السلام نوعان
للسلام نوعان، النوع الأول هو سلام منقول ومفروض، وهو سلام رقيق يبقى على السطح الخارجي من وعينا وإدراكنا... لا يتعدى سماكة جلدنا أو أقل من ذلك... لذلك فأي خدش بسيط لذلك الغطاء، سيظهر الباطن ويكشف الباطل الذي نسعى لإخفائه باستمرار... فالسلام هنا هو قناع يخفي حقيقة ما نملك من غضب وحرب وانقسام... ذلك القناع يكوّن الشخصيّة المخصية الخالية من أي ميزة أو خاصية والتي نبقيها حتى لا نظهر حالنا وداخلنا...
هذا السلام هو مجرّد خداع، لأن في داخلنا شخص وخارجنا شخص آخر يدّعي العرفان... ذلك يخلق حال من الانقسام بعيداً عن السلام والوئام... سيكون الصراع هو العنوان بين الداخل والخارج، بين الشخص الحقيقي المنتظر في داخلك والمليء بالحقد والكراهية، وبين الشخص الجالس في خارجك ويظهر السلام والسكينة... المزيّف هو نتاج المجتمع لذلك يلقى الترحيب والتهليل أما الداخل فهو الحقيقة ومع الجماعة لذلك يلقى الترهيب والتذليل... لكن الداخل هو الذي يملك كل مكنوناتك وكيانك، أما الخارج فليس لديه سوى القناع الذي يكون سهل الكسر والضياع... لذلك عليك أن تمضي حياتك في تعلّم فن منع الداخل ورفع الخارج، حتى تستمر في لبس القناع وتبقي على الانشقاق والضياع لتكون مقبولاً ومهبولاً في المجتمع... عليك أن تبقي الخارج جاهزاً وحاضراً لدفن الداخل ودفعه ليبقى في مكانه ومكانته... ولكن في داخلك أنت تعرف وتعترف لنفسك بخطأك فيبدأ الشعور بالندم والألم دون حل أو عمل...
أما النوع الثاني فهو سلام ينمو من داخلك ويزهر في خارجك... لا يمكنك اصطناعه أو اختياره، بل يحدث لك بعد التأمل والتفكّر في ذاتك... هو ليس شخصيّة أو قناع بل هو شروق وإبداع... لا يمكنك أن تلبسه من الخارج فقط وإنما يفوح من عطر التأمل... هو يأتي إليك عندما تكون في حال من الاستسلام والقبول بلا أي حاجز أو قيود... يلمع في داخلك كخيط من نور الشمس في غرفة مظلمة، يخترق قلبك وكيانك ويحوّل روحك ونفسك... عندها فقط ستختبر ما هو السلام والحياة بعيداً عن الانقسام... ستعرف معنى الذوبان في المحيط... عندها ستصبح الابتسامة هي وسامة وليست وساماً ليراه المجتمع، ستكون في قلبك مزروعة وتحصد ثمارها في كل كيانك... هذا السلام يزيل كل الأقنعة ويظهر الجوهرة التي في داخلك... ستختبر الوئام لأن الصراع قد ذهب... وفي هذا الوئام ستجد الحُبَّ والسلوان لأن الحرب في داخلك انتهت وللمرة الأولى هناك منتصر وهو أنت... ذلك النصر سيرمي عليك النور وسيرى الكل حولك هذا السرور النابع من قلبك ومن هدوءك وتوحدك مع نفسك...
لذلك لا تحاول فرض السلام على نفسك أبداً... كل ما عليك فعله هو أن تكون جاهزاً لاستلام السلام... أي عليك أن تتوقف عن لبس القناع وفرض الكمال من الخارج... لأن الجهد الذي تبذله هو الذي يعيق الزهور عن نشر العطور... عليك أن تكون مستقبِلاً وليس مرسلاً... عليك أن تزيل الجدار الذي يقف بينك وبين الكون والمكوّن... عندما تزيل ذلك الجدار وتجعل نفسك جاهزاً للنور عندها فقط سيدخل إليك البريق وينير ما داخلك من ظلمة وسواد... وكأنك في منزل وجميع الأبواب والنوافذ مغلقة... ليس عليك أن تخلق النور والهواء والأمطار حتى تنعم بها... فقط افتح النوافذ والأبواب وكل ما في المنزل من عتمة وسواد ستختفي... أما إذا أردت أن تصنع كل تلك النعم فستبقى غارقاً في ظلامٍ أحلك لأنها مجرد خدعة، وإن وجد أي بشاعة في هذا الكون فهو بسبب الخدع والاصطناع... عندها ستظن نفسك أنك تحيا ولكن في الحقيقة فأنت أبعد ما يمكن عن الحياة...
لذلك عليك أن تحيا، بالمعنى الحقيقي للحياة... بالطبع عليك أن تدفع ثمن هذا الخَيار... أيّها الحق لم تترك لي صديق... ولكن ذلك الثمن هو بخس إذا ما قارنته مع ما أنت فيه...
كن صادقاً وصريحاً مع نفسك إلى أبعد الدّرجات والمقاييس... لا تساوم ولا تكذب على نفسك أبداً لأن الثمن سيكون روحك نفسها... ومهما ملكت بعد ذلك ستكون أنت وحدك الخاسر... لأنه إذا ملكت كل شيء وخسرت نفسك وروحك فماذا ملكت؟؟؟