قصيدة شوقي في دار العلوم
قصيدة شوقي في دار العلوم
اتخذت السماء يا دار ركناً : وأويت الكواكب الزهر سكنا
وجمعت السعادتين، فباتت : فيك دنيا الصلاح للدين خدنا
نادما الدهر في ذراك، وفضا : من سلاف الوداد دنا فدنا
وإذا الخلق كان عقد وداد : لم ينل منه من وشى وتجنى
وأرى العلم كالعبادة في أبـ : عـد غاياته: إلى الله أدنى
واسع الساح، يرسل الفكر فيها : كل من شك ساعة أو تظنى
هل سألنا أبا العلاء وإن قلـ : ب عيناً في عالم الكون وسنى
كيف يهزا بخالق الطير من لم : يعلم الطير؛ هل بكى أو تغنى؟
أنت كالشمس رفرفاً، والسماكيـ : ن رواقاً، وكالمجرة صحنا
لو تسترت كنت كالكعبة الغر : اء ذيلاً من الجلال وردنا
إن تكن للثواب والبر داراً : أنت للحق والمراشد مغنى
قد بلغت الكمال في نصف قرن : كيف إن تمت الملاوة قرنا؟!
لا تعدى السنين إذن ذكر العـ : لم؛ فما تعلمين للعلم سنا
سوف تفنى في ساحتيك الليالي : وهو باق على المدى ليس يفنى
يا عكاظاً حوى الشباب فصاحاً : قرشيين في المجامع، لسنا
بثهم في كنانة الله نوراً : من ظلام على البصائر أخنى
علموا بالبيان، لا غرباء : فيه يوماً؛ ولا أعاجم لكنا
فتية محسنون، لم يخلفوا العـ : لم رجاء، ولا المعلم ظنا
صدعوا ظلمة على الريف حلت : وأضاءوا الصعيد سهلاً، وحزنا
من قضى منهم تفرق فكراً : في نهى النشء، أو تقسم ذهنا
ناد دار العلوم إن شئت: "يا عا : ئش"، أو شئت نادها: "يا سكينا"
قل لها: يا ابنة "المبارك" إيه : قد جرت كاسمه أمورك يمنا
هو في المهرجان حتى شهيد : يجتلى غرس فضله كيف أجنى
وهو في العرس إن تحجب، أو لم :يحتجب والد العروس المهنا
ما جرى ذكره بناديك حتى : وقف الدمع في الشئون فأثنى
رب خير ملئت منه سروراً : ذكر الخيرين فاهتجت حزنا
أدرى إذ بناك أن كان يبني : فوق أنف العدو للضاد حصنا؟
حائط الملك بالمدارس إن شئـ : ت، وإن شئت بالمعاقل يبنى
انظر الناس، هل ترى لحياة : عطلت من نباهة الذكر معنى؟
لا الغنى في الرجال ناب عن الفضـ : ل وسلطانه، ولا الجاه أغنى
رب عاث في الأرض لم تجعل الأر : ض له إن أقام أو سار وزنا
عاش لم ترمه بعين، وأودى : هملاً فم تهب لناعيه أذنا
نظم الله ملكه بعباد : عبقريين أورثوا الملك حسنا
شغلتهم عن الحسود المعالي : إنما يحسد العظيم ويشنا
من ذكى الفؤاد يورث علماً : أو بديع الخيال يخلق فنا
كم قديم كرقعة الفن حر : لم يقلل له الجديدان شأنا
وجديد عليه يختلف الدهـ : ر، ويفنى الزمان قرناً فقرنا
فاحتفظ بالذخيرتين جميعاً : عادة الفطن بالذخائر يعنى
يا شباباً سقوني الود محضاً : وسقوا شانئي على الغل أجنا
كلما صار للكهولة شعري : أنشدوه، فعاد أمرد للدنا
أسرة الشاعر الرواة، وما عنـ : ـوه، والمرء بالقريب معنى
هم يضنون في الحياة بما قا : ل، ويلفون في الممات أضنا
وإذا ما انقضى وأهلوه لم يعـ : دم شقيقاً من الرواة أو ابنا
النبوغ النبوغ حتى تنصوا : راية العلم كالهلال وأسنى
نحن في صورة الممالك ما لم : يصبح العلم والمعلم منا
لا تنادوا الحصون والسفن، وادعوا العـ :لم ينشئ لكم حصوناً وسفنا
إن ركب الحضارة اخترق الأر : ض، وشق السماء ريحاً ومزنا
وصحبناه كالغبار، فلا رجا : لاً شددنا، ولا ركاباً زممنا
دان آباؤنا الزمان ملياً : وملياً لحادث الدهر دنا!
كم نباهي بلحد ميت؟ وكم نحـ : مل من هادم ولم يبن منا؟!
قد أنى أن نقول: "نحن"، ولا نسـ : مع أبناءنا يقولون: "كنا"!