الوعي الانساني والكوني ............10
وكل هذا,وما قيل في المقالات السابقه اننا ننظر إلى حياتنا بشكل مادي بحت..في كل شيء..حتى في الجنس الذي هو محراب مقدس بين طاقتين متناغمتين مختلفتين...أصبح عبارة عن عملية جسدية ميكانيكية فقط....لأنهم لم يفهموه أصلا..واكتفوا بالبعد المادي للجنس وجهلوا باقي الأبعاد...
وما أكثر حالات الطلاق في أيامنا هذه...فرغم أن الزوجين قبل زواجهما كانوا يعيشون مع بعضهما أجمل اللحظات وأرق المشاعر...بكل حرية ودون قيد أو شرط أو منع أو فرض...بل كان يسود علاقتهم الحب ولا شيئ إلاّ الحب...
لكن بمجرد أن يتم الزواج بينهما...وتبدأ الواجبات والحقوق الزوجية بينها بين فرض ومنع...حتى تتحول حياتهم لصراع لا يحتمل..يدفع الكل ثمنه وخوصا الأطفال بينهما..
قرر رجل أن يذهب إلى أمير المؤمنين الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ليشتكي على امرأته التي ترفع صوتها عليه وتوبخه دائما...فلما اقترب من بيت عمر ...سمع امرأة عمر ابن الخطاب وهي ترفع صوتها عليه..فخرج عمر ابن الخطاب من بيته ووجد الرجل وهو يهم بالمغادرة..
فقال له: كأنك أتيت تريدني.؟؟
فقال الرجل نعم يا أمير المؤمنين لقد جئتك أشتكي امرأتي إليك..ولكنني وجدت أن وضعك لا يختلف عن وضعي فغادرتك دون أن أشتكي إليك..
فقال عمر رضي الله عنه: زوجتي ربت أولادي وغسلت ملابسي وحضرت طعامي ونظفت بيتي...دون أن يكون مفروضا عليها شيئ من ذلك...أفلا أصبر عليها حين تغضب؟؟
إذن يا إخوتي ..فالحياة الزوجية لابد أن يسودها الحب وليس شيئا سوى الحب...فبالحب تخدم المرأة زوجها وبيتها وأولادها بكل إخلاص من قلبها والعكس أيضا من ناحية الرجل...
فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...يدخل بيته فيسأل عائشة رضي الله عنها هل هناك طعام لنأكله...فتقول له لا يا رسول الله...فيقول بكل رضا وتسليم وحب اللهم إني صائم...
ونستطيع أن نتخيل بكل سهولة ماذا سيحصل لو أن هذا الموقف حصل مع أحدنا في أيامنا هذه...لانفجر الرجل موبخا امرأته و مذكرا إياها أن هذا واجبها وفرضها بأن تطبخ كل يوم وتنظف وتعمل و و و ...فتصبح العلاقة بينهما يسودها الواجب والفرض والإكراه...وكأنهما في مؤسسة أو شركة وهما عاملين فيها !!
وللأسف أحيانا نرى نفس القضية تتكرر بين الأصدقاء...فنرى بعض الأصدقاء يكون عندهم إفراط في الحب اتجاه أصدقائهم... وفي الحقيقة هو ليس حبا ولكنه حالة مرضية تنشأ عن إفراط في الطاقة وتظهر على شكل عاطفة مضطربة..
فتجد الشخص منا بمجرد أن يتعرف على شخص آخر..فيحبه ويجد فيه صفات تريحه وأخلاقا تجذبه...فيعتبره صديقا ويخصص له مكانا في قلبه في المرتبة الأولى بين باقي من عرفهم في حياته...
فنراه يقدم له كل ما يستطيع من هدايا و إهداءات...وينهال عليه بالاتصالات يوميا ليسأل عن حاله أو لمجرد أن يعبر عما بداخله من حب وتقدير لهذا الشخص..ويرسل الرسائل عبر الهاتف المحمول التي تمتلئ بكلمات الحب والشوق لهذا الصديق...
