إن الإنسان ليتمتع بما في الطبيعة تمتعا كاملا لا يمكنه الاستغناء عنه ، يعجبه فيها أشجارها ووديانها ، ثم رعدها وبرقها ، وما فيها من نور ونار وضوء.. ولــكـل دوره تــجاه الإنــسان، كما أن له فعالية عليه ، فإن بقي الإنسان في مكان لا يعرف فيه الليل والنهار ، أو يغيب عـنـه الضوء أو الظلام يجد نفسه في سوء توازن حواسه ، ويفقد قوة الإدراك بـعــقــلــه . فــراحــة الحواس في إعطائها ما تحتاج إليه كمثل الألوان الطبيعية ورؤية جمال الطــبــيــعــة ، وكــما اكتملت عند الإنسان هذه المتطلبات ، تكتمل له قوة الإدراك والشعور وانطلاق التفكــير.. ولا ننسى دور كل شيء موسيقي ، أو الأصوات كذلك ، كصوت الرعد ، وقد يكون لهذه الأشـياء دور مضاد ، فكراهية صوت الرعد والخوف منه دليل على عقد نفسية عميــقــة لا يــســهــل التخلص منها ، وللضوء آثار أخرى في الدماغ والجسم معا ، وكل صدمة ، أو متـعــة ، إنــما تصيب الدماغ بواسطة الحواس ، فالدماغ كمركز محول لكل اتصال بين العقل والجســم بــما فيه الدماغ . أما العقد النفسية فإنها كلها تحول بين إدراك العقل وشعور الحواس ، وتسبب كل عقدة نفسية في حركات لاشعورية أو حركات مزعجة للجسم . وتقلب الجسم بكثرة يدل علــى عدم التوافق بين قوى الحواس وقوى العقل ، وهذا يمنع العقل من تركيز الإدراك أو توسـعــه في عالم المعرفة .
إذا استعمل الإنسان قواه العقلية في غير معرفة الحقيقة الثابتة فإنه يبقى ضحيــة لــنــفــســه ويسوء فهمه كما يصبو إلى اتباع رغباته دون التفكير فيما يضره وحتى فيما ينفعه ، ومـشكل الإنسان والعقل هو مشكل المعرفة ، فلن يهدأ الإنسان مادام لا يعرف شيئا عن نفـسـه ومــادام جاهلا لمصيره بعد الموت ، وهل الموت نهايته النهائية أم هي بــدايــة لمــأســاة أم لــراحــة؟ والإنسان بالعقل لابد له أن يجد لأسئلته أو إقناعا لها ليطمئن إلى نفسه أو إلى فهمه تجاه العلم.
وكلما تعقدت أمور فهم الإنسان إلا ويتجه الإنسان إلى التفكير في عقله ووسيلة تقـويــتــه أو وسيلة استعماله بطريقة مستجابة لما يطلبه ، والأمر غير هين لأن العقل يعطي نتيجة ما يفكر به الإنسان ، فحينئذ يسعَى الإنسان إلى تطوير علومه وتدوينها حتى يتسنى للبشريـة أن تــتــم الهدف الذي سعَى إليه الإنسان منذ القديم ، وهو معرفة الإنسان والكون ومصيره . والإنــسان لم يقتنع بأي علم لأنه يبحث عن الدليل القاطع لكل معرفة وهذا لا يمكن لأن دلي الوجود غير موجود – وكيفية وجود الإنسان لا يمكن إثباتها ، فأول مَن خُلق مِن البشر قد مات . والإنسان يسعَى إلى التنقيب عن الآثار ليستدل بها ويعرف بها مستوى تطور الإنسان الـقــديــم ، وهــل كانت له علوم ، أم كان في تمام الجهل ، وهل استعمل اللغة أم الإشارة ، وهل كانت الكتابة أم لا ، وما هي الطرق التي كان يعيش بها؟ وهذا إنما هو بحث الإنسان عن نفـســه ، بالــعــقــل والإدراك يستدل في بحثه . أما الجواب عن الذي يبحث عنه الإنسان بكـل هــذه الــتســاؤلات فشيء آخر ، إلا أنها تأخذ كثيرا من وقته وأمله أن يأتي أحد بعده ليعرف الحل ، كما كان أمل الإنسان القديم أن نأتي نحن فنجد الحل .
وإذا وجد إنسان ما حلا كاملا وخلاصة عن معرفة الإنسان والكون وكل جواب عن أسئلة ،
فهل يصدق قوله أم لا؟ إنه لن يصدق أبدا لأنه لن يعطي دليلا كما يطلبه الإنسان ، فيــبــقــى صراع الإنسان والعقل أمام كل شيء ، أما مجال الإيمان بالغيب والاقتناع به فميدان آخر .
