خشيبة الفوقا

من جانبي مرت تمشي الهوينا تحسبها عجلى لكنها كالجدول مانقضت ... فعيناي تلمحها ما زالت ..غير ان الجرأة اعيتني ان ارجع البصر كرتين اذ هي لا تلتفت ابدا.. ولم التفاتها وهي اعرف بطريقها من ماء نهرنا المتلعثم خوفا" من خطى الاغراب . كيف وقد امسكت بخيوط الشمس منذ اشرقت على وادٍ غير ذي زرع فاينع الطهر وتناثر الودق .. هي جاءت مع من جاءوا رجالا" وعلى كل ضامر. أخذ الكل أُخذاتهم وحازت عفة العذراء وطهارة الزهراء .. عبثا" ان حاولت قراءة عيونها بغير وحي السماء بل ضربا" من المستحيل .وهل تكون العقائد من غير المعصوم !!.. انا بفطرتي عرفت انها دائما" هناك في مركز الكون .حيث تفسر بلتفاتتها الليل والنهار .. وان اظعنت شرقا" وغربا" وتعددت لغاتها .فلا ضير فالمسافة تسافر اليها .والمساحة تختزل في عينيها ... وعلى بياض كفها يكتب التاريخ اسفاره وبين يديها ترسم خارطة المجد .. في مهدها رضعت لبن حواء بطعم الجنان .وعلى جنيِّ الرطب كان فطامها حين هزت اليها البتول بجذع النخلة .فصارت مزيجا" من الملائكية والصفاء ..
فها هي تتخذ من قومها مكانا" شرقيا" حين تغربوا وتتطرفوا .لتسدل على رونقها الممشوق هالة من العفاف .تفقأ به عين المجون وتدحر جموع الخسة المتهالكين على نجيع الفتنة .يسوسهم اقزامهم في ركب الغيِ لصيد النطيحة والمتردية وما أُهل به للخنا والمجون ... وتبقى هي تسحر العارفين بالجمال بصمتا" نذرته منذ المحراب وزكريا .ولكن همس العيون وشهد الشفاه نصب منارة" لآذآن الغروب ولبى النداء حنظلة فارتقى... .. أما انا فما خنت عهدا" ولا بحت سرا" ولا بيومٍ كنت نديما" لابي نواس ولا عنترة وقيس ..انا اروي سيرة أمرأة" جاوزت الالف عام ونيَف .انجبت أمة" وما زالت عذرا .....