بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا طيبا مباركا فيه
الحمد لله الذي حقق الحقائق وأوضح الطرائق والصلاة والسلام على مولانا محمد سيد الخلائق المخصوص بتواتر المعجزات والحقائق وتظاهر الخوارق. ورضي الله تعالى عن أصحابه الأعلام الذين أظهر الله منهم دينه القويم في أقصى المغارب والمشارق.
وبعد : قال الله تعالى فى كتابه الكريم :" (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الحديد:4] ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235] ، (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) [الأحزاب:52] .
وقول الرسول الامين صلى الله عليه وسلم : { لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباءً منثوراً } ، قيل: يا رسول الله صفهم لنا، جلّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: { أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها }.
قد يكون الانسان تقى امين يبتعد عن المعاصى والذنوب اذا كان فى صحبه الاخرين وعلى مرمى ومشهد من ابصارهم ولكن اذا خلى بنفسه وغاب عن اعين الصحبه ، اطلق لنفسه العنان فإقترف المعاصى والكبائر ما كبر منا وما صغر ، يقول الله سبحانه وتعالى :" ( وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً ) [الإسراء:17] ، ( وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) [البقرة: 74]. " .
ولو كان بحضرته طفل لامتنع من الوقوع فيه، فصار حياؤه من هذا الطفل أشد من حيائه من الله جل وعلا، مستحضراً قول الله تعالى: " ( أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ )[البقرة:77] ، ( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ )[التوبة: 78]. " .
إن المراقبه لكلمه توحى للنفس بمعان جميله جليله نبيله و مقاصد وغايات سامية .
بالمراقبة يذكر الله فى السر والعلن .بالمراقبه نعرف الله ونحبه .
بالمراقبه يناجى العبد مولاه فى ثلثه من الليل الاخر .
بالمراقبه تمنع النفس هواها. بالمراقبه تؤدى الواجبات والحقوق والامانات .
بالمراقبه تذرف الدموع وتخش القلوب للواحد القدوس .
يزيد جمال الحياة وصلاح النفوس وسعاده الناس .
يقام العدل فى النفوس ويأخذ كل حق حقه .
والكثير والكثير .....
أرأيت كيف تكون المراقبة وأثرها في النفس ومع الله ومع الناس وفي الحياة . وبدونها لنرى كيف يعصى المرء الله ويطع الشيطان ويضعف الإيمان ؟. كيف تنتهك الحرمات وتضيع الأمانات ؟. كيف ينتشر الفساد والظلم ؟. بدونها يضعف الأمن في الأوطان واندحار القيم والأخلاق فيحصل الإرهاب بجميع صوره وأشكاله . بدونها يغشى الحياء وينتحر العفاف وينزع الحجاب ويحدث الغش والخداع والرشوة والخيانة والضياع .
هذه هى رقابة الله ورقابة الذات (النفس) .
المراقبة : علم القلب بقرب الرب .
المراقبة : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
المراقبة : أن تعلم أن نظر الله إليك أسبق من نظرك لما تنظر إليه .
رساله إلى كل من ضيع الصلوات وارتكب المحرمات . إلى كل من ابتلي بالفساد والرذيلة . إلى كل من خان الأمانة . إلى كل من تعلق قلبه بالمواقع الإباحية والصور المحرمة والتمتع بالمحرمات .
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
رساله من الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة مع بعض أصحابه فاستراحوا قليلا في الطريق فمر عليهم راع من جبل.فقال له عمر : يا راعي الغنم بعنا شاة .فقال الراعي : إنه مملوك – أي أنا عبد مملوك - .قال له عمر : قل لسيدك أكلها الذئب .فرفع الراعي رأسه إلى السماء وقال: أين الله .فبكى عمر واشترى الغلام من سيده واعتقه .
