بحث الإنسان في الغيب ليعرف غيب نفسه ، وأرجع فكره على الحقيقة الأولى : أن الــطبيعـة سبقته لأنه وجد فيها فسبقت بهذا الفكرة في الوجود ، ومهما أن الطبيعة سبقته رجــح أن لابــد أن شيئا آخر وجد قبل الطبيعة ، فركز في فكره بظنه كل قوة هي فوق الأخرى أو أقوَى منـها ، فكانت الشمس عند الشعوب القديمة هي أعظم شيء لأن الطبيعة تموت دونها ، وانقســمــت الشعوب في آرائها وأفكارها وكلا وترتيبها للأشياء في طبيعتها . فكان الناس في جهلهم سواء ، وجاء الأنبياء والمرسلون ، ولكن الإنسان في بحثه عن الحقيقة لم يقتنع بالـمـعــجــزة ، لأن المعجزة لا تظهر خالقه ، وإن الكثير ليبتعد عن كل دين ليستقل بمعرفته للحـقيـــقــة ، وســار البحث في الكون ، ووضع أجهزة للبحث في الفضاء وتوسيع العلوم الطبية لا لمجرد البـحــث عن الدواء لكل داء ولكن للبحث عن قوة الإنسان ، ثم عن مركزه في الطبيعة وعن سر الحياة فيه . ولن يكون هذا دليلاً على الحقيقة لأن هذا لن يظهر خالق الطبيعة . فيبتعد الإنسـان عــن التفكير في خالق كل شيء ويقر أن الطبيعة خالقة لنفسها ولها حقيقتها دون حقيــقــة أخــرى ، ويعطي لذلك حلولا إنما هي تقضي عليه فيبقَى في صراع مع كل ما فيه وكل ما حوله فتنفلت منه إرادة العقل وإدراكه فيعجز الطب والوسائل الأخرى ويبقَى داء الإنسان هو داء التــفكيـر الغير المرتب ودواؤه في المعرفة . لم يستقر الإنسان أبدا في نماذجه الفكرية ومذ فهم أن داءه في التفكير الغير المرتب ، جـعـل أفكارا مرتبة وطرقا تطبيقية لمعرفة نفسه وكانت تلك الطرق أساسها قوة يشعر بها الإنــسـان فتنمو قوة الفكر في العقل ، كما سعَى إلى إدماج قوة العقل بالجسم وربطها في قــوة واحــدة ، وتعددت طرق علم النفس والفلسفة ، وكل مرة يتبين أن الطريق في كل هذه الطرق العلمــيــة اتجاهها إلى غير الهدف المطلوب للمعرفة الخالصة ، ويبقـى الســؤال عــن المــوت ، وســر الحياة ، وكأن العقل هو الذي يطرح كل سؤال على الإنسان ، وكيف يجيب الإنسان عــقــلــه وهو يسأل بعقله وفكره؟ وفي بعض طرق البحث عن المعرفة ، طريقة أقصَى مـا فــيــها أن يتجرد الإنسان من أفكاره ومما تعلم في الحياة ليجد الحل بالعقل المجرد من التفكير والـصور وإبقائه في عالم الحس السادس . ولكن العقل كانت أبوابه مقفلة ، والبحث يطول أمده ويفــكـر الإنسان أن لا داعي للبحث عن نفسه ، ويلزم نفسه بالاقتناع على أن الحـياة إنــما هــي حــياة مجردة من كل حقيقة . والإنسان إنما هو شيء يموت ويحيَى . ولم يمت العقل بهذه الفـكــرة ، والعقل هو أقوى من كل الأفكار إذ يتجرد منها أو يأخذها إليه .
قيل إنما أفكار الحياء من أفكار الأموات : وحقا ما أكثر ما كتب ، وما أكثر ما نقــش عــلــى الحجر من علم ، وإن عظمة الأهرام لتبقى مجرد تفاهة وضياع وقت وقوة عقل ، إذ تــبــيــن للناس أن الفراعنة عاشوا حياة خالية من كل حقيقة لاعتقادهم ما اعتقدوه عن حقيـقة الإنــسان وبعثه وقد اغتروا بما استغلوه من قوة هي في الطبيعة كما تستغل الآن هذه القوة التي سـميـت عند الفراعنة سحرا وتسمَّى الآن علما ، ولكن طريقة الاستعمال هي التي اختلـفــت وحــدها . وبقي العقل سائرا في طريقه ، حرا في نفسه ، يجبر الإنسان عن البحث كأنه هو أساس كائـن بنفسه جاعلا أيدي وأرجلا لا وجود لما سمي بالإنسان إنما العقل هـو الإنــسان . قــد يــفــقــد الإنسان الوعي ، ولكن هل يفقد العقل؟ وقد يحطم الدماغ ، وهي يحطم العــقــل؟ إن الإنــسان والعقل شيئان مختلفان مندمجان في شيء سمي بالحاسة السادسة ، فيأخذ العقل شكل الإنـسان نفسه في عالم الحس فيعيش به الإنسان عالما آخر يظنه عالم الحقيقة ، ولكنه يبقى مجرد عالم العقل الذي يعيشه العقل وحده قبل أن يدخل إليه الشكل الذي هو الإنسان .
