تائية الألبيري
تائية الألبيري
قال الفقيه الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن مسعود الألبيري
- رحمة الله عليه - :
تفت فؤادك الأيام فتا ... وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق ... ألا يا صاح أنت أريد أنتا
أراك تحب عرسا ذات غدر ... أبت طلاقها الأكياس بتا
تنام الدهر ويحك في غطيط ... بها حتى إذا مت انتبهتا
فكم ذا أنت مخدوع وحتى ... متى لا ترعوي عنها وحتى
أبا بكر دعوتك لو أجبتا ... إلى ما فيه حظك إن عقلتا
إلى علم تكون به إماما ... مطاعا إن نهيت وإن أمرتا
وتجلو ما بعينك من عشاها ... وتهديك السبيل إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجا ... ويكسوك الجمال إذا اغتربتا
ينالك نفعه ما دمت حيا ... ويبقى ذخره لك إن ذهبتا
هو الغضب المهند ليس ينبو ... تصيب به مقاتل من ضربتا
وكنز لا تخاف عليه لصا ... خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه ... وينقص أن به كفا شددتا
فلو قد ذقت من حلواه طعما ... لآثرت العلم التعلم واجتهدتا
ولم يشغلك عنه هوى مطاع ... ولا دنيا بزخرفها فتنتا
ولا ألهاك عنه أنيق روض ... ولا خدر بربربه كلفتا
فقوت الروح أرواح المعاني ... فإن أعطاكه الله اخذتا
وإن أوتيت فيه طويل باع ... وقال الناس إنك قد شبقتا
فلا تأمن سؤال الله عنه ... بتوبيخ علمت فهل عملتا
فرأس العلم تقوى الله حقا ... وليس بأن يقال لقد رأستا
وضاقي ثوبك الإحسان لا أن ... ترى ثوب الإسادة قد لبستا
إذا ما لم يفدك العلم خيرا ... فخير منه أن لو قد جهلتا
وإن ألقاك فهمك في مهاو ... فليتك ثم ليتك ما فهمتا
ستجنى من ثمار العجز جهلا ... وتصغر في العيون إذا كبرنا
وتفقد إن جهلت وأنت باق ... وتواجد إن علمت وقد فقدن
وتذكر قولتي لك بعد حين ... وتغبطها إذا عنها شغلتا
لسوف تعض من ندم عليها ... وما تغني الندامة إن ندمتا
إذا أبصرت صحبك في سماء ... قد ارتفعوا عليك وقد سفلتا
فراجعها ودع عنك الهوينى ... فما بالبطء تدرك ما طلبنا
ولا تحفل بمالك واله عنه ... فليس المال إلا ما علمتا
وليس لجاهل في الناس معنى ... ولو ملك العراق له تأتى
سينطق عنك علمك في ندي ... ويكتب عنك يوما إن كتبتا
وما يغنيك تشييد المباني ... إذا بالجهل نفسك قد هدمتا
جعلت فو العلم جهلا ... لعمرك في القضية ما عدلتا
وبينهما بنص الوحي بون ... ستعلمه إذا طه قرأتا
لئن رفع الغنى لواء مال ... لأنت لواء علمك قد رفعتا
وإن جلس الغنى على الحشايا ... لأنت على الكواكب قد جلستا
وإن ركب الجياد مسومات ... لأنت مناهج التقوى ركبتا
ومهما افتض أبكار الغواني ... فكم بكر من الحكم افتضضتا
وليس يضرك الإقتار شيئا ... إذا ما أنت ربك قد عرفتا
فماذا عنده لك من جميل ... إذا بفناء طاعته أنختا
فقابل بالقبول صحيح نصحي ... فإن أعرضت عنه فقد خسرتا
وإن راعيته قولا وفعلا ... وتاجرت الإله به ربحتا
فليست هذه الدنيا بشيء ... تسؤوك حقبة وتسر وقتا
وغايتها إذا فكرت فيها ... كفيئك أو كحلمك إن حلمتا
سجنت بها وأنت لها محب فكيف تح ما فيه سجنتا
وتطعمك الطعام وعن قريب ... ستطعم منك ما منها طعمتا
وتعرى إن لبست لها ثيابا ... وتكسى إن ملابسها خلعتا
وتشهد كل يوم دفن خل ... كأنك لا تراد بما شهدتا
ولم تخلق لتعمرها ولكن ... لتعبرها فجد لما خلقتا
وإن هدمت فزدها أنت هدما ... وحصن أمر دينك ما استطعتا
ولا تحزن على ما فات منها ... إذا ما أنت في أخراك فزتا
فليس بنافع ما نلت فيها ... من الفاني إذا الباقي حرمتا