رسالة من أبي جعفر السائح :قال:
( كان حبيب أبو محمد تاجراً يكري الدراهم، فمر ذات يوم بصبيان فإذا هم يلعبون، فقال بعضهم لبعض: قد جاء آكل الربا. فنكس رأسه، وقال: يا رب، أفشيت سري إلى الصبيان. فرجع فجمع ماله كله، وقال: يا رب، إني أسير، وإني قد اشتريت نفسي منك بهذا المال فاعتقني، فلما أصبح تصدق بالمال كله، وأخذ في العبادة، ثم مرّ ذات يوم بأولئك الصبيان، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: اسكتوا فقد جاء حبيب العابد. فبكى، وقال: يا رب، أنت تذم مرة وتحمد مرة، وكله من عندك ).
المراقبة أن تعبد الله بأسمائه الحسنى:
إن المراقبة هي التعبد لله بأسمائه: "الرقيب، الحفيظ، السميع، العليم، الخبير، البصير، الشهيد، والمحصي".فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة.
الرقيب:
الله سبحانه وتعالى هو الرقيب، يعلم أحوال عباده، حفيظ لا يغفل، ويعد أنفاسهم، وحاضر لا يغيب.قال تعالى سبحانه وتعالى في قول عيسى لربه:" (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة:117]. " .كُن أبدًا كأنك ترى الله. وإعلم أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور.
الحفيظ:
قال تعالى:" (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [سـبأ:21] ."، فمن ادرك ذلك حفظ قلبه وجوارحه من معصية الله .
العليم:
فمن ادرك أن الله سبحانه عالم بكل شيء، راقب ربه واستحيا منه، وكف عن معصيته، قال تعالى:" (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [الملك:13]."
من أعجب الأشياء أن تعرف الله ثم تعصيه، وتعلم قدر غضبه ثم تعرض نفسك له، وتعرف شدة عقابه ثم لا تطلب السلامة منه، وتذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تهرب منها ولا تطلب الأنس بطاعته .إن تقوى الله في الغيب، وخشيته في السر، دليل كمال الإيمان، وسبب حصول الغفران، ودخول الجنان، بها ينال العبد كريم الأجر وكبيره .
( ابن آدم، والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك، فراقبهم، واتق الله في سرك وعلانيتك، فإنه لا يخفى عليه خافية، الظلمة عنده ضوء، والسر عنده علانية، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل، ولا قوة إلا بالله ).
قال ابن الأعرابي:
( آخر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد ).
كان بكر المزني يدعو لإخوانه:
( زهّدنا الله وإياكم في الحرام، زهادة من أمكنه الحرام والذنب في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه ).
وقال بعضهم:
( ليس الخائف من بكى فعصر عينيه، إنما الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام إذا قدر عليه ).
قال عامر بن قيس:
ما نظرتُ إلى شيءٍ إلا رأيتُ الله تعالى أقرب إليه مني.
قال ابن رجب:
( فتقوى الله في السر، هي علامة كمال الإيمان، ولها تأثير عظيم في إلقاء الله لصاحبها الثناء في قلوب المؤمنين ).
قال أبو الدرداء:
( ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر، يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله له البغض في قلوب المؤمنين ).
وقال سليمان التيمي:
( إن الرجل ليصيب الذنب في السر، فيصبح وعليه مذلته ).
وقال غيره:
( إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله ثم يجيء إلى إخوانه فيرون أثر ذلك الذنب عليه ).
قال وهب بن الورد:
( خف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه قدر قربه منك ).
وقال:
( اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك ).
وقال بعضهم:
( عجبت من ضعيف يعص قوياً ).
قال سفيان الثوري:
( إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئاً ).
وودّع ابن عون رجلاً فقال:
( عليك بتقوى الله، فإن المتقي ليست عليه وحشة ).
قال زيد بن أسلم:
( كان يقال: من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا ).
ولنا فى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم اسوى حسنة كان من دعائه أن قال:
{ أسألك خشيتك في الغيب والشهادة }. - يا حبيبي يا رسول الله -.
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى فقد عزّ في الدارين واستوجب الثنا
فإن خالف الإعلان سراً فما له على سعيه فضل سوى الكدّ والعنا
اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة والسر والعلن
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.