الحرب الكلامية
الحرب الكلامية
جرير والفرزدق والأخطل . ثلاثتهم من أشهر الشعراءِ في العصر الأمَوىّ ,بل هم حملةُ لواءِ الشعر في هذا العصر وأئمتِه ..
ولقد نشَبَتْ معركة ٌشعرية ٌكبيرة ٌبين هؤلاءِ الشعراءِ الثلاثةِ أسْفرَتْ عمّا يُسمَّى في تاريخ ِ الشعر العربىّ بـالحرب الكلامية ( النقائضِ الشعرية ) ..
وكانتْ هذه النقائضُ حَرباً هجائية ً انتصرّ فيها جريرُ على الفرزدقَ والأخطلَ ..
وهذا طرَف منْ هذه الحروبِ الشعريةِ :
قالَ هشامُ بنُ محمد الكلبيّ عن أبيه :
دخلَ رجلٌ منْ بني عُذرة على الخليفةِ الأموىّ عبدِ الملك بن ِ مروان يمتدِحُه بقصيدةٍ
وكان عنده الشعراء الثلاثة : جرير والفرزدق والأخطل ، وكانَ الأعرابيُّ لا يعرفُهم ..
فقالَ عبد الملك للأعرابيّ :
هل تعرفُ أهْجى بيتٍ قالته العربُ في الإسلام ؟
قالَ :
نعم ، قولُ جرير :
فغُضّ الطرْفَ إنك منْ نُمَير : فلا كَعْباً بلغْتَ ولا كِلابا
فقالَ :
أحْسنتَ ، فهل تعرفُ أمْدحَ بيتٍ قيل في الإسلام ِ؟
قالَ :
نعم , قولُ جرير:
ألسْتمْ خيرُ مَنْ ركِبَ المَطايا : وأندَى العالَمينَ بطون َراح
فقالَ :
أصَبْتَ ، فهل تعرفُ أرقَّ بيتٍ قيلَ في الإسلام ِ؟
قالَ :
نعم قولُ جرير :
إنَّ العيــــونَ التي في طرْفِها حَـــوَرٌ : قتـلْننــــا ثمَّ لم يُحْييــــن قتلانا
يصْرعْنّ ذا اللُّـبِّ حتى لا حِـراكَ به : وهُنَّ أضْعـفُ خـلق ِاللهِ إنْسانا
فقالَ :
أحسنتَ ، فهل تعرفُ جرير ؟
قالَ :
لا واللهِ ، وإنِّي إلى رُؤيته لمُشْتاق ٌ.
قالَ :
هذا جريرُ .. وهذا الفرزدقُ .. وهذا الأخطلُ !
فأنشَدَ الأعْرابيَّ يقولُ :
فحيَّــا الإله أبا حَـــرْزة : وأرْغمَ أنفـــكَ يا أخْطلُ
وجدَ الفرزدق أتعِسْ به : ورق خياشيمه الجندلُ
فأنشدَ الفرزدقُ يقولُ :
يا أرْغمَ اللهُ أنفــــــــاً أنتَ حامِلُه : يا ذا الخنـَـــا ومقــالَ الزُّور والخطْل ِ
ما أنتَ بالحَكَم التُّرْضى حُكومتُه : ولا الأصِيل ِ ولا ذي الرأيِّ والجَدلِ
ثم أنشدَ الأخطلُ يقولُ :
يا شرَّ مَنْ حمَلَتْ ساقٌ على قدَم : ما مِثلُ قـوْلِك في الأقوام يُحْتملُ
إنَّ الحُكومةُ ليسَتْ في أبيك ولا : في مَعْشرٍ أنتَ مِنهم أنّــهم سُفلُ
فقامَ جريرُ مُغضباً وقالَ :
أتشتُمانِ سِفـاهاُ خيرُكُم حَسَبا : ففيــــكُما – والله ِ - الزُّور والخَطل ُ
شتمْتماه على رفعِي ووضْعِكما : لا زلْتما في سِفــال أيُّــــها السُّفلُ
ثم ذهبَ جريرُ إلى الأعرابيّ ، وقبَّلَ رأسَه ، وقالَ :
يا أميرَ المؤمنين ، هذه جائزتي له خمسة ُ آلافِ دينار ٍ .
فقال عبد الملك :
وله مِثلها مِنْ مالي .