السكينة الساكنة

لقد تحول العقل إلى ديكتاتور ظالم، يحاول السيطرة على كل العوالم... لم يعد خادماً أميناً بل مخادعاً كبيراً، فكرٌ محشو بالأفكار والدمار وما هي إلا أوهام وأحلام وزحام، إنها حواجز تفصلنا عن الحقيقة، وتباعد بيننا وبينها....
لا حل إلا بالتأمل.... لأن الحقيقة تنجلي وتتجلّى بالتأمل والتفكر، لا بالتفكير والتركيز...
إنها في نبض القلوب أبدية أزلية، لا تقبل الشك أو الظن..
فلننصت إلى أعماقنا.. ولنصغي إلى صمتنا وسكينتنا فالحقيقة فينا ولكننا انشغلنا وانشغلنا حتى انطفينا وتلاشينا...

هناك شيء مشترك بين النوم والتأمل: إنه الصمت... وسبب معاناة العديد من الناس من الأرق أنهم يحاولون التحكم في كل شيء حتى بالنوم، وتلك هي المشكلة...
ليس عليك القيام بأي شيء لمواجهة الأرق..استرخِ فحسب.. وانتظر قدوم النوم.... وطريقة التأمل هذه بسيطة للغاية:

اجلس في السرير.. استرخِ.. أغمض عينيك.. وتخيل نفسك ضائعاً تائهاً بين الجبال... الليل حالك السواد، القمر غائب، والغيوم ملبدة في كبد السماء... لا تستطيع رؤية أي شيء، ولا حتى نجمة واحدة.....
ظلام دامس، حتى يدك لا تستطيع رؤيتها.... من الصعب جداً العثور على الطريق.. الأخطار تحف بك من كل الجهات.. وفي أية لحظة يمكن أن تسقط في أحد الوديان لتهلك للأبد....
تلمّس طريقك بوعي واحتراس شديد.. وسط هذه الأخطار الهائلة..
الغاية من كل هذا خلق حالة من الخطر الشديد لتكون بأقصى حالات الوعي... حتى إذا سقطت إبرة صغيرة تكون قادراً على سماع صوت سقوطها..
فجأة ستجد نفسك قرب هاوية ضخمة.. لا يمكن لأحد أن يعرف مدى عمقها...
خذ حجراً وارمه في هذه الهاوية، وانتظر سماع صوت ارتطامه بالقاع... استمر بالإصغاء والإصغاء بقلب خافق وكيان نابض.. لكن ليس هناك أي صوت!.... وكأنها هاوية لا أرض لها ولا قاع... نتيجة لهذا الإصغاء سيتولد لديك خوف رهيب، هذا الخوف هو الذي سيشعل لهيب الوعي لديك... ستغرق بالنوم شيئاً فشيئاً في قلب هذه السكينة الساكنة، ليتابع التأمل تغلغله فيك، ولتتواصل تلك الذبذبات طوال الليل...

يمكنك القيام بهذا التأمل كل ليلة قبل الذهاب للنوم، وعندما تفتح عينيك صباحاً ستشعر بأنك قد نمت بطريقة مختلفة كلياً... فهناك تغير نوعي ملاحظ، وليس مجرد نوم فحسب.......
هناك شيء آخر أكثر عمقاً من النوم كان حاضراً، إنه صمتك أنت
،