التفسير المختصر - سورة البقرة (02) - الدرس (1-9) : تفسير الآيات 155-156-157 ، حكمة الله من المصائب التي يسوقها لعباده لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1994-02-20
15041
التفسير المختصر - سورة البقرة (02) - الدرس (1-9) : تفسير الآيات 155-156-157 ، حكمة الله من المصائب التي يسوقها لعباده
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1994-02-20
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام:
أخ كريم، من إخواننا الكرام، من هذا المسجد سألني قبل يومين أن أعالج موضوع المصيبة في هذا الدرس القصير، فهو موضوع كبير، وأن تعرف حكمة الله من المصائب التي يسوقها اللهُ لعباده فهذا جزءٌ من عقيدة المسلم، وأن تعرف حكمته البالغة من المصائب التي يسوقها لعباده فهذا يعينك على تقبلها، ويساعدك على أن تستفيد منها.
لقد قيل... من لم تُحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، فإذا الله عز وجل ساق لإنسان مصيبة ولم يستفد منها فهو المصيبة كلها، فهذا الإنسان مصيبة.
العلماء الأجلاء أفاضوا إفاضات واسعة حول حكمة المصائب، لكني أسوق لكم كلمة موجزة مركزة حول المصائب.
إخواننا الكرام ؛ المصائب نوعان في الأصل ؛ نوع يتجه إلى الكفار، ونوع يتجه إلى المؤمنين.
فمصائب الكفار... نوعان ؛ قصمٌ وردعٌ.
بمعنى أن الله سبحانه وتعالى إذا علم أن فلاناً لن يؤمن و الدليل:
?وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)?
(سورة هود: الآية 36)
فإذا علم الله سبحانه أن هذا الإنسان لن يزيده عمره إلا فساداً، ولن يزيده استمرار حياته إلا انحرافاً، يقصمه الله سبحانه وتعالى، وهذه مصائب قصمٍ، وهذا ما جرى لقوم نوح عندما أغرقهم الله بالطوفان.
أما مصائب الردع فإذا علم الله سبحانه وتعالى أن هذا الإنسان فيه بقيةٌ من خير، وفيه أثر من إيمان، فإنه يرسل له مصيبة لردعه عما هو فيه، فهذان النوعان هما مصائب أهل الدنيا، مصائب المنحرفين، ومصائب الكفار مصائب قصم و ردع.
لكنَّ المؤمنين لهم مصائب خاصة، تصور أنّ مؤمنًا مستقيمًا ومبتلًى، وهناك سيارة تمشي على طريق، سيارة منضبطة منتظمة جيدة، والطريق مستقيم، إذًا فأنا أشبِّه هذا المؤمن بالسيارة وأقول: هو مؤمن صالح لكنه يسير في عبادته على وتيرة بطيئة، ودون ما نشاط في محاولة زيادة جهده في عبادة ربه، واللهُ سبحانه يعلم أن باستطاعته زيادة نشاطه و إقباله على ربه، عندئذ تأتيه مصيبة (دفع) يدفعه الله بها إلى بابه ليزيد من إقباله على طاعة ربه، تمامًا كالسيارة التي هي صالحة وجيدة، و لكنها تسير بسرعة بطيئة، و يعلم صاحبها أنها مجهزة و قادرة على السير بسرعة أضعاف سرعتها الحالية، و كذلك يمكن أن يزيد في حمولتها، (فزيادة حمولتها رفع في الأجرة التي يتقاضاها) فيسوق له ما يجعله يضاعف من حمولتها (وهذه مصيبة رفع) فكما دفعه الله لبابه، رفع له من ثوابه.
فمصائب المؤمنين مصائب دفع، ومصائب رفع.
قال تعالى:
?وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)?
( سورة البقرة 155-157)
إنّ المستقيم على أمر الله، والمنضبط إذا أصابته مصيبة يستجيب اندفاعًا إلى الله، فقد تكون صلاته فاترة، والتجاؤه فاترًا، ودعاؤه فاترًا، وعبادته مفرغه من مضمونها، لكنه مستقيم، ماله حلال، غاض بصره، بيته إسلامي، إلا أن همته ضعيفة، وعبادته يغشاها فتور واضح.
فربنا عز وجل... يدفعه إلى بابه دفعاً، يدفعه إلى بابه مهرولاً، فيلجأ إلى باب الله عز وجل بمصيبة تلحقه لتردّه إلى الله ضارعًا منيبًا.
