اليقين روح أعمال القلوب
اليقين روح أعمال القلوب
السلام عليكم ورحكة الله وبركاتة
إن العمل الذي تبدأ به أعمال القلوب جميعاً هو العلم. ولذلك الإمام البخاري رحمه الله جعل ترجمة في صحيحه: '' باب العلم قبل القول والعمل وقول الله - تبارك وتعالى -: فَاْعلَمْ أَنَّهُ لاْ إِلَه إِلاْ الله وَاْسّتَغْفِرْ لِذَنْبِك [محمد:19] '' فأول ما يطرق قلب المؤمن من معرفة الرب تبارك وتعالى والإيمان به هو العلم، وهو أن يعلم أنه لا إله إلا الله، وهذه هي شهادة الحق التي فسر بها بعض السلف قول الله تبارك وتعالى إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86]
وهي: الصدق الذي فسر به بعض السلف أيضاً قول الله تبارك وتعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر:33] وهي أيضاً الكلمة الباقية التي يفسر بها قول الله تبارك وتعالى: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:28].
واليقين أعلى مقامات الدين،
.. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن منزلة اليقين: "هو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافسَ المتنافسون، وإليه شمَّر العاملون، وعملُ القوم إنما كان عليه وإشاراتُهم كلُّها إليه،
وإذا تزوَّج الصبر باليقين وُلد بينهما حصول الإمامة في الدين. قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].
وخصَّ سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال وهو أصدق القائلين: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات:20].
وخصَّ أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالَمين، فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[البقرة:4، 5].
وأخبر عن أهل النار أنهم لم يكونوا من أهل اليقين، فقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ)[الجاثـية:32].
فاليقين روح أعمال القلوب التي هي روح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصِّدِّيقية، وهو قُطب هذا الشأن الذي عليه مداره".
علاقة العلم باليقين
إن العمل القلبي الذي هو زيادة واستمرار ونماء لهذا العلم ولهذه المعرفة هو اليقين، فإذاً نستطيع أن نستنتج نتيجة وهي: أنه ليس كل عالم موقن.
العلم هو أساس اليقين، وأما ضده ونقيضه فهو الشك والريب، ولهذا يقول المشركون في إيمانهم بالساعة: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية:32] أي: ليسوا على يقين وإنما هم في ظن، وهذا الظن خالطه الشك بمعنى الريب.
لأن الظن يأتي بمعنى العلم كما في قوله تعالى: فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا [الكهف:53] وما أشبه ذلك، لكن المقصود هنا: ما كان فيه شك، فهؤلاء هم أصحاب الشك في الآخرة: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66] أو في شك من الله تبارك وتعالى الذي قال: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ [إبراهيم:10]، تعالى عن ذلك عز وجل في أي أمر من أمور الغيب، فهذا الشك وهذا الظن ينـزل أصحابه عن درجة اليقين بل عن درجة العلم.
التوكل ثمرةُ اليقين:
و"التوكُّل ثمرتُه ونتيجتُه، ولهذا حسُن اقتران الهدى به؛ قال تعالى: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [النمل:79]. فالحقُّ هو اليقين.
وقالت رسُل الله: (وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا) [إبراهيم:12]. ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورًا وإشراقًا، وانتفى عنه كلُّ ريب وشكٍّ وسُخْطٍ، وهمٍّ وغمٍّ، فامتلأ محبَّةً لله وخوفًا منه، ورضًا به وشكرًا له، وتوكُّلاً عليه، وإنابةً إليه؛ فهو مادَّة جميع المقامات والحامل لها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرُها بالبخل والأمل".[أخرجه أحمد في الزهد، وحسنه الألباني].
وقال صلى الله عليه وسلم: "نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد، ويهلِك آخِرُها بالبخل والأمل". [رواه ابن أبي الدنيا، وحسنه الألباني].