الوعي الانساني والكوني ............2
من العقل إلى القلب، ومنه إلى صلة الأرحام
إن معرفة العقل تسمى معرفة، ومعرفة القلب تسمى محبة... أما معرفة الإنسان لنفسه فهي تأمل وتفكر...
هناك ثلاثة مراكز: العقل مركز التفكير، والقلب مركز الإحساس، و"صِلة الأرحام" أو السرة مركز الطاقة والحياة....
فإذا كنت تقوم بعملك بعقلك وفكرك فحسب، سوف تمضي قدماً في نسج المزيد والمزيد من الأفكار وهي أفكار فارغة واهمة، وأحلام واهية، كثيرة العدد لكنها لا تقدم شيئاً... الفكر مخادع كبير، ماكر وخبيث، لأنه يملك قدرات هائلة ليضللك ويخدعك عن طريق التخيل والتصور...
باستطاعته منحك أمنيات ورغبات عظيمة عن مدن مثالية فاضلة... وكلها كلمات فاضية...
سيقول لك: "غداً سيحدث ذلك" ولكنه لن يحدث أبداً... لا يمكن لأي شيء أن يحدث عن طريق الفكر... كل ما يمكن أن تراه، يجب أن تراه في قلبك أولاً.. وإلا فلن تراه ولن تسمعه أبداً...
التجربة الأساسية هي في الداخل، في القلب المحب المعطاء، هنا عرش الله.... ادخل إليه، واستفتيه.... القلب مركز الحب والأسرار، فيه نكون على مقربة من البيت، لكننا لسنا في البيت بعد...
عندما نفسح المجال لأحاسيسنا ومشاعرنا نصبح أكثر ثقة وعفوية وطبيعية... لكن الحقيقة ليست في القلب بعد... إنها أبعد من حدوده، وأعمق من إحساسه... إنها في السرة... صلة الأرحام.. هنا مركز الوجود والحياة وهنا تتجلى آيات الرحمن ويكون العابد موصولاً بالمعبود...
عندما يصبح الرأس مثقلاً بزخم الأفكار وضجيجها نفقد صلتنا مع القلب... لهذا لا تتشاجر مع الفكر لأن النزاع معه سيولد أفكاراً تلو أفكار... إذا ربحتَ لن يكون الرابح سوى الفكر، وإذا هُزمت فأنت الخاسر المحزون... ستخسر في كلتا الحالتين فلا جدوى من ذلك، وبدلاً من التشاجر مع الأفكار لننظر للعالم من منظار القلب لا العقل، ولنوجّه طاقاتنا أكثر فأكثر إلى عالم الإحساس والإبداع لا إلى عالم الأخبار والمحاكمات... لأنه كلما كان إحساسنا أكثر قلَّ تفكيرنا وتعقيدنا...
غنِّ بدل أن تفكر...تأمل في ايات الرحمن تغني بها ارقص فرحا وانت تحفظ اوتقرا ارقص بدل أن تتجمد... أحب بدل أن تتفلسف!... اقرأ الشعر بدلاً من النثر... ارسم، اعزف... عُد إلى الطبيعة، إلى أمك الأرض... تأملها بجبالها وصخورها وأنهارها... بطيورها وأزهارها... اتحد معها... شاركها فرحها، ورقصها، وصفاءها...
إذا قمت بأي شيء قم به من صميم فؤادك، بخشوع وتأمل وصلاة، فكل عمل عبادة... إذا لمستَ شخصاً ما المسه من أعماق قلبك بكل عاطفة وإحساس لتهتز كل ذرة من كيانك... وإذا نظرتَ لشخص ما لا تنظر إليه بعنين جامدتين باردتين كالحجر، بل دع محبتك كلها، وطاقتك كلها، وحنانك كله يتدفق من خلال عينيك ويشع منهما.. لتورق في قلبك شجرة محبة وعطاء وارفة الظلال فوّاحة الأزهار....
القلب مركز منسيّ ومهمل... لكن حالما تعود إليه وتهتم به سيباشر عمله... فتنساب الطاقة من العقل إلى القلب تلقائياً... وبما أن القلب أقرب إلى مركز صلة الأرحام فإن تدفق الطاقة إليه -إلى القلب- سيكون أكثر سهولة من تدفقها إلى العقل... الخطوة الأولى هي الهجرة من العقل إلى القلب.. من التفكير إلى اللاتفكير... من الوهم إلى الوجد... من المحدود إلى اللامحدود.. والتأمل هو المفتاح.. وما أن نخطو تلك الخطوة حتى تغدو الثانية أكثر سهولة... لأن التأمل يضعنا في حال الوصل مع الوجود مع الواحد الأحد... الرحلة ليست من كون إلى كون بل من الأكوان إلى المكون...
في مركز السرة صلة الرحم نكون روحاً صافية بلا تفكير... بلا مشاعر وعواطف.. بلا حركة على الإطلاق... بل سكينة لا متناهية تنطوي فيها الحقيقة الصافية الواحدة الموحدة.... التي لا قبلها ولا بعدها حقيقة.. تُسمى السرة مركز الإعصار... لأن كل شيء يتحرك ماعداها.
الرأس، والقلب.. والجسم كله في تغير وتحول مستديم، فقط مركز السرة، مركز الحياة والوجود ثابت لا يتحرك.. السرة هي عرش الإرادة.. فيها تنطوي كل الأسرار والأنوار... إنها تُغير ولا تتغير... تُنير ولا تُنار... ومنها نتصل بطاقة الأكوان... هذه هي الرحلة من الحياة إلى الفناء بالبقاء... من جنين في رحم الأم إلى رحم أمنا الأرض، ومن رحم أمنا الأرض إلى رحمة الرحمن..
http://badralshraif.ucoz.com/blog/2/2013-04-24-22