إخواننا الكرام ؛ المؤمن، له مستوى في معرفة ربه، معرفة قدرته، ومعرفة رحمته، فحينما تأتيه مصيبة، ويخاف من آثارها، ويلجأ إلى الله عز وجل مبتهلاً، عندئذ يرى أن الله هو الفعال، فيوقظه منها، على خلاف قوانين الأرض، ثم إنّه يرى أن الله يحبه.
فأية مصيبة يسوقها الله عز وجل للمؤمن تزيده معرفة بربه، وتزيده حباً له.
صدِّقْ بأنه لا يمكن لمؤمن بعد المصيبة أن يكون كما كان قبلها، فهو بعد المصيبة أكثر معرفة بالله، وأكثر محبة له.
أبداً !! فالمؤمن بعد كل مصيبة أكثر معرفة بقدرة الله، وأكثر إيماناً، وأنه هو الإله حقًّا، فصار أكثر محبة له، بالرحمة التي يراها من ربه، لذلك:
?وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)?
(البقرة: من الآية216)
هذه مصائب المؤمنين ؛ مصائب دفع، ومصائب رفع، فإذا كنت تتقاضى أجرةً عن كل طن خمسة آلاف ليرة، وعندك الآن طن واحد بسيارتك، ومن الممكن أن تأخذ عشرة أطنان، فكما أن السيارة التي تحمل طنًّا واحدا يمكن أن يحمل صاحبها أضعاف حمولتها تلك، فكذلك المؤمن الذي يريد أن يرفعه الله تعالى، إذْ يعلم أن هذا المؤمن قادر على بلوغ مرتبة أسمى و أعلى كتلك السيارة التي تزيد حمولتها فتأتيه (مصيبة رفع) ترفعه وتُعلي مقامه عند بارئها.
(( فَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ))
(رواه الترمذي)
فإذا كنت مستقيمًا ملتزمًا مطبقًا لأمر الله، وجاءتك مصيبة، فهذه من أجل أن يرفعك الله درجة أو درجات، وأن يرفع مقامك إليه.
وإذا كنت في فتور بعبادتك، بحكم الاعتياد، ودينك صار دينًا شكليًا، فالله وكنتَ مستقيمًا، فالله عز وجل يدفعك إلى بابه بطريقة ما.
فمصيبة المؤمنين...إما دفع إلى باب الله، وإما رفع في المقام.
يعني...السيارة تسير بسرعة خمسةٍ وعشرين كم/ الساعة، وبإمكانها أن تسير بسرعة مائة كيلومتر/ الساعة وتركتها تمشي على المائة، فمصائب المؤمن مصائب شده، فالأنبياء عندهم كمالات، وعندهم مشاعر نبيلة، لا تظهر إلا بالمصائب.
يخرج عليه الصلاة و السلام من مكة ثمانين كيلومترًا، ماشيًا على قدميه ليدعو أهل الطائف إلى الإسلام، ولينقذهم من النار، لكنهم ويسخرون منه، ويكذبونه، فيأتيه ملك الجبال ويقول له: يا محمد "صلى الله عليه وسلم"، أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لطبَّقتُ عليهم الجبلين، فيقول: لا ولكنْ: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ! يدعو لهم، ويعتذر عنهم، ولا يتخلى عنهم، فمصائب الأنبياء تكمل بكمالاتهم، ومصائب المؤمنين.. دفع من الله ورفع لمقاماتهم، ومصائب الكفار.. قصم لهم، إذا لم يكن فيهم خير، وإذا علِم أنّ فيهم بقية خير، كانت مصيبته لهم ردعًا.
فمصائب الكفار... قصم وردع.
ومصائب المؤمنين... دفع ورفع.
ومصائب الأنبياء... كشف لحقائقهم، فهُم أهل الكمالات.
وإذا فهِم الإنسان المصيبةَ فهذا الفهم الحلو يجعله يرضى عن الله.
وبينما كان واحدٌ يطوف حول الكعبة، قال: ربِّ هل أنت راضٍ عني ؟ وكان وراءه الإمام الشافعي، فقال له: يا هذا هل أنت راضٍ عن الله، حتى يرضى عنك، قال: ما هذا الكلام يا رجل، ومن أنت، قال أنا محمد بن إدريس الشافعي.
