التذكر والتكرار
التذكر والتكرار
يلعب التكرار دوراً هاماً في عملية التذكر، وهو حلقة ضرورية في كل عملية تعلمية، وأمر لابد منه لاستكمال مهمة الاستيعاب الشامل والمتعدد المستويات للمواد الدراسية، لكن على الرغم من لزوم التكرار فإن التذكر لا يتوقف على عدد التكرارات قدر ارتباطه بالتنظيم السليم لها. فتنظيم التكرارات لا يقل أهمية عن التكرار نفسه، إذ لا يجوز على سبيل المثال البدء بتكرار المادة بعد نسيان مقدار قليل أو كثير منها كما لا يجوز تكرارها قبل فهمها إلا أن التكرار يكون ذا تأثير إيجابي عندما يكون عقلانياً وفعالاً ولعل من أحسن أشكال التكرار هو التكرار الذي يعتمد على ادخال المادة الدراسية بصورة متقنة في النشاط أو التعلم المقبل. لقد بينت الأعمال التجريبية أن المادة الدراسية التي سبق تعلمها عندما تدخل في منظومة جديدة من المسائل على نحو تكون فيه كل خطوة أو مادة سابقة ضرورية للخطوة أو المادة التالية لها وعندئذ فإن التكرار لأي مادة يتم في كل مرة في سياق جديد وفي علاقات جديدة وفي ظل مثل هذه الشروط للتكرار فإن المعلومات المتكررة يتم تذكرها جيداً ويعاد فهمها من جديد وبالتالي يؤدي التكرار إلى التثبيت والتجديد وإعادة البناء.ويمكن القول بصورة عامة أن المرور المتكرر للمعلومات في الذاكرة ولا سيما في القصيرة المدى يقوم بوظيفتين.
1) إحياء المعلومات المحفوظة في الذاكرة القصيرة المدى لتجنب نسيانها.
2) نقل المعلومات إلى الذاكرة الطويلة الأمد مما يؤدي إلى رسوخ آثار هذه الذاكرة.
ينظر بعض العلماء إلى التكرار ككلام داخلي أو كلام غير منطوق وهذا ما يشير إليه (سبيرلنغ Sperling 1967) حيث لاحظ المفحوصين أثناء عمليات التذكر يلفظون الأحرف أو الكلمات (سراً) وان الخطأ في اللفظ أو النطق يقود إلى أخطاء في التذكر، لكن هذا النوع من التكرار لا ينطبق إلا على الترميز السمعي في الذاكرة القصيرة المدى.
أما التكرار الذي يقود إلى نقل العناصر من الذاكرة القصيرة المدى إلى الذاكرة الطويلة المدى وإلى رسوخ آثارها فقد تم البرهان عليه في التجارب التي قام بها كل من (راندوس Rundus 1971)، (اتكنسون Atkinson 1970)، ففي إحدى التجارب الخاصة بالاسترجاع الحر عرضت على المفحوصين قائمة كلمات بمعدل كلمة كل خمس ثوان حيث كان على المفحوص أن يتذكر هذه القائمة مكرراً بعض الكلمات جهرياً خلال الخمس ثوان الفاصلة بين كل كلمة وأخرى المفحوص لم يرغم على تكرار كلمات محددة وإنما تركت له حرية اختيار الكلمات التي يود تكرارها وقد تبين أن هناك علاقة بين إمكانية استرجاع هذه الكلمات المنتقاة وبين عدد مرات تكرارها بصوت جهري. لكن (راندوس) يعلق على هذه النتائج قائلاً إن التكرار ليس سبباً كافياً للتذكر الأفضل كما أن التكرار لا يقود حتماً إلى انتقال المعلومات إلى الذاكرة الطويلة المدى. وقد تم التدليل على صحة هذا القول من خلال النتائج التي توصل إليها كل من (كريك Craik 1973) و(ودورد Wodword 1973) وملخصها أن عدد التكرارات لعنصر ما ليس له تأثير إيجابي دائم على الاسترجاع المقبل لهذا العنصر.