النفس تبكي على الدنيا وَقَـَدْ عَـلِمَتْ أَنَ السـَّـلامَة فـِيِهَــا تـَرْكُ مَــا فِـيْهَــا
النفس تبكي على الدنيا
وَقَـَدْ عَـلِمَتْ
أَنَ السـَّـلامَة فـِيِهَــا تـَرْكُ مَــا فِـيْهَــا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتى رجُـلٌ إلى أمير ِالمؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب وقـالَ له :
يا أميرَ المؤمنين ، لقد اشتريتُ داراً وأريدُ أنْ تكتـُبَ لي عَـقـْدَ شـِرائها بيدِك..
فنظر الإمامُ إليه بعين ِالحِكمَةِ الثـَّاقـِبة ِوالإيمان ِالشـَّديْـد ِفوجَـد َالـدُّنيا
قـَدْ تربَّعَـتْ على عَـرْش ِقـلبه ومَلكَتْ عليه أقطارَه حتى أنـْسَتـْه ذِكـْرَ ربِّه ..
فماذا يفعـَلُ أميرُ المؤمنين مع هَـذا الرجُـل الذي زاد َعِـنده حُبٌّ الـدُّنيا حتى أصبحَ في قـلبـِه وفي دَمِه ؟!
ماذا يفعـَلُ ليُلقـِّنَ هَـذا الرجُـل َ دَرْسا في ذِكـْر ِاللهِ
وطـَرْح الـدُّنيا وراء ظـَهـْره ..
والعَـمل ِللآخـِرَة ِوجـَنـَّاتِ النـَّعـيم ِ.. ؟!
أمْسَكَ الإمام ُبقلمه فكتبَ بعْـدَما حَـمَـدَ الله َوأثنى عليه :
أما بعْـدُ..
فقـَدْ اشترى مَيـِّت ٌمِنْ مَيـِّت ٍ داراً في بـَلـَدِ المُـذنبين وسِكـَّة ِالغــافلين
لها أربعَـة ُحُـدود ٍ..
الحَـدُّ الأوَّلُ ينتهي إلى المَـوت ِ ..
والحد الثـاني ينتهي إلى القـَبـْر ِ ..
والحد الثـالِثُ ينتهي إلى الحِـساب ِ ..
أمَّا الحد الـرابعُ فينتهي إمَّا إلى الجَـنـَّة و إمَّا إلى النـَّار ِ!!
وأنشَدَ قــائلاً :
الـنـََّفـْسُ تـَبْكِي عَـلَىْ الـدُُّنـْيَـا وَقَـَدْ عَـلِمَتْ
أَنَ السـَّـلامَة فـِيِهَــا تـَرْكُ مَــا فِـيْهَــا
لا دار َللـمَــرْءِ بعْـــدَ المَـــوْتِ يَسْــكـُنـُهـا
إلا التي كــانَ قـَبْــل ِالمَــوْت يـَبْنيهــا
فـإنْ بنـــــاهـا بخـَيْـر ٍطــــابَ مَسـْكـَنـُهـــا
وإنْ بنـــــاهـا بشـَرٍّ خـــابَ بانيْهـــا
أيْــــنَ المـِلـــوك ُ التي كـانـَتْ مُسَـلـْطـَنة ً
أما سَـقــَاها بكأس ِالمَـْوتِ ساقـيها ؟
أمْـوَالـُنــا لِــذوي المِـيْـــراثِ نجْـمَعُهــــا
ودُورُنــــا لِخـَــــرابِ الـدَّهْــرِ نبْـنيهـا
كمْ من مَـدائـِن َفي الآفـــــاق قـَدْ بَُنيــَتْ
أمْسَتْ خـَرابَـاً وأفنى المَـوْتُ أهليهــا
لكـُـلِّ نفـْـس ٍوإنْ كانـَـــتْ على وَجــَل ٍ
مِـنَ المَـنـِيـَّـــة ِآمـــــــــــالٌ تـُقـَوِّيها
المَـَرْء يَبْسِطـُها والـدَّهْـرُ يَقـْضيْهـا
والنـَّفـْسُ تـنـْشُرُها والمَـوْت يَطـْويْها
إنَّ المَكـــــــارم َأخــْــــلاقٌ مُطهَّـره ٌ
الـدِّيـْن ُ أوَّلـُهــا, والعَـقـــــْلُ ثــانيْها
والعِـلمُ ثـالـِثـُها , والحِــلمُ رابعُهــا
والجُـودُ خـامِسُها , واللـَّيْـنُ ساديْها
والبـِرُّ سابعُها ، والشُّكـْرُ ثــامنـُهـا
والصَّبْرُ تاسِعُها , والفضـْلُ بـاقـِيْهـا
والنـَّفـْسُ تعْـلـمُ أنـِّى لا أصــادِقـُها
ولسـْتْ أرْشـَــدُ إلا حـِيْـن أعصيهــا
لاتـَرْكـَنـَنَّ إلى الـدُّنيـــــا وما فـِيهـا
فـالـمَــوْتُ لاشـَكَّ يُفـْنيْنـا ويُفـْنيْهــا
واعْمَـلْ لـدارٍ غـداً رضوانُ خــادِمُها
والجــارُ أحْـمَـد ُوالـرَّحْـمنُ ناشيْهــا
قصُورُها ذهَـبٌ والمِسْك ُطـِينتـُها
والزعْـفرانُ حـَشيْشٌ نـــابـِتٌ فـِيْها
أنهارُها لبن مُصَفـَّى ومِنْ عَسل ٍ
والخمْرُ يجْرى رحيْقاً في مَجاريْها
والطيرُ تجْرى على الأغصان ِعاكفة ً
تـُسَبـِّحُ اللهَ جَـهْـرَاً في مَغــانـِيْهــا
مَنْ يشْتري الدارَ في الفِرْدَوس ِيعْمُرها
بـِرَكـْعَــةٍ في ظــــلام ِاللـَّيْـل ِيُحْـيْها
سَمِع َالـرجُـل هذا الكلام من أمير المؤمنين فدخل إلى مسامع ِ قـلبـِه
وعَلِمَ أنّ الإمامَ إنما أراد َبذلك أنْ يكْـشِفَ الحُـجُـبَ الكثيفة َعَنْ قـلبـِه الغـافِـلِ , وأيْـقـَنْ أنَّ الرازق َهو اللهُ ،وأنَّ المُعْـطى هو الله ، وأنَّ خيْـرَ الديار هي الدارُ الآخرةِ فبكى بكاءً مريراً وقال للإمام :
يا أميرَ المؤمنين ، أشهدك أنني قـَدْ تصدَّقـْتُ بداري هذه على الفقراءِ والمساكينَ وأبناء السبيل ِ!!