نزلة سرقنا

التنفس هو إيقاع الشهيق والزفير الذي يبقي الإنسان على قيد الحياة ؛ وتُشتَق الكلمتان ( نفَس ونفْس ) من الجذر ذاته .
من دون نفَس يكون الجسم مجرّد شكل جامد لا حياة له ، ومن دون النفْس ( الروح ) لا معنى للحياة . أن لا يتنفّس الإنسان يعني أن يموت جسدياً ؛ وأن يكون من دون نفْس هو أن يموت روحياً في داخله . وفي حالة موت الانسان فالنفْس والنفَس يتركا الجسد .
*** يمثّل جهاز التنفس استقلالية ورغبة الإنسان في الحياة . من الأنف إلى الرئتين يدخل النفَس ويُزَوّد الجسم بالأوكسجين ويخرج .. إن النفَس لا يحمل فقط الحياة الضرورية ، وإنما إيقاعَهُ عندما يكون طبيعياً ( فطري وصحيح ومنتظم ) يعمل على تهدئة الذّهن وزيادة تركيزه ، فإن مراقبة دخول الهواء وخروجه أثناء عملية التنفس هي أساس معظم أشكال التأمل التقليدية .
النَفَس يعطينا الحياة لكنـهُ ( النفَس ) ليس لنا لنحتفظَ به ، إنه يأتي من الخارج ، وإن ذلك يقتضي أن نظلَّ واعينَ للعالم الذي نعيشُ فيه ونشارك فيه باستمرار. لا يمكننا امتلاك النفَس ، ولا نحصل عليه إلاّ شريطة أن نهَبُهُ من جديد ؛ فعندما نزفرُ الهواء هناك دائماً شخصٌ آخر يُدخِل الهواء ؛ إننا جميعاً نشارك بالهواء نفسه ، فنحنُ نتنفّسُ الهواء ذاته الذي يتنفّسَه أحباؤنا وأعداؤنا ، إنها حركة أخذ وعطاء . لكن هذه الحركة الدائمة تتطلّب الثقة بأننا عندما نتخلّى عن هذا النفس سنجدُ نفساً آخر نأخُذَهُ ؛ من هنا تكون الثقه بان العالم سيدعمنا ويساندنا وباننا لن نُخذَل ْ وبالتالي فإن مشاكل التنفس مرتبطة بالشعور بعدم الأمان وعدم الثقة ؛ لا سيما إذا كانت ولادة المرء صعبة ، أو أنه خُذِلَ عاطفياً في طفولته .
يحدد التنفس دخولنا إلى هذا العالم ، فعندما نأخذ نفسنا الأول نعلِنُ استقلالنا ونعلن انفصالنا عن أمنا التي كانت تتنفّس عنّا ، لذا فإن مشاكل التنفس قد ترتبط بالشعور بعدم الاستقلال أو بعدم الأمان أو الثقة في قدرتنا على التنفس أو الحياة بمفردنا ؛ وقد يعود هذا إلى تسلُّط واستبداد أحد الوالدين ، ويكون عادةً الأم أو الشريك فيما بعد ، الذي يتنفس عنا عبر السيطرة على حياتنا والتحكم بها ، ويُحبِط بالتالي أي محاولة نقوم بها لتحقيق استقلالنا .

**** ترتبط صعوبات ومشاكل التنفس بالشعور بعدم الوضوح فلا نعرف من أين نبدأ وكيف ننتهي ، لذا فمن السهل على الآخرين تولي زمام الأمور أو التنفس عنا عبرَ التأثير أو السيطرة علينا . ويمكن أن تظهر مشاكل تتعلّق بالسيطرة الشخصية إذا شعر الشخص أنه مخنوق أو غير قادر على التنفس وحدهُ ؛ يخسر الشخص في هذه الحالة قوّته الشخصية أو استقلاله الذاتي ، وقد يؤدي ذلك إلى إعاقة التنفس .
إن كل شعور نختبرهُ ينعكس على عمق النفَس وطوله ونوعه ، من التنفس السطحي والسريع في أوقات الهلع أوالضغط النفسي إلى التنفس العميق الكامل في أوقات الاسترخاء التام .*

عندما نشعر بالحزن أو الخوف أو الغضب ، نلهث محاولين التقاط أنفاسنا ، فالغضب يجعل التنفس سطحياً وسريعاً ؛ في حين أن الخوف يجعلنا نحبس أنفاسنا أو نتنفس بسرعة كبيرة ؛ أما الحزن فيجعلنا نغصُّ ونلهثُ ونتنفسُ بغير انتظام .
*عندما نتنفس بعمق ينفتح الصدر كما يحدث عندما نشعر بالفرح والسعادة ويزول التوتر الداخلي . فإذاً عمِلْنا على تنظيم تنفسنا سنتمكن من تغيير إنفعالاتنا ومشاعرنا . يمكن للمرء التحقق من ذلك من خلال ممارسة تمرين التنفس ومراقبة كيفية تغيير انفعالاته كلما ازداد تنفسَهُ عمقاً ، فبمجرّد نقل نقطة التركيز إلى حركة الشهيق والزفير يمكن للمرء التحكم بمستوى الضغط النفسي .

تمرين التنفس :
اجلسوا أوتمددوا بشكل مريح وراقبوا انفعالاتكم كيف تتحوّل إلى توتر وهلَع وخوف . عليكم أن توقفوا عن هذا النمط قبل أن يزعجكم ، أما إذا كنتم تتنفسون بهذه الطريقة أصلاً فلا بد أن تنتبهوا إلى ذلك التنفس السطحي كيف يثير لديكم الضغط النفسي . تنفسوا الآن من وسط الصدر ويجب أن تركزوا على منطقة القلب أو تحتها مباشرةً ، إنه مكان طبيعي إلى حدٍّ ما للتنفس ، راقبوا كيف يصبح تنفسكم أعمق وكيف تتغيّر مشاعركم ، فتصبح أكثر هدوءً وسكوناً ، انتبهوا إلى أي انفعالات أخرى قد تظهر ، تابعوا التنفس بهذا الشكل للمدة التي تريدونها .
تنفّسوا الآن من البطن : ركّزوا على نقطة تحت السرة بـ 2 سينتيمتر تقريباً ، أما لتحقيق ذلك عليكم أخذ نفَس أعمَق وأطوَل ، هذا يعني أن يكون الحجاب الحاجز مسترخياً ، إذا وجدتم صعوبة في ذلك حاولوا التنفس من البطن بعد أن تتمددوا على الأرض وتثنوا ركبتيكم ، استمروا بالتنفس من البطن قدر ما ترغبون ، ولاحظوا كيف تصبح إنفعالاتكم أكثر هدوءً وسكوناً وتشعرون بسلامٍ عميق .