فضــــــح الأســــــــــــــرار
الأسترالي جوليان أسانج الذي فجر زلزال ويكيليكس , هو رجل هذا العام بلا منازع , ولعله أن يكون هو جيفارا هذا الزمان . قضية هذا الرجل هي تعرية وفضح المنظمات التي تحيط نفسها بهالة غير حقيقية من القوة والجبروت والمنعه والقدرة علي تحقيق الأهداف .
إنها تنظيمات مرعبة مثل وزارات الخارجية والدفاع والداخلية وأجهزة المخابرات والمباحثب .. إلخ , لذلك اختار أن يبدأ بالعمل علي كشف أسرار وزارة الخارجية الأمريكية , ولأجل هذا فالمهمة ليست سهلة , فتكاد الخارجية الأمريكية تكون متشعبة ولها امتدادات في كل بقعة أو نقطة من الكرة الأرضية , لهذا لم يكن عجيبا أن جاء رد الفعل المضاد من كل أنحاء العالم , بالرغم من أن رد الفعل الأمريكي لم يكن ينقصه القوة أو العنف .
باختصار عندما نقرأ البرقيات موضع الفضيحة أو التسريب , تجد هناك دائما زعيما أو مسئولا أو قائدا يطلب من أمريكا أن تضرب هذا , وتقطع رقبة ذاك , أو تأخذ حذرها , أو مجرد أن تطمئن إلي أن التغيير المقبل في بلد بحجم بريطانيا العظمي سيؤدي إلي قيام حكومة صديقة لأمريكا , باختصار من يقرأ هذه البرقيات يكتشف أنها تريد أن تقول لنا : إن الأمريكيين يقولون لأنفسهم إنه ما من شيء يحدث علي سطح الكرة الارضية إلا وللولايات المتحدة يد فيه , سواء سلبا أو إيجابا , ثم إن الدبلوماسيين الأمريكيين يعطون لأنفسهم الحق الكامل في أن يطلقوا ما يشاءون من الأوصاف علي أي رئيس أو ملك في العالم , فهذا زعيم مافيا , وذاك رجل فاسد , وآخر عنيد , أو متغطرس , أو ديكتاتور , أو عجوز متصابي يجري وراء البنات .. إلخ .
(2)
ما الذي يريده جوليان أسانج وأصحابه من فضح الخارجية الأمريكية علي هذا النحو؟
ما الذي يستدعي السرية , أو السرية القصوي في هذا الكلام؟ نحن لا نري مثلا تحليلات عميقة , أو تصورات أو وجهات نظر فريدة ونادرة , مجرد كلام , مثل الذي يدور علي أي مائدة طعام , أو كالذي يدور علي فنجان قهوة , لكن عندما يكون من يتناول قدح القهوة أو صحن الطعام هم فلانا وفلانا وفلانا , فإن ما يحدث هو كلام استراتيجي يقيم الدنيا ولا يقعدها , لذلك يجب أن يحاط بأقصي درجات السرية .. وهكذا ... إذن تصبح أقوال هؤلاء الناس , وتحركاتهم محط توقير وتبجيل العالم كله , ألا يكفي أنهم هم الذين يمسكون بأيديهم مقاليد العالم , ويستطيعون بكلمة منهم أن يغيروا مصائر شعوب وحكومات؟ ! وهكذا .
القضية إذن هي أن كشف كل هذا وفضحه يعني وضع الأمور في نصابها الحقيقي وتجريد الدولة الأمريكية مما تعتقد أنه سلاح تمسك به في يدها ضد هذا البلد أو ذاك لكي تنتزع منه ما تشاء من تنازلات .
فضح هذه الأسرار لا يعني إلا وضع الأمور في نصابها الصحيح , فعندما ينكشف أمر هيئة , أو منظمة , أو وزارة , أو دولة أمام الكل , دون أسرار , أو غموض , أو إضفاء قدرات غير طبيعية عليها أو علي القائمين بأمرها , عندما يخرج كل هذا إلي العلن , نصبح أمام بشر حقيقيين , يكذبون ويخافون ولا يتورعون عن ابتزاز من يتعاملون معهم , بل قد يسرقون وينصبون ويحتالون ويتاجرون في المخدرات , ويغسلون الأموال .