إن العقل ليس له كبر أو صغر ، إنه لا ينمو في الإنسان . بل درجات التفكير هي التي تكـبر وتأخذ مراتبها في العقل . ونجد بعض الأطفال لهم درجة قوية من الذكاء ومرات تكاد تكــون خارقة ، فذلك نتيجة أخذ العقل لقوى التفكير والأفكار وكل المعلومات بصفة إجمالية ، ويـتــم ترجمتها بسرعة للحواس ، وقد ينقلب هذا الذكاء غباء من بعد سنين ، أو ينحصر عند بـلــوغ سن معين ، لأنه لا يمكن توسيع العقل نفسه بل توسيع مراتــب الأفـكار ، وانــحــصار عــلــم الإنسان يحصر تطور كل ذكاء .
إن الذكاء هو قوة كامنة في العقل نفسه ، وهذه القوة هي من العقل لا تنفصل عنه ، ولــيــس بقوة خلاقة للأشياء ، بل هي قوة تبرز سرعة إتقان العقل للأخذ من وظائف الدماغ ، فــيــتــم بهذه القوة البسط أو الجمع بين الأفكار أو إحضار لشيء مـنــســي أو الاتــصال باللاشــعــور وترجمة ذلك للحواس أو إعطاؤها صفة صورية أو شكلية أو نطقية .
وكل ما يكتشفه الإنسان ، إنما يكون وسيلة مصادفة أو مقارنة مع أشياء أخــرى ، وما كــان الذكاء هو الخلاق لما يكتشفه الإنسان ، والعقل دائما وراء كل ذلـك تــمــيــيــزهــا وإفــرازها وإخراجها إلى العالم المحسوس والمفهوم –ولا ننسى أن للعقل تــجـوالا خــارجــا عــن إرادة الإنسان – به اكتشافات كثيرة تسمى من بعد اختراعات .
ومن اكتشافات الإنسان القوة الكامنة في الأشياء الموجودة في الطبيعة ، وقد استغل بــهــذه المعرفة معادن الأرض أو قوة الذرة ، إلى غير ذلك من كل قوة ، إلا أن هناك من اتجه نــحو البحث المتخصص في معرفة كل القوى الكامنة في الإنسان واستعمالها لنفـســه ، فــيــشــبــه الإنسان في هذا معدنا من الطبيعة نفسها إنما له حياة ، واكتشفت القوة الشبه مغناطيســية فــي الإنسان وذلك منذ القديم ، واستعملت هذه القوة الشبه مغناطيسية في مسائل كثيرة كالتـنــويــم المغناطيسي ، وتخدير الدماغ ، وتحريك الأشياء . واهتم كثير بتربية هذه القوة الكامــنـة فــي الإنسان بطرق شتى ، كما يسعى العلم الحديث إلى نفس الهدف ،إنما بوسائل آلية وإلكترونية. وهذه القوة يجلبها الجسم بواسطة العقل من كل ما في الطبيعة ومن المعـادن كذلــك ، أو مــن القوة الأفقية للطبيعة . ودور الأصنام في هذا أن القدماء الذين نحتـوها ، كانــت هــذه الــقــوة المتكلم عنها مسخرة في أيديهم ، وبالنحت ركزوها وأثبتوها بقوة الـتــركــيــز فــي الأصــنام المصنوعة من الحجر أو من المعادن على حسب نوعية القوة . وبذلك أعطي دور هام عــنــد الشعوب القديمة للأصنام والتي تلقب بأسماء كثيرة ، ويعرف دورها بالنسبة لـقــوى الإنــسان فيقولون : هذا إله للحب وآخر للكراهية إلى غير ذلك . ولتبقى تلك القوة ساكنة في ما نـحــت، فكانوا يذبحون قرابينا ، ويكونون رهبانا ، هم حراس لتلك العادات والقوانين أو للقوة نــفسـها حتى لا يغيرها أحد آخر ممن كانت لديهم نفس المعرفة ، والخلاصة في هـذا أن تلــك الــقــوة الشبه مغناطيسية هي السر في كل تلك العادات القديمة ، وهي منقسمة إلى أنواع كثيرة تــميز