إن سعي الإنسان في كل بحث لمختلف وكثير ، وكل يتحدث عن مراتب وقوته على حــسب ما يسعى إليه فقط ، والهدف الحقيقي للبحث العميق لكل حقيقة عن الإنسان إنـما هــو ســعــي للخلود . فانطلقت أفكار حول الروح والبحث عن معالمها ، وظن كثير أنه قد يمـســكــها فــي معرفتها بطرق محكمة ، ولكن كان هناك العقل في تلك المعرفة بدلا من الروح ، وما عــرف الإنسان شيئا لا عن الروح ولا عن العقل ، إذ لم يملك القوة الفعالة التي تسيطر على كل قــوة الإنسان ، وما ابعد الحلول التي تعطى عن الإنسان والكون ، وكل باحث إنما يعيش مــراتــب العقل أو عوالمه أو عوالم إحساسه .
نجد في الحياة علوما كثيرة نتعلمها وفلسفات كثيرٌ منا متشبث بمبادئها لأنها توافق ما يسعَى إليه ، وإن كل فيلسوف في القديم قد عاش فلسفته وطبقها ، وقوله إنما هو مجرد ما اســتـنتجه فكره وقوة عقله ، وليت الناس اليوم يطبقون ما يعتقدون ليتبين لهم أن كل فيلسوف إنــما هــو استنتاج وليس بحقيقة ثابتة ، وأن كل علم لابد له من تطبيق ليأخذ صبغته والحقيقية ، حتّـَى لا يبقى مجرد أفكار وحتى لا يضيع عقل الإنسان بين البحث عن الحقيقة والخيال .
- إن الخيال يسكن العقل وهو في نفسه له عالم صوري غير مقيد بتوازن كالتوازن الطبيعي ، يبحث الإنسان بخياله عن أساس كل شيء وكأن الخيال هو كذلك يسعَى أن يعرف نــفــســه بقوة العقل كما يسعَى الإنسان أن يغرف نفسه بعقله . والطبيعة تسعَى أن تـعـرف مكــنــونــها بوسيلة عقل الإنسان ، فصار العقل هو الذي له المرتبة الأولى غذ يشمل قوة البحث عن ســر كل حركة وتبقى حركته هي المجهولة لدينا ، وإنما تتحرك فيه الأفكار ويتحرك فيه الــخــيال كما يتحرك كل شيء في الطبيعة . والخيال ينقسم إلى خيال فكري ، وآخــر صــوري ، كــما ينقسم العقل إلى عقل خيالي فكري ، وخيال صوري ، والعقل مجرد شامل للحواس الخــمـس ثابت في الحاسة السادسة التي يعيش للإنسان بواسطتها عالم الأحلام المتركزة بين الـشـعــور واللاشعور .
- إن حركة الشعور في العقل واللاشعور بالعقل يكمن سرها في نقط الجسم الحساسة والتي بوسيلتها يتم تحريك درجات العقل بتحريك أعضاء جسم الإنسان ، كما أن العقل تكـمن فــيــه قوة الحركة الكلية للجسم ، وإن تمكن الإنسان بطريقة موضوعة على جمع الحركتين يستطيع بقوة العقل أن يخرج بها خارج الجسم فيتم تحريك أشياء قريبة أو بعيدة عــلــى حــســب قــوة الإدراك للأشياء ، كما تتم المكالمة الصورية أو الفكرية بين اثنين عـن بــعــد أو قــرب بــمــا يكتسبانه من قوة الحاسة السادسة ، وحركة اللاشعور لا يمكن التحكم فيها وحدها إلا بالــقــوة الشعورية ، ويكون ذلك جزئيا أو نسبيا .
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.