ثلاثة أثواب
كان كل من أبي نواس وأبي العتاهية ودعبل الخزاعي ـــ وثلاثتهم من أعلام الشعر العباسي ـــ في نزهة،
وفجأة مرت أمامهم فتاة حسناء تلبس ثلاثة أثواب بثلاثة ألوان ( أبيض وأسود وأحمر ) ، وكل ثوب يبدي ما تحته، فأرادوا التندر بألوانها الثلاثة فجادت قريحة كل منهم باللون الذي اختاره.
فقال أبو العتاهية في الثوب الأبيض :
تَبَدَّى في ثياب من بياض : بأجفان وألحــاظٍ مِـراض
فقلت له عبرتَ ولم تسلم : وإني منــك بالتسليم راض
تبارك من كسا خديك وردا : وقدك مثل أغصان الرياض
فقال نعم كساني الله حسناً : ويخلق ما يشاء بلا اعتراض
فثوبي مثل ثغري مثل نحري : بياض في بيـاض في بياض
وقال دعبل الخزاعي في الثوب الأسود:
تبدى في السواد فقلت بدرٌ : تجلى في الظلام على العباد
فقلت له عبرت ولم تسلم : وأشمت الحسود مع الأعادي
تبارك من كسا خديك وردا : مدى الأيـام دام بــلا نفاد
فقال نعم كساني الله حسنا : ويخــلق ما يشاء بلا عناد
فثوبك مثل شعرك مثل حظي : سواد في سواد في ســواد
وقال أبو نواس في الثوب الأحمر :
تبدى في قميص اللاز يسعى : عذولي لا يُلقبُ بالحبيب
فقلت من التعجب كيف هذا : لقد أقبلتَ في زِيٍ عجيب
أَحُمرة وجنتيكَ كَسَتْكَ هذا : أم انتَ صبَغتَه بدمِ القلوب
فقال الشمسُ أهدَتْ لي قميصاً : قريبَ اللون من شفقِ الغروب
فثوبي والمُدامُ ولونُ خدي : قريب من قريب من قريبِ