ليالي الجائعين
ليالي الجائعين
شعر :عبد الله البردوني
ليالي الجائعين
هذي البيوت الجاثمات إزائي : ليل من الحرمان والإدجاء
من للبيوت الهادمات كأنّها : فوق الحياة مقابر الأحياء
تغفو على حلم الرغيف ولم تجد : إلاّ خيالا منه في الإغفاء
وتضمّ أشباح الجياع كأنّها : سجن يضمّ جوانح السّجناء
وتغيب في الصمت الكئيب كأنّها : كهف وراء الكون والأضواء
خلف الطبيعة والحياة كأنّها : شيء وراء طبائع الأشياء
ترنو إلى الأمل المولّي مثلما : يرنو الغريق إلى المغيث النائي
وتلملم الأحلام من صدر الدّجى : سردا كأشباح الدجا السوداء
***
هذي البيوت النائمات على الطوى : نـوم العليل على انتفاض الداء
نامت ونام اللّيل فوق سكونها : وتغلّفت بالصمت والظلماء
وغفت بأحضان السكون وفوقها : جثث الدجى منثورة الأشلاء
وتلملمت تحت الظلام كأنّها : شيخ ينوء بأثقل الأعباء
أصغى إليها اللّيل لم يسمع بها : إلاّ أنين الجوع في الأحشاء
وبكا البنين الجائعين مردّدا : في الأمّهات ومسمع الآباء
ودجت ليالي الجائعين وتحتها : مهج الجياع قتيلة الأهواء
***
يا ليل ، من جيران كوخي ؟ من هم : مرعى الشقا وفريسة الأرزاء
الجائعون الصابرون على الطوى : صبر الربا للريح والأنواء
الآكلون قلوبهم حقدا على : ترف القصور وثروة البخلاء
الصامتون وفي معاني صمتهم : دنيا من الضجّات والضوضاء
ويلي على جيران كوخي إنّهم : ألعوبة الإفلاس والإعياء
ويلي لهم من بؤس محياهم ويا : ويلي من الإشفاق بالبؤساء
أنوح للمستضعفين وإنّني : أشقى من الأيتام والضعفاء
و أحسّهم في سدّ روحي في دمي : في نبض أعصابي وفي أعضائي
فكأنّ جيراني جراح تحتسي : ريّ الأسى من أدمعي ودمائي
ناموا على البلوى وأغفى عنهمو : عطف القريب ورحمة الرحماء
ما كان أشقاهم وأشقاني بهم : وأحسّني بشقائهم وشقائي