ولكنه مع هذا لم يسأل نفسه ولم يتأكد هل يبادلني هذا الشخص نفس الشعور والإحساس؟؟؟
وربما لو كلمه ذلك الشخص بشكل طبيعي أو لم يستقبل ما يقدمه بحفاوة كما كان يتوقع ..لاتهمه بقسوة القلب ونكران الجميل وخيانة الصداقة والأخوة...
في الحقيقة يا إخوتي هذا أيضا ليس حبا وإنما هي عاطفة وانفعال ناتج عن كبت طاقة أيضا..تلك الطاقة التي وجدت متنفسها في الإفراط في الحب والعاطفة حتى تخنق صاحبها ومن يحبه...ومن الحب ما خنق وقتل!!!
بصراحة تلك هي الأنانية بعينها وإن كانت تلبس ثوب الحب والفداء والتضحية...
وفي عالمنا اليوم نجد الكثير من الأشياء التي تعزز هذا النوع من العاطفة عندنا...كالمسلسلات الدرامية..وأغلب الأغاني والكليبات التي نشاهدها تلعب أيضا على هذه العاطفة وتنميها باسم الحب والشوق والغرام....وشتان ما بين الحب النقي والعاطفة المريضة...
فلو فرضنا أن شخصا كان يحب ورد الجوري الأحمر..
وذات مرة دخل إلى حديقة فوجد فيها وردة حمراء كبيرة منظرها رائع وجذاب... فلم يتمالك نفسه ولم يستطع إلاّ أن يقطف الوردة ويأخذها معه إلى بيته ويضعها بجانبه على سريره وهو نائم من كثر حبه وشوقه لها...وليتمتع بها وحده دون غيره ...
فهو بذلك سمح لأنانيته أن تتحكم به وسمح لنفسه أن يخنق الوردة ويقطفها لنفسه فقط...وطبعا اذا سألته سيقول لك إنني لست مخطئا فأنا أحبها وأعشقها وأريدها بجانبي ولا أستطيع أن أستغني عنها أو أن تبتعد عني!!
لكن نجد شخصا آخر يحب أيضا ورد الجوري...ويدخل الحديقة فيرى تلك الوردة ذات الجمال الرباني العظيم...فيقف أمامها بكل إجلال واحترام ...متأملا في لونها وشكلها وتمايلها بتناغم مع نسمات الهواء...ولا يفعل لها أي شيء يُذكر سوى أنه من الممكن أن يسقيها بعضا من الماء لو أحس بأنها بحاجة إلى الماء...
وهذا هو الحب الحيقيقي النقي الطاهر الذي يجب أن يكون بين الأصدقاء والمحبين...دون أن نحجز حرياتهم ودون أن نحاول أن نغير عطرهم وشكلهم ولونهم وجاذبيتهم لتكون على هوانا وذوقنا...
فالأصدقاء الحقيقيين هم الذين يكونون مثل أوتار القيثارة.. التي تجد كل وتر فيها مشدودا بجانب الوتر الآخر دون أن يتقاطعا أو يتجاوزا حدودهما...وبحالة التوازي هذه فقط يمكننا أن نسمع ونستمتع بأجمل الألحان ...ولا يمكننا أن نستمتع باللحن إذا كانوا متقاطعين ومتجاوزين لحدود بعضهما....
فالأصدقاء يراقبون بعضهم بعضا دون تدخل بإكراه أو غصب ولا يتوانون عن تقديم المساعدة والدعم لو احتاجه أحدهم...فهم في مشاركة دائمة لأحلى الألحان يعجب حالهم كل من ينظر إليهم...
تخلصوا يا إخوتي من قيودكم وتحرروا وعيشوا حياتكم بتميزكم الذي خصه الله بكم...وشاركوا من حولكم ألحانكم الخاصة...لنستمتع بأحلى ألحان الحب والسلام والنشوة والسعادة.
http://badralshraif.ucoz.com/