ولا تضحك مع السفهاء لهوا ... فإنك سوف تبكي إن ضحكتا
وكيف لك السرور وأنت رهن ... ولا تدري أتفدى أم غلقتا
وسل من ربك التوفيق فيها ... وأخلص في السؤال إذا سألتا
وناد إذا سجدت له اعترافا ... بما ناداه ذو النون بن متى
ولازم بابه قرعا عساه ... سيفتح بابه لك إن قرعتا
وأكثر ذكره في الأرض دأبا ... لتذكر في السماء إذا ذكرتا
ولا تقل الصبا فيه مجال ... وفكر كم صغير قد دفنتا
وقل لي يا نصيح لأنت أولى ... بنصحك لو بعقلك قد نظرتا
تقطعني على التفريط لوما ... وبالتفريط دهرك قد قطعتا
وفي صغري تخوفني المنايا ... وما تجري ببالك حين شختا
وكنت مع الصبا أهدى سبيلا ... فما لك بعد شيبك قد نكستا
وها أنا لم أخض بحر الخطايا ... كما قد خضته حتى غرقتا
ولم أشرب حميا أم دفر ... وأنت شربتها حتى سكرتا
ولم أحلل بواد فيه ظلم ... وأنت حللت فيه وانهملتا
ولم أنشأبعصر فيه نفع ... وأنت نشأت فيه وما انتفعتا
وقد صاحبت أعلاما كبارا ... ولم أرك اقتديت بمن صحبتا
وناداك الكتاب فلم تجبه ... ونهنهك المشيب فما انتبهتا
ليقبح بالفتى فعل التصابي ... وأقبح منه شيخ قد تفتى
فأنت أحق بالتفنيد مني ... ولو سكت المسيء لما نطقتا
ونفسك ذم لا تذمم سواها ... بعيب فهي أجدر من ذممتا
فلو بكت الدما عيناك خوفا ... لذنبك لم أقل لك قد أمنتا
ومن لك بالامان وأنت عبد ... أمرت فما أئتمرت ولا أطعتا
ثقلت من الذنوب ولست تخشى ... لجهلك أن تخف إذا وزنتا
وتشفق للمصر على المعاصي ... وترحمه ونفسك ما رحمتا
رجعت القهقرى وخطبت عشوا ... لعمرك لو وصلت لما رجعتا
ولو وافيت ربك دون ذنب ... وناقشك الحساب إذا هلكتا
ولم يظلمك في عمل ولكن ... عسير أن المنازل فيه شتى
لأعظمت الندامة فيه لهفا ... على ما في حياتك قد اضعتا
تفر من الهجير وتنقيه ... فهلا عن جهنم قد فررتا
ولست تطيق أهونها عذابا ... ولو كنت الحديد بها لذبتا
فلا تكذب فإن الأمر جد ... وليس كما احتسبت ولا ظننتا
أبا بكر كشف أقل عيبي ... وأكثره ومعظمه سترتا
فقل ما شئت في من المخازي ... وضاعفها فأنك قد صدقتا
ومهما عبتني فلفرط علمي ... بباطنتي كأنك قد مدحتا
فلا ترض المعايب فهي عار ... عظيم يورث الانسان مقتا
وتهوي بالوجيه من الثريا ... وتبدله مكان الفوق تحتا
كما الطاعات تنعلك الدراري ... وتجعلك القريب وإن بعدتا
وتنشر عنك في الدنيا جميلا ... فتلفى البر فيها حيث كنتا
وتمشي مناكبها كريما ... وتجني الحمد مما قد غرستا
وأنت الآن لم تعرف بعاب ... ولا دنست ثوبك مذ نشأتا
ولا سابقت في ميدان زور ... ولا أوضعت فيه ولا خببتا
فإن لم تنأ عنه نشبت فيه ... ومن لك بالخلاص إذا نشبتا
ودنس ما تطهر منك حتى ... كأنك قبل ذلك ما طهرتا
وصرت أسير ذنبك في وثاق ... وكيف لك الفكاك وقد اسرتا
وخف أبناء جنسك واخش منهم ... كما تخشى الضراغم والسبنتى
وخالطهم وزايلهم حذارا ... وكن كالسامري إذا لمستا
وإن جهلوا فقل سلاما ... لعلك سوف تسلم إن فعلتا
ومن لك بالسلامة في زمان ... ينال العصم إلا إن عصمتا
ولا تلبث بحي فيه ضيم ... يميت القلب إلا إن كبلتا
وغرب فالغريب له نفاق ... وشرق إن بريقك قد شرقتا
ولو فوق الأمير تكون فيها ... سموا وأفتخارا كنت أنتا
وإن فرقتها وخرجت منها ... إلى دار السلام فقد سلمتا
وإن كرمتها ونظرت منها ... بإجلال فنفسك قد أهنتا
جمعت لك النصائح فامتثلها ... حياتك فهي أفضل ما امتثلتا
وطولت العتاب وزدت فيه ... لأنك في البطالة قد أطلتا
فلا تأخذ بتقصيري وسهوي ... وخذ بوصيتي لك إن رشدتا
وقد اردفتها ستا ... وكانت قبل ذا مئة وستا