وقبل أنْ أختم حديثي أقول:
?إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)?
(سورة الرعد)
والحمد لله رب العالمين
التفسير المختصر - سورة البقرة (02) - الدرس (1-9) : تفسير الآيات 155-156-157 ، حكمة الله من المصائب التي يسوقها لعباده
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1994-02-20
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام:
أخ كريم، من إخواننا الكرام، من هذا المسجد سألني قبل يومين أن أعالج موضوع المصيبة في هذا الدرس القصير، فهو موضوع كبير، وأن تعرف حكمة الله من المصائب التي يسوقها اللهُ لعباده فهذا جزءٌ من عقيدة المسلم، وأن تعرف حكمته البالغة من المصائب التي يسوقها لعباده فهذا يعينك على تقبلها، ويساعدك على أن تستفيد منها.
لقد قيل... من لم تُحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، فإذا الله عز وجل ساق لإنسان مصيبة ولم يستفد منها فهو المصيبة كلها، فهذا الإنسان مصيبة.
العلماء الأجلاء أفاضوا إفاضات واسعة حول حكمة المصائب، لكني أسوق لكم كلمة موجزة مركزة حول المصائب.
إخواننا الكرام ؛ المصائب نوعان في الأصل ؛ نوع يتجه إلى الكفار، ونوع يتجه إلى المؤمنين.
فمصائب الكفار... نوعان ؛ قصمٌ وردعٌ.
بمعنى أن الله سبحانه وتعالى إذا علم أن فلاناً لن يؤمن و الدليل:
?وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)?
(سورة هود: الآية 36)
فإذا علم الله سبحانه أن هذا الإنسان لن يزيده عمره إلا فساداً، ولن يزيده استمرار حياته إلا انحرافاً، يقصمه الله سبحانه وتعالى، وهذه مصائب قصمٍ، وهذا ما جرى لقوم نوح عندما أغرقهم الله بالطوفان.
أما مصائب الردع فإذا علم الله سبحانه وتعالى أن هذا الإنسان فيه بقيةٌ من خير، وفيه أثر من إيمان، فإنه يرسل له مصيبة لردعه عما هو فيه، فهذان النوعان هما مصائب أهل الدنيا، مصائب المنحرفين، ومصائب الكفار مصائب قصم و ردع.
لكنَّ المؤمنين لهم مصائب خاصة، تصور أنّ مؤمنًا مستقيمًا ومبتلًى، وهناك سيارة تمشي على طريق، سيارة منضبطة منتظمة جيدة، والطريق مستقيم، إذًا فأنا أشبِّه هذا المؤمن بالسيارة وأقول: هو مؤمن صالح لكنه يسير في عبادته على وتيرة بطيئة، ودون ما نشاط في محاولة زيادة جهده في عبادة ربه، واللهُ سبحانه يعلم أن باستطاعته زيادة نشاطه و إقباله على ربه، عندئذ تأتيه مصيبة (دفع) يدفعه الله بها إلى بابه ليزيد من إقباله على طاعة ربه، تمامًا كالسيارة التي هي صالحة وجيدة، و لكنها تسير بسرعة بطيئة، و يعلم صاحبها أنها مجهزة و قادرة على السير بسرعة أضعاف سرعتها الحالية، و كذلك يمكن أن يزيد في حمولتها، (فزيادة حمولتها رفع في الأجرة التي يتقاضاها) فيسوق له ما يجعله يضاعف من حمولتها (وهذه مصيبة رفع) فكما دفعه الله لبابه، رفع له من ثوابه.
فمصائب المؤمنين مصائب دفع، ومصائب رفع.
قال تعالى:
?وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)?
( سورة البقرة 155-157)
إنّ المستقيم على أمر الله، والمنضبط إذا أصابته مصيبة يستجيب اندفاعًا إلى الله، فقد تكون صلاته فاترة، والتجاؤه فاترًا، ودعاؤه فاترًا، وعبادته مفرغه من مضمونها، لكنه مستقيم، ماله حلال، غاض بصره، بيته إسلامي، إلا أن همته ضعيفة، وعبادته يغشاها فتور واضح.
فربنا عز وجل... يدفعه إلى بابه دفعاً، يدفعه إلى بابه مهرولاً، فيلجأ إلى باب الله عز وجل بمصيبة تلحقه لتردّه إلى الله ضارعًا منيبًا.