بألوان ضوئية ، كالقوة الكامنة في الأهرام أو في القصور القديمة التي كنت يبنــى بــشــكــل هندسي خاص يستمد من قوى الطبيعة وتركز فيها هذه القوة . وتلك المباني كانت كلها تستـمد إما من قوة معينة كالشمس أو القمر أو الكواكب أو تشمل غالبها . كــما يــمــكــن للإنــســان الاستمداد من قوى الطبيعة المختلفة أو أصنام لها قوة معينة . والقـصور المــمــيــزة بالــقــوة الضارة تسجن فيها القوة الشبه مغناطيسية فتكون إما جذابة لقوى جسم الإنسان أو دافـعة لــها بضد ما . أما إن كانت قوتها راجعة إلى حركة الكواكب أو القوة الكامنة فــي الأرض ، فــقــد يصعب طردها . والأرض أيضا تكمن فيها قوى مثيرة يمكن لقوة العقل استعمالها وتسخـيرها أو تغيير مجاريها ، إنما ذلك يتطلب مجهودا كبيرا وخلقا كثيرا يجتمع بتركيز واحد أمام تلــك القوة . وقد بنَى الرومان مدنا في أماكن معينة في الأرض تكمن فيها القوة الشبه مغناطيسـية . ومن هذه القوة تنشق قوى أخرى إشعاعية يدركها العقل بإدراك الحواس ،ويستعملها الإنسان. ونجد هذه القوة مركزة أولا في الأهرام أو في مباني المعابد الهندية أو حول المعامــل الــتــي تكون فيها طاقة كهربائية مرتفعة ، وهذه الإشعاعية لها مضار كما أن لـها مــنافــع ، ودورها اهتم به القدماء لتحصين المدن ، أو الكنوز ، كما هو في الأهـرام ، أو لــوضــع ما يــســمــى بالطلاسم . وقد تضمحل وتهجر مكانها أو تكون قوتها ضعيفـة ، وهــذا شــأن كــل قــوة فــي الطبيعة . والقوة الإشعاعية هي أسهل درجة من كل قوى أخرى ، واستعملها الإنسان بكـثــرة ونجد جواهر حاملة لتلك القوة فتكون إما ضارة أو نافعة . وبالآلات في العصر الحديث يمكن استغلال هذه القوة لسهولتها ، والكهرباء هي القوة الظاهرية لها . ولا يمكن للحواس قــبولــها دون انفعال لأن الحواس لها قوة متحركة فيها . وتقبل الحواس القوة الإشعاعيــة أو الــشــبــه مغناطيسية لإدراك العقل لها في عالم القوى الطبيعة . والجسم يمكنه تحمل القوة الإشــعاعيــة المستعملة بوسيلة الآلات لخفة ضغطها ، كما يمكن بها تطوير قوة الجسم التي تـمــســكــه أو استعمالها ضد بعض الأمراض ، ويلزم في هذا معرفة جيدة لمعرفـة نــوعــيــة تلــك الــقــوة الإشعاعية ، وهذا لا يمكن بالآلة بل بالعقل لأنه يدرك معالمها ويفرز نوعيتها لانفعال الجـسـم بها . والعقل هو كمصفاة لكل قوة تريد الارتباط بالجسم أو الالتحام به ، وقد يرفضــها إن لــم تكن متوازنة مع حواس الإنسان .
استعمل الإنسان القوة الإشعاعية حتى في الرسم ، وذلك بواسطة العــقــل والــتــركيــز فـي الصورة المرسومة . وكثير من الناس يرى لبعض الصور حركة . إن الصورة المرسومة في نفسها لا تتحرك ، بل القوة الكامنة فيها هي التي تتحرك عندما يميزها العقل بإدراكه . ورؤيـا الإنسان تنفعل كثيرا أمام هذه القوة . والإنسان المتخصص في معرفتها يمكنه أن يستعملها في ميادين شتى ، كإخفاء أشياء صغيرة بسرعة . وذلك لأن الرؤيا تنفعل أمام هـذه الأشــعــة ولا يتمكن الإنسان من رؤية كيفية إخفائها ، وهذا عند المشعوذين كثير .
أما القوة الشبه كهربائية فهي التي يتحرك بها الجسـم ، يدركها العقل ويرجعها إلى الجــســم فيتحرك ، وسر حركات الإنسان وآثارها في الجسم والدمــاغ أو فــي الشــعــور والإحــساس
فميدانها كبير . وقد اختص الصينيون في البحث عن سر الحركات وآثارها ودرجـة قــوتها . وإدراك الإنسان بواسطة العقل لا يمكن توسيعه مع جهل سر الحركات في الإنسان ، والعـلــم لا يسمى علما مادامت المعرفة لها نقصان ، والمعرفة هي التي تقبل كل تغييـر ، أمــا العــلــم والحقيقة فلا تنافي فيهما .
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.