وهذا كله لا يعني إلا إسقاط طابع الهالة والهيبة والوقار والقوة والجبروت عن كل المنظمات والهيئات أيا كانت , فهذه كلها صفات إنسانية يضفيها الإنسان الضعيف الخائف المرتعد علي هذه المنظمة أو تلك لكي يأمن شرها , ويطمئن إلي أنه سيعود إلي بيته آمنا مطمئنا ولن يفاجأ بأحد يطرق عليه الباب لكي يلقي القبض عليه في تهمة غير محددة .
(3)
باختصار جوليان أسانج يبدو في هذا السياق في أكثر من ثوب . إنه يذكرنا مثلا بالروائي التشيكي فرانتس كافكا , الذي كان محور أعماله هو انسحاق الإنسان الفرد الوحيد الضعيف أمام المنظمات والشركات والهيئات الجبارة التي ظهرت في مطلع القرن العشرين , وأظهر كيف أنها تستطيع أن توجه للإنسان أي تهمة تشاء , بينما هو لا يستطيع أن يرد لها إرادة .
كذلك يذكرنا بسعي أرنستو جيفارا للثورة والتمرد علي الإمبريالية الأمريكية داخل أمريكا اللاتينية أولا , فإذا نجح هناك كان سوف يسعي للانتشار خارجها , ولكنه للأسف سقط في يدها واغتيل وظل حلم التمرد يراود الشباب , أما صاحبنا فأغلب الظن أنها لن تستطيع أن تقتله .
إن أسانج , والحق يقال , يذكرنا بالمبادئ الأساسية للحضارة الحديثة المعاصرة , وأولها أن يحاسب الناس علي تصرفاتهم جميعا , وأن يتم تجريدهم من أي هالة أو هيبة أو حصانة تحيط بهم بفعل المنصب الذي يتولاه أو المقعد الذي يجلس عليه , فالأساس أن كل الناس سواء , لذلك فإن كشف الحقيقة وإظهار أن عالم الأسرار الذي تغرق فيه البيروقراطية الحكومية حتي في الولايات المتحدة الدولة العريقة في الديمقراطية ... هو أداة للقهر والظلم والاضطهاد . إنه إذن يحلم بإحياء مبادئ التحرر من كل قهر , ومحاسبة كل إنسان علي أفعاله مهما يكن .
المدهش أن هذا الرجل هناك من يريد أن يشنقه ويقتله ويحاكمه بتهمة الخيانة العظمي , لا لشيء إلا لأنه فضح الأسرار !! ؟
تقييم:
0
0
إنها تنظيمات مرعبة مثل وزارات الخارجية والدفاع والداخلية وأجهزة المخابرات والمباحثب .. إلخ , لذلك اختار أن يبدأ بالعمل علي كشف أسرار وزارة الخارجية الأمريكية , ولأجل هذا فالمهمة ليست سهلة , فتكاد الخارجية الأمريكية تكون متشعبة ولها امتدادات في كل بقعة أو نقطة من الكرة الأرضية , لهذا لم يكن عجيبا أن جاء رد الفعل المضاد من كل أنحاء العالم , بالرغم من أن رد الفعل الأمريكي لم يكن ينقصه القوة أو العنف .
باختصار عندما نقرأ البرقيات موضع الفضيحة أو التسريب , تجد هناك دائما زعيما أو مسئولا أو قائدا يطلب من أمريكا أن تضرب هذا , وتقطع رقبة ذاك , أو تأخذ حذرها , أو مجرد أن تطمئن إلي أن التغيير المقبل في بلد بحجم بريطانيا العظمي سيؤدي إلي قيام حكومة صديقة لأمريكا , باختصار من يقرأ هذه البرقيات يكتشف أنها تريد أن تقول لنا : إن الأمريكيين يقولون لأنفسهم إنه ما من شيء يحدث علي سطح الكرة الارضية إلا وللولايات المتحدة يد فيه , سواء سلبا أو إيجابا , ثم إن الدبلوماسيين الأمريكيين يعطون لأنفسهم الحق الكامل في أن يطلقوا ما يشاءون من الأوصاف علي أي رئيس أو ملك في العالم , فهذا زعيم مافيا , وذاك رجل فاسد , وآخر عنيد , أو متغطرس , أو ديكتاتور , أو عجوز متصابي يجري وراء البنات .. إلخ .
