الصابئون والصابئين
الصابئون والصابئين :
وردت كلمة " الصابئين " بياء النصب في سورتي البقرة والحج ؛
في قول الله - تعالى - : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة -62 ،
وقوله - تعالى - : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) الحج-17
ووردت الكلمة نفسها بواو الرفع في سورة المائدة ؛
في قول الله - تعالى - : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) المائدة - 69
أما الآيتان الأوليان فلا إشكال في إعرابهما ؛ لأن الكلمة فيهما وقعت معطوفة بالواو على كلمة محلها النصب ، وهي " الذين " ؛ اسم إن ، فنصبت ، وعلامة نصبها الياء ، لأنها جمع مذكر سالم .
وأما في الآية الثالثة - آية سورة المائدة - فقد وقعت في موقعها نفسه في الآيتين الأوليين ، ومع ذلك جاءت مرفوعة .
وقد ذكر النحاة والمفسرون في توضيح ذلك عدة وجوه ، وذكروا نظائرها المعروفة في لغة العرب .
و أشهر ما قيل في ذلك :
القول الأول ( وهو قول سيبويه) :
أن الآية فيها تقديم وتأخير ، وعلى ذلك يكون سياق المعنى : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ، من آمن بالله فلا خوف عليهم ، ولا هم يحزنون ، والصابئون كذلك )
فتعرب مبتدأً مرفوعا ،وعلامة رفعه الواو ، لأنه جمع مذكر سالم . ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله : فإني وَقَيَّار ٌبها لغريب
وموطن الشاهد : قوله "قيار" وهو اسم لفرسه ، أو جمله ؛ فقد جاءت هذه الكلمة مرفوعة على أنها مبتدأ ، ولم تجئ منصوبة على أنها معطوفة على اسم إن المنصوب وهو ياء المتكلم في قوله ( فإني )
والمعنى : فإني لمقيم بها وقيار كذلك .
القول الثاني :
أن اللفظ المرفوع " الصابئون " مبتدأ ، والنصارى معطوف عليه ، وجملة من آمن بالله خبر "الصابئون" ، وأما خبر "إن" فهو محذوف دل عليه خبر المبتدأ "الصابئون" ، ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ ، والرأي مختلف
والشاهد فيه : أن المبتدأ "نحن" لم يذكر خبره ، اكتفاء بخبر المعطوف "أنت" ؛ فخبره "راض" يدل على خبر المبتدأ الأول ، وتقدير الكلام : نحن بما عندنا راضون ، وأنت بما عندك راض .
القول الثالث :
أن اللفظ المرفوع " الصابئون " معطوف على محل اسم " إن " ؛ فالحروف الناسخة ، إن وأخواتها ، تدخل على الجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر ، واسم إن محله الأصلي ، قبل دخول إن عليه الرفع لأنه مبتدأ ، ومن هنا رفعت "الصابئون" باعتبار أنها معطوفة على محل اسم إن .
المصادر :( أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، لابن هشام ، مع شرح محيي الدين ، 1/352-366 - و تفسيرا الشوكاني والألوسي ، عند هذه الآية ) .
قال الشيخ ابن عاشور - رحمه الله - في تفسيره :
( وبعد فمما يجب أن يوقَن به أن هذا اللفظ كذلك نزل ، وكذلك نطق به النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك تلقاه المسلمون منه وقرؤوه ، وكتب في المصاحف ، وهم عرب خُلَّص فكان لنا أصلا نتعرف منه أسلوبا من أساليب استعمال العرب في العطف ، وإن كان استعمالا غير شائع ، لكنه من الفصاحة والإيجاز بمكان . )
ثم تلمس ابن عاشور الفائدة البلاغية من الإتيان بلفظ " الصابئون " موفوعاً . فقال :
( إن الرفع في هذا السياق غريب ، فيستوقف القارئ عنده :
لماذا رفع هذا الاسم بالذات ، مع أن المألوف في مثل هذا أن ينصب ؟
فيقال :
إن هذه الغرابة في رفع ( الصابئون ) تناسب غرابة دخول الصابئين في الوعد بالمغفرة ، لأنهم يعبدون الكواكب ، فهم أبعد عن الهدى من اليهود والنصارى ، حتى إنهم يكادون ييأسون من الوعد بالمغفرة والنجاة فنبه بذلك على أن عفو الله عظيم . يشمل كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً وإن كان من الصابئين.
و هذا فيديو للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي
فيه بيان واضح للفرق بين العطف على اللفظ و العطف على المحل :
http://www.youtube.com/watch?v=JSjysUQucVU
.
فضاءات القرآن الكريم والسنة النبوية ( شنهور ) :
http://www.khbarbladi.com/egypt/theme-reg-eg_mo21_sec4_reg26-th_23.html