إخواننا الكرام ؛ المؤمن، له مستوى في معرفة ربه، معرفة قدرته، ومعرفة رحمته، فحينما تأتيه مصيبة، ويخاف من آثارها، ويلجأ إلى الله عز وجل مبتهلاً، عندئذ يرى أن الله هو الفعال، فيوقظه منها، على خلاف قوانين الأرض، ثم إنّه يرى أن الله يحبه.
فأية مصيبة يسوقها الله عز وجل للمؤمن تزيده معرفة بربه، وتزيده حباً له.
صدِّقْ بأنه لا يمكن لمؤمن بعد المصيبة أن يكون كما كان قبلها، فهو بعد المصيبة أكثر معرفة بالله، وأكثر محبة له.
أبداً !! فالمؤمن بعد كل مصيبة أكثر معرفة بقدرة الله، وأكثر إيماناً، وأنه هو الإله حقًّا، فصار أكثر محبة له، بالرحمة التي يراها من ربه، لذلك:
?وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)?
(البقرة: من الآية216)
هذه مصائب المؤمنين ؛ مصائب دفع، ومصائب رفع، فإذا كنت تتقاضى أجرةً عن كل طن خمسة آلاف ليرة، وعندك الآن طن واحد بسيارتك، ومن الممكن أن تأخذ عشرة أطنان، فكما أن السيارة التي تحمل طنًّا واحدا يمكن أن يحمل صاحبها أضعاف حمولتها تلك، فكذلك المؤمن الذي يريد أن يرفعه الله تعالى، إذْ يعلم أن هذا المؤمن قادر على بلوغ مرتبة أسمى و أعلى كتلك السيارة التي تزيد حمولتها فتأتيه (مصيبة رفع) ترفعه وتُعلي مقامه عند بارئها.
(( فَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ))
(رواه الترمذي)
فإذا كنت مستقيمًا ملتزمًا مطبقًا لأمر الله، وجاءتك مصيبة، فهذه من أجل أن يرفعك الله درجة أو درجات، وأن يرفع مقامك إليه.
وإذا كنت في فتور بعبادتك، بحكم الاعتياد، ودينك صار دينًا شكليًا، فالله وكنتَ مستقيمًا، فالله عز وجل يدفعك إلى بابه بطريقة ما.
فمصيبة المؤمنين...إما دفع إلى باب الله، وإما رفع في المقام.
يعني...السيارة تسير بسرعة خمسةٍ وعشرين كم/ الساعة، وبإمكانها أن تسير بسرعة مائة كيلومتر/ الساعة وتركتها تمشي على المائة، فمصائب المؤمن مصائب شده، فالأنبياء عندهم كمالات، وعندهم مشاعر نبيلة، لا تظهر إلا بالمصائب.
يخرج عليه الصلاة و السلام من مكة ثمانين كيلومترًا، ماشيًا على قدميه ليدعو أهل الطائف إلى الإسلام، ولينقذهم من النار، لكنهم ويسخرون منه، ويكذبونه، فيأتيه ملك الجبال ويقول له: يا محمد "صلى الله عليه وسلم"، أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لطبَّقتُ عليهم الجبلين، فيقول: لا ولكنْ: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ! يدعو لهم، ويعتذر عنهم، ولا يتخلى عنهم، فمصائب الأنبياء تكمل بكمالاتهم، ومصائب المؤمنين.. دفع من الله ورفع لمقاماتهم، ومصائب الكفار.. قصم لهم، إذا لم يكن فيهم خير، وإذا علِم أنّ فيهم بقية خير، كانت مصيبته لهم ردعًا.
فمصائب الكفار... قصم وردع.
ومصائب المؤمنين... دفع ورفع.
ومصائب الأنبياء... كشف لحقائقهم، فهُم أهل الكمالات.
وإذا فهِم الإنسان المصيبةَ فهذا الفهم الحلو يجعله يرضى عن الله.
وبينما كان واحدٌ يطوف حول الكعبة، قال: ربِّ هل أنت راضٍ عني ؟ وكان وراءه الإمام الشافعي، فقال له: يا هذا هل أنت راضٍ عن الله، حتى يرضى عنك، قال: ما هذا الكلام يا رجل، ومن أنت، قال أنا محمد بن إدريس الشافعي.
وقبل أنْ أختم حديثي أقول:
?إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)?
(سورة الرعد)
والحمد لله رب العالمين