(2)
ما الذي يريده جوليان أسانج وأصحابه من فضح الخارجية الأمريكية علي هذا النحو؟
ما الذي يستدعي السرية , أو السرية القصوي في هذا الكلام؟ نحن لا نري مثلا تحليلات عميقة , أو تصورات أو وجهات نظر فريدة ونادرة , مجرد كلام , مثل الذي يدور علي أي مائدة طعام , أو كالذي يدور علي فنجان قهوة , لكن عندما يكون من يتناول قدح القهوة أو صحن الطعام هم فلانا وفلانا وفلانا , فإن ما يحدث هو كلام استراتيجي يقيم الدنيا ولا يقعدها , لذلك يجب أن يحاط بأقصي درجات السرية .. وهكذا ... إذن تصبح أقوال هؤلاء الناس , وتحركاتهم محط توقير وتبجيل العالم كله , ألا يكفي أنهم هم الذين يمسكون بأيديهم مقاليد العالم , ويستطيعون بكلمة منهم أن يغيروا مصائر شعوب وحكومات؟ ! وهكذا .
القضية إذن هي أن كشف كل هذا وفضحه يعني وضع الأمور في نصابها الحقيقي وتجريد الدولة الأمريكية مما تعتقد أنه سلاح تمسك به في يدها ضد هذا البلد أو ذاك لكي تنتزع منه ما تشاء من تنازلات .
فضح هذه الأسرار لا يعني إلا وضع الأمور في نصابها الصحيح , فعندما ينكشف أمر هيئة , أو منظمة , أو وزارة , أو دولة أمام الكل , دون أسرار , أو غموض , أو إضفاء قدرات غير طبيعية عليها أو علي القائمين بأمرها , عندما يخرج كل هذا إلي العلن , نصبح أمام بشر حقيقيين , يكذبون ويخافون ولا يتورعون عن ابتزاز من يتعاملون معهم , بل قد يسرقون وينصبون ويحتالون ويتاجرون في المخدرات , ويغسلون الأموال .
وهذا كله لا يعني إلا إسقاط طابع الهالة والهيبة والوقار والقوة والجبروت عن كل المنظمات والهيئات أيا كانت , فهذه كلها صفات إنسانية يضفيها الإنسان الضعيف الخائف المرتعد علي هذه المنظمة أو تلك لكي يأمن شرها , ويطمئن إلي أنه سيعود إلي بيته آمنا مطمئنا ولن يفاجأ بأحد يطرق عليه الباب لكي يلقي القبض عليه في تهمة غير محددة .
(3)
باختصار جوليان أسانج يبدو في هذا السياق في أكثر من ثوب . إنه يذكرنا مثلا بالروائي التشيكي فرانتس كافكا , الذي كان محور أعماله هو انسحاق الإنسان الفرد الوحيد الضعيف أمام المنظمات والشركات والهيئات الجبارة التي ظهرت في مطلع القرن العشرين , وأظهر كيف أنها تستطيع أن توجه للإنسان أي تهمة تشاء , بينما هو لا يستطيع أن يرد لها إرادة .
كذلك يذكرنا بسعي أرنستو جيفارا للثورة والتمرد علي الإمبريالية الأمريكية داخل أمريكا اللاتينية أولا , فإذا نجح هناك كان سوف يسعي للانتشار خارجها , ولكنه للأسف سقط في يدها واغتيل وظل حلم التمرد يراود الشباب , أما صاحبنا فأغلب الظن أنها لن تستطيع أن تقتله .
إن أسانج , والحق يقال , يذكرنا بالمبادئ الأساسية للحضارة الحديثة المعاصرة , وأولها أن يحاسب الناس علي تصرفاتهم جميعا , وأن يتم تجريدهم من أي هالة أو هيبة أو حصانة تحيط بهم بفعل المنصب الذي يتولاه أو المقعد الذي يجلس عليه , فالأساس أن كل الناس سواء , لذلك فإن كشف الحقيقة وإظهار أن عالم الأسرار الذي تغرق فيه البيروقراطية الحكومية حتي في الولايات المتحدة الدولة العريقة في الديمقراطية ... هو أداة للقهر والظلم والاضطهاد . إنه إذن يحلم بإحياء مبادئ التحرر من كل قهر , ومحاسبة كل إنسان علي أفعاله مهما يكن .
المدهش أن هذا الرجل هناك من يريد أن يشنقه ويقتله ويحاكمه بتهمة الخيانة العظمي , لا لشيء إلا لأنه فضح الأسرار !! ؟
تقييم:
0
0