قــدرة الــسكــون ، وتحمل مشاكله مع مسالمته لقوى الطبيعة دون إزعاجها أو التحكم في حــركـتــها ، وأول مــا يجب على الإنسان أن يتحكم فيه فنفسه .


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة