الوعي الانساني والكوني ............8
سبحان المبدع الذي أبدع كل شيء...
خلق الله البشر جميعا يا إخوتي...وجعل لكل إنسان منهم جوهرته الخاصة المميزة التي لا مثيل لها بين بقية الجواهر عند باقي البشر...
تماما مثل بصمة الأصبع أو الحمض النووي أو ما يُعرف بالشفرة الوراثية...فيستحيل أن تجد تماثلا في ما سبق ذكره حتى عند التوائم أنفسهم!!!
إذن فكل إنسان يا إخوتي هو كيان مميز له طعمه وشكله ولونه وعطره ولحنه وجاذبيته الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد من البشر...
ولو نظرنا إلى الحيوانات لوجدنا أن لكل حيوان قدرات وأساليب للحياة تختلف عن باقي الحيوانات..فنجد منها ما يعرف طريق هجرته من بلد إلى بلد عن طريق استشعار مجالات الطاقة المغناطيسية في الأرض فيحدد اتجاهه كالطيور...ومنها من يستطيع تحديد مكان فريسته بدقة باصدار موجات فوق صوتية عليها مثل الخفاش والأفعى مع العلم أن الخفاش والأفعى بصرهم ضعيف جدا...ومنها من أعطاه الله القدرة على معرفة الزلازل والكوارث الطبيعية قبل وقوعها بأيام كالكلاب والقطط وغيرها...ومنها من يستطيع الرؤية الليلية بكل وضوح كالبومة...ومنها من يستطيع أن يرى على بعد أميال ببصر حاد يفوق بصر البشر بمئة مرة كالصقور... ومنها من يستطيع أن يبني بيوته بأشكال هندسية سداسية الشكل تكون في قمة الروعة والإتقان بدون حسابات رياضية أو أدوات هندسية مثل النحل...
فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى..
لكن إنسان اليوم غفل عن جوهرته وأصبح يبحث عن تميزه في شهادات الخبرات ومناصب الشركات أو بحشو الرأس بالمعلومات...!!!
خرجت رابعة العدوية من خيمتها في ليلة من الليالي وكانت تحمل قنديلها المضيء ...فسألها الناس عن ماذا تبحثين يا رابعة؟؟
قالت أبحث عن إبرة أضعتها...فاجتمع الناس ليبحثوا معها عن تلك الإبرة...فلما شعروا بالتعب والإرهاق بعد ساعات طويلة من البحث سألوا رابعة أين أضعتي تلك الإبرة يا رابعة؟؟
قالت أضعتها في الخيمة...فتعجب الناس وقالوا لها مستنكرين أضعتيها في الخيمة؟؟ونحن نبحث عنها ساعات طويلة خارج الخيمة؟؟
فابتسمت رابعة وقالت أنتم تفعلون ذلك تماما في حياتكم...فأنتم تبحثون عن سعادتكم وتميزكم في الخارج... في الدنيا ومتاعها ...ونسيتم أن سعادتكم وتميزكم وجوهرتكم موجودة داخل أنفسكم وما عليكم إلاّ أن تبحثوا عنها داخل أنفسكم لتكتشفوها وليس خارجها!!فأنتم دوما تبحثون في المكان الخاطئ!!
ولو نظرنا إلى زماننا الذي نعيشه اليوم لوجدنا تبدلا وتغيرا في المفاهيم والأفكار ..وكالعادة دائما يكون الإنسان هو ضحية الجهل... فيدفع الثمن من عمره وصحته وسعادته ..
فالأطفال منذ ولادتهم يكونون مبدعين في كل أفعالهم... وحياتهم مفعمة بالحيوية والنشاط والنشوة والفرح...
لكننا بأفكارنا نعتقد أن الطفل يولد غبيا..ولا بد له من التعليم والتلقين والتهذيب ..وكل ذلك بين أوامر المنع والفرض والعقاب..
فيدخل الطفل إلى المدرسة ويركب موجة المنافسة ليكون الأفضل والأحسن والأسرع بين أقرانه في المدرسة...وتبدأ عملية حشو الدماغ بالمعلومات الجامدة التي لا حياة فيها ولا روح...فيصبح الطفل كالآلة التي يبرمجها المجتمع لتسير على خط معين لا يجوز الخروج عنه...
فينتقل الطفل من المدرسة إلى الجامعة ليحصل على الشهادات وكله باسم العلم والتقدم والرقي...ثم تبدأ مرحلة البحث عن العمل ومن ثم مرحلة الزواج والأولاد والفروض المنزلية والواجبات الزوجية ...
فيصل الإنسان إلى آخر عمره ليكتشف أنه كان طيلة حياته يركض ويركض وراء الوهم...دون أن يشعر معنى السعادة أو النشوة الحقيقية في أي لحظة من أيام عمره!!
والسؤال هنا هل دخل الأنبياء والأولياء إلى المدرسة؟؟أم حصلوا على شهادات؟؟
هل أخذ الإمام علي شهادة دكتوراه في البلاغة قبل أن يكتب نهج البلاغة؟؟أم كان عنده شهادات خبرة تأهله ليكتب عن كل العلوم بمختلف أنواعها..فالإمام علي ذلك المعجزة الذي نرى في كلامه إعجازا في علوم الطب والاجتماع والشعر والأدب والحقائق الكونية وغيرها..وصدق من سماه باب مدينة العلم..
أم أن أبو حامد الغزالي تخرج من الجامعة قبل أن يملأ الدنيا علوما لم يسبقه إليها أحد؟؟
وآينشتاين نفسه لم يكتشف جوهرته وإبداعه إلاّ بعد أن خرج من المدرسة التي طُرد منها عشرات المرات!!
وكلنا يعرف الصحابي الجليل أنس ابن مالك رضي الله عنه الذي خدم رسول الله عشر سنين منذ أن كان صبيا صغيرا..فيقول أنس ابن مالك ..والله لقد خدمت رسول الله عشر سنين لم يقل لي عن شيئ فعلته لما فعلته ولا لشيئ لم أفعله لما لم أفعله...
وهنا رسول الله كان يعلم تماما أن لكل طفل تميزه ولابد أن يأخذ فرصته بنفسه دون أن يفرض عليه رأيه أو توجيهه الصارم....
إننا نعيش يا إخوتي في كذبة كبيرة شربناها منذ سنين دون أن ندري أو نتأمل في حالنا...لقد اغتالوا براءة الإنسان وعفويته وانسجامه مع الطبيعة وجعلوا كل البشر نسخا متشابهة تماما في أشكالهم وأفكارهم وطعامهم وشرابهم وحتى طموحاتهم...
وكله باسم الحضارة والتقدم والرقي!!!
http://badralshraif.ucoz.com/blog/8/2013-05-01-28